من تراب الطريق (1276)

من تراب الطريق (1276)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:59 ص, الثلاثاء, 8 مارس 22

أزمة الزعامة السياسية

(6)

عندما عاد الوفد إلى الساحة السياسية تحت اسم «الوفد الجديد»، وهو الحزب الوحيد الذى عاد بعد إلغاء الأحزاب فى بداية حركة الضباط الأحرار التى آلت إلى ثورة يوليو، عاد بزعامة فؤاد سراج الدين، وحالت شخصيته التاريخية وحنكته السياسية، دون تطلع أحد لمنافسته على رئاسة الحزب، والتصق به الدكتور نعمان جمعة المحامى والأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة وعميدها فيما بعد ـ وهو الذى اضطلع بقضية عودة الحزب بحكم تاريخى صدر عام 1984 بمسمى «الوفد الجديد»، واختاره سراج الدين نائبًا أول لرئيس الحزب، ولدى وفاة سراج الدين، ترأس الحزب مؤقتًا باعتباره نائبه الأول لحين إجراء الانتخابات، وفى الانتخابات نجح الدكتور نعمان كرئيس للحزب فى أغسطس عام 2000.

وأعرف الدكتور نعمان خليل جمعة معرفة شخصية، منذ كنَّا معًا بمدرسة المساعى المشكورة الثانوية بشبين الكوم، وكان يسبقنى بعامين، وعُرف طوال الدراسة الثانوية بنبوغه وتفوقه، وكان دائمًا الأول فى الامتحانات الشهرية وفى امتحان آخر العام، ونجح فى التوجيهية (الثانوية العامة فيما بعد) بتفوق، وتخرج بتفوق عام 1956 فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، وخدم فترة بالنيابة العامة، وحصل على الدكتوراه فى القانون المدنى من باريس، وعمل محاميًا، ثم التحق بهيئة التدريس فى حقوق القاهرة، وتدرج فى المناصب حتى انتُخب مرتين على التوالى عميدًا للكلية من عام 1988 إلى عام 1994، وشهدت كلية الحقوق فى عهده تطورًا ملموسًا فى جميع الأصعدة.

إذن كان مؤهلاً وجديرًا برئاسة الحزب، بإمكانياته وعلمه وسيرته وتاريخه، ولكن سرعان ما دبت الخلافات فى الحزب نتيجة المنافسة والرغبة فى الزعامة، وقد خانه التوفيق فى الترشح لرئاسة الجمهورية فى انتخابات الرئاسة عام 2005، فقد كان معروفًا أنها انتخابات غير جدية، وأنها شكلية ليتوسد مبارك مقعد الرئاسة الذى يشغله منذ عام 1981، بالانتخاب وليس بالاستفتاء، وقد صرح الدكتور نعمان فيما بعد بأنه أُكره على خوض الانتخابات بقرار من الهيئة العليا للوفد لإزاحته، بتدبير السيد البدوى فيما قال.

أما عن الخلافات والتنافسات، ومن كان على حق ومن كان على صواب، فقد انتهت فصول أو مشاهد الصراع بفوز الأستاذ محمود أباظة برئاسة الحزب، وهو أيضًا خريج حقوق القاهرة، ولكن سنة 1970، أى بعد تخرج الدكتور نعمان بأربعة عشر عامًا، إلاّ أن هذا لم يخفت من حدة الصراع الذى طوى على مشاهد مؤسفة، حيث أعلنت الهيئة العليا للوفد عام 2006 عزله، وتعيين محمود أباظة رئيسًا للحزب، ونتج عن ذلك صدام مادى فى مقر الحزب بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء، وقضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بإلغاء قرار الجمعية العمومية الطارئة لحزب الوفد الذى قضى بفصله من رئاسة الحزب. إلاَّ أن لجنة شئون الأحزاب، التابعة كما هو معروف للحزب الوطنى الحاكم، أيدت قرار حزب الوفد بفصله، ولم يقل أحد كيف تهدر لجنة شئون الأحزاب حكمًا قضائيًّا، وما هى مبررات تأييد قرار الفصل، وأسدل ستار هذه الفصول المؤسفة بوفاة الدكتور نعمان فى باريس، حيث سقط فى الشارع أثناء سيره، ونقل إلى المستشفى، حيث لاقى به. وقصة الدكتور نعمان قصة يجب أن تُروى، وأتمنى أن أفعل.

المهم فى حدود موضوع «أزمة الزعامة السياسية»، فإن مشهد الصراع على رئاسة الحزب، تكرر بين الأستاذ محمود أباظة والصيدلى السيد البدوى، الذى انتُخب فى 28 مايو 2010 رئيسًا للحزب خلفًا للأستاذ محمود أباظة.

ومع أن رئاسة البدوى للحزب استمرت زمنًا، إلاَّ أن الأمور لم تستقم له فى النهاية، بينما حرص على إعلان أنه يغادر بإرادته، ولا يرغب الترشح مرة أخرى لرئاسة الحزب، وتبوأ الأستاذ بهاء الدين أبو شقة رئاسة الحزب منذ مارس 2018.

ولم يقتصر الأمر على مغادرة السيد البدوى لموقع رئيس الحزب ـ وإنما قرر حزب الوفد إسقاط عضويته لعدم تسديد مديونياته المالية للحزب، وأصدر الأستاذ بهاء الدين أبو شقة، رئيس الحزب الحالى، بياناً تفصيليًّا بأسباب فصله، بقرار من الهيئة العليا للوفد فى 19/ 6/ 2019، لفقده أحد شروط العضوية بالحزب، بينما أرسل الصيدلى السيد البدوى إنذارًا على يد محضر إلى رئيس الحزب يحذر فيه من إسقاط عضويته !

وصرح أخيرًا الأستاذ بهاء أبو شقة ـ لروز اليوسف، أن هناك قلة أرادت الانحراف بالحزب والدخول به فى نفق مظلم، وكشف فى حديثه تفاصيل الأزمة والمخططات التى واجهها الحزب خلال الأيام الماضية، ويبدو أنه لا يزال يواجه توابع هذه المخططات، التى تؤكد الأزمة التى تواجهها الزعامة السياسية !

ولعل أبرز الأمثلة على هذه الأزمة، ما جرى بين قادة وأقطاب الثورة الفرنسية التى هبت عام 1789، وأدت إلى إقصائهم وإعدامهم تباعًا، واحدًا تلو الآخر !

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com