محمد فريد شهيد الوطنية الذى لاقى الجحود والنكرا
(11)
استأنف الأستاذ يحيى حقى عتابه ـ ونحن معه ـ لثورة 1919 فى موقفها من الزعيم الوطنى محمد فريد، فيؤكد أنه لا يتحدث بلسان المؤرخ، بل يحاول تصوير وجدان صبى (يقصد نفسه فهو مواليد 1905)، كان يمشى فى المظاهرات سنة 1919، وشمله المناخ الجديد.
بغير توجبه من أحد، فإنه لم يفهم لماذا ترحب الثورة بتمزيق صحيفة «المقطم»، فهى ربيبة الإنجليز، بينما لا ترحب بالهتاف بسقوط السلطان فؤاد.
إن كان هذا الصبى ـ فيما يقول ـ متألمًا فى قرارة نفسه لما جرى لمحمد فريد، متململاً من اتصاف الثورة والوطن بالعقوق، فإنه قد فهم بغريزته أن «أوراق اللعب» تبدلت، كانت فى الحزب الوطنى (القديم) تشمل بالأمس «تركيا + دولية قضية مصر + لا مفاوضة إلاَّ بعد الجلاء + المطالبة لا بوحدة مصر والسودان وحده بل بالملحقات أيضًا ! + زيلع وهرر ومصوع ولا يدرى ماذا أيضًا»، فإنهم قد أحسُّوا وهم يمشون فى المظاهرات أن هذا كله ضربٌ من الأحلام أو المعوقات، وأن ثورة 1919 لها نظرة جديدة عملية، مختلفة كل الاختلاف، لذلك قبلوا ـ ولو على مضض ـ «ركنة» محمد فريد، وإن ظل فى قلوبهم صوت يوسوس : ولا محـل فى الثورة «لزعيمين»، ومحمد فريد إما أن يكون زعيمًا وإما أن يكون لا شىء، ولا وسط، ولكنهم لم يتصوروا يومئذ أن النظرة العملية التى نسبوها للثورة قد تهبط إلى حد قبول المساومة على حقوق الوطن، وتمام استقلاله، ولم يعلموا إلاَّ فيما بعد وبأسف شديد أن المساومة كانت على حساب زعماء هذه الثورة من أول يوم لهم !
ما لم يقله الأستاذ يحيى حقى، أن هذا كان حال قيادة ثورة 1919 ذاتها، فنحن نعرف أن الذين ذهبوا إلى المعتمد البريطانى ثلاثة : سعد زغلول، وعبد العزيز فهمى، وعلى شعراوى، وما هى إلاَّ سنوات قصيرة إلاَّ وخرجوا تباعًا من الساحة، وطال ذلك كل من شكّلوا نواة الوفد المصرى وعضده، فقد توالى اختفاؤهم واحدًا وراء الآخر، مع أن أحدًا من هؤلاء ـ وكلهم شخصيات كبيرة من وزن عبد العزيز فهمى، وأحمد لطفى السيد، ومحمد على علوبة، وإسماعيل صدقى، وعلى ماهر، ومحمد محمود، وإنما كانوا فقط أصحاب رأى، فلم يتسع لهم صدر الزعيم، حتى عدلى يكن، رئيس الحكومة، لم يقبل الزعيم أن يكون بحكم منصبه كرئيس لوزراء مصر، رئيسًا لوفدها فى المفاوضات، وإزاء عدم معقولية المطلوب، أبدى أقطاب الوفد لزعيمه أن ما يطلبه ويصمم عليه غير جائز، وأن المصلحة الوطنية تقتضى أن يترأس رئيس الوزراء الوفد المصرى فى المفاوضات، ولكن سعد زغلول لم يقبل رأى زملائه من أقطاب الوفد، ولم يقبل المنطق الذى يحسم المسألة، وطفق ينعت عدلى يكن بأوصاف ثقيلة تشكك وتمس وطنيته، قائلاً إن معنى ترأسه للوفد أن جورج الخامس يفاوض جورج الخامس.
من يدرس تاريخ ثورة 1919، يرى بوضوح أن قمة قيادتها لم تتسع إلاَّ لواحد فقط، وأن أصحاب الرأى انصرفوا أو صرفوا من حوله تباعًا وترك هذا غصة لدى عبد العزيز باشا فهمى، طلّق السياسة من أجلها، ورفض من مرارته أن يتحدث حتى فارق الدنيا. وهذه الظاهرة قد لحقت بالوفد بعد وفاة الزعيم سعد زغلول !
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com