مـحمد فريد الزعيم النبيل الشهيد
(2)
فى تلك الأيام كانت الصحافة مطاردة وملاحقة، تدرك سلطات الاحتلال والأذناب أنها الخطر الحقيقى الفاعل فى إيقاظ الوعى وتنبيه الشعب بحقوقه والأخطار المحدقة بالوطن.. توالت الإنذارات والمصادرات والإيقافات على الصحافة الوطنية، وتحملت صحافة الحزب الوطنى (القديم): «اللواء» وفروعها أو بدائلها أوفى نصيب من هذه الملاحقة، ونالت المطاردة صحيفة «المؤى» التى كان يصدرها الشيخ على يوسف، كما نالت الشيخ عبد العزيز جاويش الذى مرت بنا محاكمته مرتين، الأولى فى يوليو/ أغسطس 1908 بتهمة نشر أخبار كثيرة عن السودان، والثانية فى يونية 1909 عن مقاله: «ذكرى دنشواى» .. وكانت إعادة قانون المطبوعات تستهدف مزيدا من تطويق الصحافة والمصادرة عليها !.. وصادف حصار الحكومة وسلطات الاحتلال أن شجر خلاف بين ورثة مصطفى كامل على ملكية جريدة «اللواء»، وعين يوسف المويلحى حارسا قضائيا على شركة الجريدة، وذهب فى 28 فبراير 1910 لتنفيذ الحكم بعد ثمانية أيام من اغتيال بطرس غالى، واستلم إدارة «اللواء» بينما كانت مطاردة السلطات وقضيتها على الحزب الوطنى وجرائده قائمة على قدم وساق، وأراد الحارس القضائى أن يتدخل فى سياسة التحرير، فرفض الأستاذ محمد بك فريد وأعلن أن الجريدة لم يعد لها علاقة بالحزب الوطنى فى ظل هذه الحراسة القضائية، وسارع إلى إصدار جريدة «العَلَم» لتكون لسانا معبرا عن الحزب الوطنى إلى أن تزول الغمة عن جريدة «اللواء»، فصدر أول أعداد «العَلَم» فى 7 مارس 1910 وأقبل عليهـا الشعـب إقبالاً كبيرًا، وأحلهـا فور صدورها محل «اللواء» المفروض عليها الحراسة، بيد أن السلطات لم تطق صبرا على «العَلَم» مثلما لم تطق صبرا على اللواء، فأصدرت الحكومة قرارًا فى 20 مارس بإيقاف الجريدة شهرين بذريعة أنها خرجت فى كتاباتها عن حد الاعتدال!!!
لم يتراجع المحامى الفارس محمد بك فريد، ولم يرتض انحباس صوت الحـزب الوطنى لسان حال الشعب، فأصدر فى اليوم التالى جريدة «الشعب» ثم «العدل» و«الاعتدال»، ودبج محمد فريد فى جريدة الشعب مقالاً ناريّا، وأعاد إصدار «العَلَم» فور انتهـاء مـدة الإيقاف، حتى لا يسكت لسان الشعب يوما واحدًا !
ولكن السلطات أمعنت فيما تريده من حصار وتطويق ومحاربة للحركة الوطنية، فأصدرت الحكومة فى 16 يونية 1910 القانون رقم 27 لسنة 1910 الذى تضمن إحالة تهم الصحافة إلى محاكم الجنايات بعد أن كانت من اختصاص محاكم الجنح، رامية بذلك إلى تغليق فرصة إجراء المحاكمة الصحفية على درجتين «جزئية واستئنافية»، وسنت هذا القانون بذات يوم 16 يونية 1910 القانون رقم 28 لسنة 1910 بتعديل بعض نصوص قانون العقوبات للمعاقبة على الاتفاقات الجنائية ولو لم تدخل حيز التنفيذ ودون أن تتوافر فيها أركان الاشتراك فى ارتكاب الجريمة، كما تناول التعديل أيضا منع نشر المرافعات فى القضايا الجنائية إذا رأت المحكمة فى نشرها بالصحف إضرارا بالنظام العام، كما أقامت المسئولية الجنائية فى حق رؤساء تحرير الصحف عما ينشـر فيها ولـو لم تتوافر فى حقهم أركان الاشتراك الجنائى، وهو ما يسمى بالمسئولية الافتراضية التى قضت المحكمة الدستوريـة العليـا (فيما بعد فى 1/ 2/ 1997) بعدم دستوريتها لمخالفتها مبدأ شخصية المسئولية والعقوبة!
لم يسكت الأستاذ محمد بك فريد فارس الوطنية وسليل المحاماة، فكتب مقالا ناريا بجريدة «الشعب» اللسان الجديد للحزب الوطنى تحت عنوان: «سياسة الشدة» انتقد فيه بشدة هذه التعديلات، ونعت مشروع القانون بأنه يشبه «قانون المشبوهين» الذى فرضته الحكومة الثورية فى فرنسا فى أواخر القرن الثامن عشر للانتقام من كل من يخالف سياستها، وتكميم الأفـواه وإلجـام الألسنة بهذه القوانين الاستبدادية التى تعاقب على اتفاق لم يدخل حيز التنفيذ!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com