حول التطرف والإرهاب
مع الإمام الطيب (4)
رأينا فى السنوات القريبة الماضية؛ كيف طال هذا الإرهاب الأسود لبنان جنة العرب، فأعمل فيها الدمار، وأتى على الأخضر واليابس، واستهدف القضاء على التعايش المشترك بين الطوائف فيها، ويعرف من تابعوا أنه فى نوفمبر 2015، تبنى تنظيم داعش الإرهابى عملية إرهابية فى منطقة « برج البراجنة»، أسفرت عن 43 قتيلاً، و 239 جريحًا، وطال هذا الإرهاب فى ذات الشهر العاصمة الفرنسية باريس، واغتال من الذكور والإناث ما يزيد على مائة من القتلى والضحايا من الأبرياء، وأصاب مئات أخرى منهم، بجراح مميته، دون أن يكون لهؤلاء الإرهابيين أى حُجّة على القتلى والجرحى، فاغتالوا الأبرياء وهذا إثم فى الإسلام عظيم وعند الله تعالى أعظم.
الذين يرتكبون هذه الآثام والجرائم، ويظنون خبلاً أنهم يحسنون صنعًا، بينما هم يزرعون ويقيمون العداوات ضد الإسلام والمسلمين ؛ فى بلد فيها أكثر من خمسة ملايين مسلم، فعرضوهم للكراهية وكراهية الإسلام ذاته، فيما صار يعبر عنه بالإسلام فوبيا ولم يكد العالم يفيق من هاتين الكارثتين، حتى صدم بكارثة دامية أخرى فى «مالى» ؛ وما قتل فيها من الرهائن المحتجزين فى «باماكو» فى فندق «رادسوف بلو»، أما مصر وبقيّة العالم العربى فقد نالهم من هذا الإرهاب الأسود أوفى نصيب، ومن اللافت أن هؤلاء الحمقى تركوا الأعداء، وأعملوا قتلاً فى المسلمين.
هذا الإرهاب فيما يقول الدكتور الطيب هو أولاً وأخيرًا فكرٌ ملبوس، فهو عند معتنقيه فلسفة حياة يهون من أجلها الموت والانتحار، بدعوى أن هذه العمليات استشهادية، بينما هى إثم عظيم لا علاقة له بالشهادة والاستشهاد.
ويثبت التاريخ أن بواعث الإرهاب ليست مردودة فقط إلى الانحراف عن الأديان، فمن هؤلاء مأجورون حتى صار مألوفًا أن يكون فى هذه الميليشيات المسلحة مأجورون من شتى بقاع العالم، ومنهم بل ومعظمهم من لا يديـن بالإسلام!
ينبغى إذن أن يفهم الجميع أن الإرهاب لا دين ولا وطن ولا هوية له، ومن الخطأ البالغ أن يُعزى هذا الإجرام إلى الإسلام، فالإرهاب والقتل محرمان فى كافة الأديان وفى الإسلام.
لقد عانى المسلمون بأضعاف أضعاف غيرهم من هذه الهجمات الإرهابية التى شنتها عليهم جيوش منظمة وميليشيات مسلحة وعصابات، بعضها قد اتخذ من الأديان ستارًا، ومع ذلك لم تختلط الأمور فى أذهاننا، واعين مدركين أن من ارتكبوا جرائم حرق المصحف وحرق بيوت الله فى الغرب، لا تعزى جرائمهم إلى أى دين من ديانات الغرب.
واجب إذن على أئمة الأديان أن يحملوا عبء التعامل مع الإرهاب الذى يزداد يومًا بعد أيام، وصار من المتعين، فيما أوصى الإمام الأكبر:
أولاً: أن نسير فى اتجاه إطفاء الحرائق، وردم بُؤَر التوتر فى عالمنا العربى والإسلامى ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
وثانيا: التصدى للفكر الإرهابى بمختلف صوره وأشكاله، ودعوة النُّخَب العربية والإسلامية كلٌّ فى مجال تخصصه لتجفيف ينابيع هذا الفكر الملبوس من خلال منظومة متكاملة تشمل التعليم والثقافة والشباب والإعلام، وخطاب دينى معبِّر عن حقيقة الإسلام وشريعته.
وثالثا: محاربة ثقافة الكراهية والحقد، ونشر ثقافة الأخوّة والمودَّة والزمالة العالمية التى دعا إليها شيخ الأزهر الأستاذ محمد مصطفى المراغى فى رسالة مشهورة، بعث بها إلى مؤتمر علماء الأديان الذى عُقد فى لندن بالقرن الماضى عام 1936م.
ويُحمد لمجلس حكماء المسلمين أنه يطلق من سنوات قوافل تدور حول العالم وتجوب شتى البقاع لتنشر ثقافة السلام التى يتبناها الإسلام، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التى أدت إلى ما تعانى منه الإنسانية هذه المعاناة المرة !!
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com