من تراب الطريق (1230)

من تراب الطريق (1230)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:40 ص, الأحد, 28 نوفمبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(63)

مكانة العلم وآداب العلماء

أصل هذا الفصل، كلمة ألقاها فى مشيخة الأزهر، الإمام الأكبر فى 27 جمادى الآخرة 1437هـ / 6 أبريل 2016، بمناسبة منح فضيلته الدكتوراه الفخرية من جامعة بنى سويف.

والعلم ـ كما قال ـ أشرف ما يعتز به الإنسان ويرتفع به قدره «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة 11)، هذا الشرف والمنزلة هما صدى لما يلقيه العلم على صاحبه من مسئولية كبرى فى المجتمع، وفيمن حوله. ففى الحديث: «الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم».

من المعلوم، أن العلم رحِمٌ بين أهله، ورابطة عقلية وروحية، يسلك بها العلماء سبيلهم للتعرف على آيات الله فى كونه.

وأول آداب وواجبات العلم فى الإسلام، هو تعليمه لمن لا يعلمه، ونشره بين الناس، والاعتزاز به والتوجيه لذلك وللإلتزام به وبتقاليده وتبعاته. فالعلم ليس سلعة تباع، ولا يجوز أن يكون كذلك، وإنما العلم رسالة ينهض بها العالم، ويسعى إليه طالب العلم.

وبعد الثناء والشكر على هذه الهدية الرمزية الأدبية، يقفى بأن التكريم الذى تلقاه، هو فى الواقع تكريم لمنهج الأزهر الوسطى، ونزعته الملتزمة إلى التجديد، مقتديًا بما اضطلع به الأستاذ الإمام محمد عبده، ومن بعده الشيوخ العلماء: سليم البشرى، ومحمد بخيت المطيعى، ومحمد مصطفى المراغى، ومصطفى عبد الرازق، ومحمد عبد الله دراز، ومحمود شلتوت، ومحمد أبى زهرة، والغزالى، وسائر هذه الكوكبة الذين زين علمهم حياة الأزهر، وأثرى بالمعرفة طلابه.

يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام : «يحمل هذا العلمَ من كلِّ خلفٍ عدولُهُ، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتخال المبطلين، وتأول الجاهلين». قيام الأزهر بهذه الرسالة واجبٌ سيظل وفيًّا وعلماؤه له.. ينفون عن الإسلام تحريف الغلاة المخربين للعقول، المحرفين للدين، ويعملون على تنقية تراثه العريق من الملصقات التى لا تنتمى إليه، وإنما نَدَّ بها فتاوى شاذة، وفكر مريض سقيم، وتأويل فاسد يقوم ـ ولا قيام له ـ على غير قواعد العلم والفهم والتفسير والدعوة الصحيحة، وسعيًا لعمارة الأرض، وخدمة الوطن والإنسانية.

هذا الاحتفال بالعلم ومكانة العلماء، حفر فى الإسلام ـ مع العقل ـ أكبر مقوماته، لتحقيق عالمية الدين الممتدة فى الزمان والمكان. وتفتحت به أبواب تلو أبواب، تحترم العلم ومكانته، وتحرص على اتخاذه غاية ومنهاج حياة. أوصى القرآن الكريم رسوله المصطفى بأن يتخذ من طلب العلم دعاءً له إلى رب العالمين: «وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا» (طه 114).. وجعل سبحانه من التعليم غايةً للرسالة ذاتها ولرسولها المصطفى..

«كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ» (البقرة/151).. «هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ»

(الجمعة/2).. ولا يرتفع المسلم بفضيلة كما يرتفع بفضيلة العلم. ولا ينهض على الدعوات إلاَّ العلماء الذين أمسكوا بكل أطراف العلم، وليس الجاهل كالعالم. «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» (الزمر/9).. «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ» (آل عمران/ 7) .

ولا يوصف المسلم بفضيلة أعز وأفضل من فضيلة الحكمة التى قوامها العقل والعلم.. «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» (البقرة/ 269).. ومن فضل الله تعالى على رسول القرآن ما آتاه من كتاب وعلم وحكمة.. «وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» (النساء/ 113).

وليس أعز فى تكريم العلم والعلماء من الآية الكريمة التى تقول: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء» (فاطر/28).. والحق سبحانه وتعالى قرن ذوى العلم بالملائكة فى المعرفة الحقة بألوهيته وربوبيته ووحدانيته.. «شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ» (آل عمران/18).

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com