من تراب الطريق (1207)

من تراب الطريق (1207)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:47 ص, الثلاثاء, 26 أكتوبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(40)

رؤية الإمام الأكبر

حسبى كفكفةً لنفسى، وما صدمت به من بناء مشروع «التراث والتجديد»، فى مبناها وفى صياغتها وفى مقاصدها، أن أختم بما ختم به فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بعد أن قرع الأجراس، وأثار الانتباه إلى اتجاهٍ رأى بحق أنه يحتاج إلى مناقشة وردود. قال فضيلته:

«أولاً: ثمة فرقٌ بين التجديد وبين التغيير؛ الأول: حفاظ على الأصول وإضافة إليها، ونفضٌ لما يتراكم عليها من غبار يحجبها عن الأنظار. والثانى: هدمٌ وبدءٌ جديدٌ من فراغ يتم تحت أى مسمَّى.. إلاَّ مسمَّى التجديد، اللهم إلاَّ إذا كان القصد تغييب الوعى أو خداع الجماهير.

«ثانيًا: إن مفهوم مشروع التراث والتجديد ينتهى بنا فى التحليل الأخير إلى المتاهات الآتية:

المتاهة الأولى: اعتبار الإسلام معطى تاريخيًّا، وواقعةً حضاريةً حدثت فى التاريخ يهمنا منه ما نشأ بوصفه حضارة، وليس مصدره: من أين أتى ؟ تهمنا حضارته بعد حدوثه بالفعل، وتجديد التراث ليس هو البحث عن النشأة بل عن التطور.

المتاهة الثانية: البداية العملية للتغيير تعنى البدء بالواقع واعتباره المصدر الأول والأخير لكل فكرة.

المتاهة الثالثة: تحريم عملية التغيير على الطبقة البورجوازية أو من ينتمى إليها، وإسناد المهمة بكاملها إلى الطليعة المنتسبة نفسيًّا ونضاليًّا إلى الطبقة العاملة.

«ومن حقنا أن نقرر فيما يبدى الإمام الأكبر: أن «التراث والتجديد» فى هذا الإطار نظرة خاصة وشخصية إلى أبعد حد ممكن، وأنه لا يعبر عن آلام وآمال الجماهير، بل جاء تعبيرًا عن آمال فئة محدودة العدد جدًّا، وإلى الحد الذى يُسقطُها من حساب النسبة والتناسب، ومن حقنا أيضًا أن نقول: إن تجديد التراث الإسلامى لا يحسنه إلاَّ عالم ثابت القدمين فى دراسة المنقول والمعقول، فاهمٌ لطبيعة التراث ولطبيعة المناهج وأدوات التحليل الفكرى المستخدمة فى البحث والتقصى، وهل تتلاءم مع طبيعة تراث يعتمد على أصول ثابتة موجهة للواقع وحاكمة عليه، أو تتنافر معه منذ الخطوة الأولى من البحث.

«والذى لا شك فيه أن مشروع «التراث والتجديد» هذا، بل أكثر مشاريع التجديد قد خلا من هذه الشروط الضرورية، ونظر إلى تراثنا فى أصوله الثابتة من منظار منهج تطورى أُولَى مُسلَّماته: أن لا ثابت ولا مقدَّس، ومن ثم فلا شك والأمر كذلك أن تجىء النتائج كلها مضطربةً متناقضةً، الأمر الذى يجعلنا نتساءل عن أهداف مثل هذه الدراسات، وهل هى حقيقةً تجديد لتراث الأمة الإسلامية، وبحثٌ عن هويتها، وتأكيدٌ لذاتيَّتها، أو هو استئصال لما تبقى من عناصر قوتها وحيويتها، تأكيدًا لاستمرار التبعية واستلاب الذات.

«كما نسجل أيضًا والحديث للإمام الأكبر: أن مشروع «التراث والتجديد» قد أهدر كثيرًا من دلالات النصوص اللغوية والتاريخية لحساب رؤية خاصة لم تحل الإشكال، بل زادته اضطرابًا وغموضًا.

«ثالثًا: لا ننكر أننا فى حاجة إلى التجديد، بل مشكلتنا الأم: هى غيبة التجديد، لكن شريطة الوضوح والفصل بين مجال الثوابت ومجال المتغيرات، والتفرقة الحاسمة بين أصول الدين وتراث أصول الدين.

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com