Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

من تراب الطريق (1201)

من تراب الطريق (1201)
رجائى عطية

رجائى عطية

5:27 ص, الأحد, 17 أكتوبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(34)

التراث عند مدرسة التراث والتجديد

التراث فى منظور هذه المدرسة، ليس هو المستوى المادى المتمثل فى الكتب المطبوعة والمخطوطة، ولا هو حقائق نظرية موجودة، أو حقائق جاءت سلفًا لتغيير الواقع، بحيث لو شكل الواقع خطرًا عليها وجب الدفاع عنها فى مواجهته.

ومثل هذا التصور للتراث ينبنى ـ فيما أبدى الدكتور الطيب ـ على نظرة انفصامية مرفوضة من أصحاب هذا المشروع، ومن هنا حرصوا على استبعاد هذين المستويين من مفهوم التراث، فلا هو كتب ومخطوطات، ولا هو حقائق مجردة مستقلة متلقاة من مصدر يتعالى على مستوى واقعنا، بل التراث هو: «المعبَّر عن الواقع الأول (الذى كان) والذى هو جزء من مكوناته».

وعلى ذلك فإن التراث بهذا المعنى الذى تتبناه هذه المدرسة، هو «المخزون النفسى للجماهير» أى الشعب، وبذلك يتسع مفهوم التراث إلى مفهوم الثقافة الوطنية أو الثقافة القومية، على تصور أن الشعوب تحفظ تراثها الشعبى قدر حفظها تراثها الدينى، فالناس يطربون للمطربين، ويطربون لسماع القرآن، بما مؤداه أن الوجدان القومى أو المزاج الشعبى يتكون من رافدى الفن الدينى والفن الشعبى، وهو ما تبناه الدكتور حسن حنفى فى مؤلفه «الدين والثقافة الوطنية».

ولن يخطئ القارئ التسوية المقصودة فى هذا النظر بين الدين والفنون الشعبية فى تكوين نفسية الجماهير أى الشعب، وأن الأغانى أو قصص الهلالى ـ مثلاً، تقف جنبًا إلى جنب مع الدين وراء وعى الجماهير المسلمة وسلوكياتهم وتوجهاتهم .

وليس يفوت أيضًا ـ فيما أبدى فضيلة الدكتور الطيب ـ أن هذه التسوية (المعتسفة) تهدف إلى تحطيم متعمد «للمقدس» فى نفوس الجماهير، ومع أن هذا النظر يدعى الأحقية فى الحديث عن الجماهير والدفاع عنها، إذا به يتناسى أن ذات هذه الجماهير فكرها وشعورها ووجدانها ومخزونها النفسى ـ يرفض رفضًا لا مراء فيه، هذا الخلط بين الدينى والشعبى: وأنها لا تعرف فنًّا دينيًّا بالمعنى الذى يصوره صاحب «التراث والتجديد» وإنما تعرف دينًا له قدسيته وحرمته فى القلوب والعقول، وتعى تمامًا الفرق الذى يتخطاه صاحب هذا النظر المعتسف، بين الدين كحقائق إلهية، وبين القصص أو الفن الشعبى أيًّا كان مصدره.

المفهوم الغريب يناقض نفسه!

ومن العجب ـ أيضًا ـ أنه بالرغم من تأكيد صاحب «التراث والتجديد» على أهمية الفنون الشعبية حتى وازاها فى خطورتها بالدين فى وعى الأمة وثقافتها، فإنه صمَتَ صمْت القبور عن «الفنون الشعبية»، ولم ير أنها مسئولة من قريب أو بعيد عن الواقع المتردى للجماهير، فى الوقت الذى يحمل فيه على التراث الدينى، ويعزو إليه التأثير كله ويحمَّله وحده كامل المسئولية عن كل ما أصاب الأمة فى العصر الحديث من جهل وفقر وتخلف.

وعلى ذلك فإن القارئ لن يحتاج إلى ما يؤكد أن هذا التنظير الذى يساوى بين الدين ـ أو القرآن الكريم، وبين الفنون الشعبية فى هذا الموضع ـ لا يمتُّ بأى صلة إلى مبادئ التحليل العلمى الذى يتسق فيه استنباط النتائج من مقدماتها، ويكشف عن أن مقصود هذه المحاولة هو محض «خلخلة قدسية الدين» فى نفوس الناس، ليصير مجرد معطى تاريخى ـ لا إلهى ـ قابل برمته لإعادة التشكيل!!!

التراث والواقع عند مدرسة «التراث والتجديد»

رأينا أن التراث فى مفهوم تلك المدرسة ـ لا يستمد قيمته من مصدره المفارق أو المتعالى على الواقع، وإنما يستمد قيمته من كونه حاكيًا أو عاكسًا لواقع معيَّن، بل واعتبار الواقع ذاته جزءًا فى ماهية هذا التراث، وليس موضوعًا يتنزل عليه التراث ويؤثر فيه.

والنتيجة الحتمية لهذه النظرة هى «محدودية التراث» فى فترة تاريخية عبَّر عنها وتعامل معها، وعلى ذلك فإذا تخطاها الواقع وجب طبقًا لمنظورها تغيير محاور التراث، وإعادة تشكيلها حسب أنماط التغير الاجتماعى الجديد، حتى ولو أدى ذلك إلى محاور تراثية جديدة تناقض محاور التراث القديم!

ويرفض صاحب «التراث والتجديد» أن يتسرب إلى الذهن أن التراث يؤثر فى واقع الحياة ويربطها بالمفاهيم الكلية الثابتة فى التراث بعد إعادة تشكيل المفاهيم المرنة وتطويعها، وإنما يحرص على الإفصاح عن أن عملية التغيير تتم لصالح الواقع والتراث له تبع، لأن الواقع حسبما يرى «هو المصدر الأول والأخير لكل فكر».. أيًّا كان هذا الفكر أو مصدره!

وينقل فضيلة الدكتور الطيب نصوصًا بنصها لصاحب هذا الاتجاه، تؤكد هذا الفهم القائم لديه بشأن علاقة التراث بالواقع.. ومما قاله:

– «ليس التراث موجودًا صوريًّا له استقلال عن الواقع الذى نشأ فيه. بل هو تراث يعبَّر عن الواقع الأول الذى هو جزء من مكوناته»!!

– «التراث إذن ليس له وجود مستقل عن واقع حىًّ يتغير ويتبدل ويعبر عن روح العصر، وتكوين الجيل ومرحلة التطور التاريخى»!!

– «ليس التراث مجموعة من العقائد النظرية الثابتة والحقائق الدائمة التى لا تتغير، بل هو مجموعة تحقيقات هذه النظريات فى ظرف معين، وفى موقف تاريخى

محدد، وعند جماعة خاصة تضع رؤيتها، وتكوَّن تصوراتها للعالم»!!

– «التراث ليس له قيمة فى ذاته إلاَّ بقدر ما يعطى من نظرية علمية فى تفسير

الواقع، والعمل على تطويره»!!

– «فالتراث القديم (!!!!) هو أيضًا جزءٌ من الواقع ومكوناته النفسية»!!

– والواقع: «هو المصدر الأول والأخير لكل فكر (؟!)، والقيم القديمة التى حواها التراث جزء من هذا الواقع»!!

وهذه النصوص تعكس ـ فى صراحة ووضوح ـ خطة يصير التراث فى ضوئها إلى مجرد مصدر مادى هو الواقع، مع تعميم الحكم على هذا التراث أيًّا كان وأيًّا كان مصدره، وهذا مفهوم لا يغيب مرماه!!!

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com