الإمام الطيب والقول الطيب
(19)
معنى الجهاد فى القرآن والسنة
(1)
هذا الموضوع يحتاج إلى بيان من أهل العلم، فقد اختلطت مفاهيمه لدى كثيرين، وإختلطت اختلاطًا أشد لدى المتطرفين والإرهابيين، وهو ما يفسر لنا سبب إهتمام الإمام الطيب بتناول موضوعه أكثر من مرة بالبيان والإيضاح.
وما أمامنا الآن بحثٌ نشر سلفًا فى كتاب «الأزهر فى مواجهة المفاهيم المغلوطة»، ضمن أعمال مؤتمر الأزهر العالمى لمواجهة التطرف والإرهاب، المنعقد فى يومى 11، 12 صفر 1436 هــ، الموافق 3، 4 ديسمبر 2014.
فى هذا البحث الضافى، ينبه الإمام الطيب إلى خطأ الفكر الذى يحصر معنى الجهاد فى الحرب والقتال، دون أن يلاحظ أن كلمة «الحرب» لم ترد فى القرآن سوى أربع مرات، بينما وردت فيه كلمة «جهاد» بمشتقاتها إحدى وثلاثين مرة، لم تقتصر فى القرآن ولا فى السنة على المعنى المختزل الذى فهمه البعض لمعنى الجهاد.
لقد تعددت معانى الجهاد فى القرآن والسنة ـ فيما أبدى الإمام الأكبر شيخ الأزهر ـ وتعددت وسائله أيضًا، فهناك الجهاد بالنفس، أو بالمال، أو باللسان، بمعنى الحجة والبرهان، أو الجهاد بالقرآن ذاته فى مجال بيان الإسلام وبسط جوهره ومعانيه وأحكامه، ودعوة الناس إليه وإلى الإسلام.
ومن الجهاد جهاد النفس والشيطان والهوى، ومسماه فى السنة الجهاد الأكبر، مقارنًا بالجهاد الأصغر وهو القتال، ومن أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام : «المجاهد من جاهد نفسه»، وقوله : «جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم».
وحكمة وعلة وشرط الجهاد بالنفس أو بالمال، أن يكون فى سبيل الله، فمشروعية الجهاد مرتبطة بغايات إنسانية نبيلة، فلم يُبَحْ للتوسع أو احتلال الأراضى أو الاستيلاء على موارد الغير أو قهر الشعوب، ولا من أجل العلو فى الأرض أو الركوب على رقاب الناس.
والجهاد بالقتال مشروط ببواعثه ومقاصده، فإذا خرج عن هذا الإطار لا يكون جهادًا ولا يكون مشروعًا، وإنما يكون تعديًا قبيحًا مرفوضًا فى شريعة الإسلام وأخلاقه.
ويتوقف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ليسترعى الانتباه إلى خطأ الخلط بين كلمتين «القتل» و«القتال»، مع أن الفرق بين معنى الكلمتين كبير، فالقتل يعنى المبادرة إلى القتل، طرفاه قاتل وقتيل، وهذا غير القتال، فالقتال مواجهة بين طرفين متعددين فى غالب الأحوال، يقاتل كل منهما الآخر فى عملية قتالية، وإلى هذا المعنى الثانى تنصرف كلمة الجهاد، فلا يعد جهادًا القيام بالقتل الذى يستهدف به القاتل قتيلاً، بغض النظر عن أسبابه أو تعلاته. فهو قتل وليس جهادًا، والقتل محكوم بتحريمه كقاعدة، ولا يصير مباحًا إلاَّ للدفاع الشرعى كما تتفق كل الشرائع، أو لحالة ضرورة ألجأت إليه إلجاءً لا مفر منه، وعقابه القصاص أو الحد حسب الأحوال، ولا يسقطه إلاَّ الشبهة فى الفعل أو المحل أو القصد. وفى كل هذه الصور لا يعد «جهادًا» ناهيك عن أن يكون فى سبيل الله.
وعلى ذلك فإن الجهاد فى الإسلام ليس أمرًا بالقتل، وإنما بالمقاتلة أى بالتصدى فى القتال للمقاتل الآخر ومجاهدته، لرد عدوانه أو إيقاف هجومه، وهو مرهون بألا يكون للإثم والعدوان.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com