الإمام الطيب والقول الطيب
(14)
السنّة والبدعة
السنّة والبدعة، موضوع قديم، يتجدد الحديث فيه من وقت لآخر، تدعو إليه مستجدات الخلط الذى تقع فيه الجماهير والعامة، وعدم التفطن جيدًا لمفهوم البدعة، يؤدى إلى اضطراب الأمور، اضطرابًا قد يقع فى أذهان العلماء.
يساهم فى زعزعة الاستقرار، ما يبثه دعاة الفضائيات أو بعض أئمة المساجد، من الخلافيَّات فى الفروع القابلة للتأويل، الأمر الذى يربك الناس، ويزعزع استقرارهم وطمأنينتهم، ويشغلهم بالجدل السئ الذى لا نفع فيه، بل يزيد البلبلة.
يحدثنا الإمامم الطيب ـ فى مؤتمر عقد بمسجد النور بالعباسية فى نوفمبر 2008، كيف شاهد فى قناة فضائية متخصصة فى تشويه صورة الإسلام، مذيعًا يسخر من المسلمين بعرض صورة لشيخ فضائى متقدم فى السن، وإلى جواره إناء فيه ماء، ليعلّم الناس الوضوء السنّى، بحركات تمثيلية معقدة، ليقول أى الأصابع يمسح باطن الأذن، وأيها يمسح ظاهرها، وكيف يكون وضع كل إصبع.. الخنصر والبنصر والوسطى بالنسبة للإبهام. وليعلق المذيع فى آخر المشهد ساخرًا: « كان الله فى عون المسلمين، يلزمهم كتالوج علشان يعرفوا وضوءهم ».
وغاية هذا المخطط، فيما ينبّه الدكتور الطيب، إحداث الفوضى، الخلاّقــة أو البناءة (؟!!!)، والتى تستهدف تحويل الساحة إلى حراك فكرى مضطرب لا ضوابط له، ولا قيود، ولا حدود!
وهذه سفسطة وقضية كاذبة؛ لأن أبسط قواعد المنطق البشرى تُقرِّر أن الفوضى لا تلد إلاَّ فوضى، وأن العقل السليم لا يتصور أن تخلق الفوضى نظامًا وحكمة وتقديرًا، لسبب بسيط جدًّا، يعلمه أصغر تلميذ دارس للعقليات ؛ هو أن الفوضى عدمٌ، بينما النظام وجودٌ، وأن العدم لا يخلق الوجود بحال.
وللأسف الشديد ؛ تحولت هذه الأوهام السوفسطائة فى أذهان البعض من كبار قادة العالَم إلى سياسة مُورسَت بالفعل فى الشرق، ودفع فيها المسلمون ثمنًا باهظًا ومُرعبًا، تَمثل فى هذه الدماء التى سالت أنهارًا فى حروب طاحنة، دارت رحاها فى العراق وأفغانستان ( سوريا وليبيا الآن ) وغيرهما من بُؤر التوتر فى عالمنا الإسلامى.. دع عنك فلسطين وعذاباتها التى لم تتوقف منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، ولو رحت تسرح نظر العين ونظر القلب، باحثًا عن سبب واحد يبرر كل هذه المآسى والكوارث فسوف يعييك البحث، ويرتد إليك البصر خاسئًا وهو حسير ؛ اللهم إلاَّ هذه الإرادة الغشوم فى سيطرة الغرب المادى على الشرق الإسلامى علمًا وتعليمًا وسياسةً.
ودون حاجة إلى اعتناق نظرية المؤامرة، فإن قراءة الواقع قراءة هادئة متمعنة تفرض علينا هذا التفسير التعيس، الذى يصلح أن يكون علّة يستقيم معها تعليل هذه الظواهر العبثية البائسة، ويلتوى عليك إن رُحت تفهمها فى ضوء سبب آخر غير تسلُّط القوى الموحدة من جانب، وهزال الكيان الممزق من جانب آخر.
لو تأملنا خريطة الدنيا وظللنا مناطق الحروب والصراع المسلح فى أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو اليابان والصين، أو استراليا وروسيا أو أوروبا الشرقية، فإنك لن تجد منطقة واحدة تستطيع أن تشير إليها لتسمع فيها قعقعة السلاح، أو ترى جريان الدماء رخيصة رخص الماء، أو تشم رائحة البارود مع الموت والدمار.. مع أن هذه البلاد هى التى تصنع السلاح، وأدوات الحرب الفتاكة والعملاقة ؛ فهل هناك اتفاق خفىّ بين ضفتى الأطلسى، على أن يعمل السلاح بعيدًا، وعلى أرض قصية؟ وهل هنا سايكس بيكو جديد؟ وهل آلَ الشرق العربى إلى رجل مريض، مطلوب توزيع تركته؟ لقد ظهرت كتب عدة ؛ بعضها مترجم، وبعضها مكتوب بالعربية، تجيب على هذه الأسئلة بالإيجاب والتأكد.
وهنا نعود إلى الفرضية الأولى فى هذا المبحث ؛ وهى أن البلبلة التى يعيشها العالم الإسلامى، هى جزء من خطة تدبر أو دبّرت لنا بليل، ويجرى الآن تنفيذها وإنزالها على الواقع.
وحسبك أن تنظر إلى الساحة الآن؛ لترى أن هناك تحركات حيّة لشق الصف الإسلامى، وضرب وحدة المسلمين، وبأى ثمن، فالدولارات موجودة وجاهزة، وبأرقام فلكيّة، والخطط العليا مرسومة، وأخبثها وأشدها فتكًا بوحدة المسلمين: اللعب على أوتار الخلافيات الدينيّة، والعقديّة، والمذهبيّة، والفقهيّة… وهذا الواقع المر ليس مبالغةً أو تهويلاً، وإنما مأساة علينا أن نواجهها ونحتشد لها.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com