الإمام الطيب والقول الطيب
(12)
الفتوى وأثرها فى حياة المسلم
هذه محاضرة ألقاها الدكتور أحمد الطيب فى جامعة الأزهر فى 18 صفر 1428 هـ الموافق 8 مايو 2007، استهلها بإشارة إلى جامعة الأزهر الشريف أقدم وأشهر جامعة فى العالم الإسلامى، بل وفى العالم كله، تمد العالم الإسلامى منذ أكثر من ألف عام بالإسلام الصحيح؛ شريعة وأحكامًا وفتاوى، وتتصدى لمستجدات العصور وتطورات الزمن.
لا مراء فى أن الوعى بقضية الفتوى وإثرها، يتوقف أولاً على الوعى بالإسلام كدين ذى طبيعة خاصة فى نظرته للإنسان وتوجيهه لحياته فى إطار أخلاقى دقيق، يضمن له السعادة والفلاح فى الدارين.
لا ينحصر دور الإسلام فى بيان العقيدة والأخلاق فقط، وإنما يتخطى ذلك إلى دائرة لا تقل أهمية فى بناء حياة الإنسان على دعائم صلبة من الحق والخير والجمال؛ ويعنى بها الدكتور الطيب دائرة العمل والسلوك والتصرفات، فى الفرد والإسرة والمجتمع، وفى العلاقات الدولية.
«من هنا؛ يرتبط المسلم بالإسلام وبتوجيهاته فى غالب أحواله الحياتية والمعيشية، ويغدو الحلال والحرام فى منظور المسلم أمرًا بالغ الأهمية فى حياته الشخصية والعائلية والمجتمعية، ويكفى أن نتصور أن أحكام الشريعة الإسلامية تتولى المسلم أو المسلمة منذ تكونهما نطفتين فى أرحام الأمهات وحتى لحظة دخولهما القبر، مرورًا بمراحل الحمل والولادة والرضاعة والطفولة والمراهقة والزواج والشباب والكهولة والصحة والمرض… إلى آخر كل ذلك».
وإذا كان الحديث يجرى أحيانًا على التشابه بين اليهودية والإسلام فى كثير من الأحكام الشرعية، وبين المسيحية والإسلام فى أغلب الوصايا الأخلاقية؛ إلاَّ أن المقارنة العميقة بين الإسلام وما سبقه من الأديان السماوية التى يشترك معها فى وحدة المصدر ووحدة الغاية والهدف، تدلنا أيضًا على ما فى شريعة الإسلام من مرونة وقدرة على الأستجابة لمطالب التطور الحضارى أو الإجتماعى، ولتصحيحه أيضًا إذا ما انحرف به السير بعيدًا عن المقاصد الإنسانية العليا التى تحميها كل الأديان السماوية، وحتى الشرائع الوضعية التى تستمع إلى صوت الفطرة الإلهية ونداء الضمير الإنسانى..
ومن هنا وجدنا أحكام التشريع فى الإسلام تتقدم دائمًا على خطين متوازيين : الخط الأول : خط ما يمكن أن نسميه بخط الاحكام الثابتة التى لا تقبل التغيير ولا التبديل.
والخط الثانى : هو خط الاحكام التى تتغير وتتبدل، ولكن بشرط أن يكون تغيرها محكومًا بالمعايير الأخلاقية والقيم التى يقرها الإسلام وتقرها الشرائع السماوية السابقة.
ويلاحظ أن غالبية الثوابت جاءت فى مجال الإعتقاد والعبادة والاخلاق والأحوال الشخصية، من ميراث وزواج وطلاق إلى غير ذلك. ولهذا حكمة فى الإسلام لا تفوت، أبانها الإمام الطيب.
أما الأحكام المتعلقة بما يجرى فى حياة الإنسان من متغيرات، وهى عديدة جدًا، لا حصر لها، فإن حكمة الإسلام تجلت فى أنه إقتصر فى شأنها على إيراد المبادئ والأحكام العامة، تاركًا مساحة للمتغيرات التى قد يفرضها الزمان أو المكان أو الظروف.
خذ مثلا لذلك، أن مواد البيع والشراء والإجارة فى القانون المدنى المصرى، قد تضمنتها (63) مادة.
بينما نصوص القرآن الكريم فى أحكامها أربعة فقط.
كذلك الأمر فيما يتعلق بالقانون الدستورى، تجرى الدساتير على تعدد مواده، لما يجاوز المائتين فى أى دستور.
بينما إقتصرت نصوص القرآن الكريم على تقرير مبدأ الشورى والعدل والمساواة.
ومن سعة الإسلام، أنه أباح الأخذ بشرع من قبلنا إذا لم يتعارض مع الإسلام، بل وأخذ بمبدأ أن الأصل فى الأشياء الإباحة، ولا حظر أو منع أو التحريم، إلاَّ بدليل واضح كل الوضوح.
وهنا يعقب الإمام الطيب أنه كان من أثر ذلك، أن دائرة المحرمات فى الأسلام ضيقة ومحددة ومحصورة، لا تكاد تظهر إلى جوار اللانهائيات من الطيبات المباحة فى الإسلام.
لذلك، فإن دور الفتوى فى المجتمعات الإسلامية، هو دور إجتماعى فى المقام الأول، لأنها تمس حياة المسلم اليومية وما قد تستدعيه من رغبة فى معرفة حكم الإسلام .
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com