الإمام الطيب والقول الطيب
(6)
أصل هذا الفصل، كلمة أُلقيت فى 8/ 5/ 2010 بالملتقى الخامس للرابطة العالمية لخريجى الأزهر، عن الإمام الأشعرى، وجمعه كلمة المسلمين.
ويتساءل الإمام الأكبر ليجيب، ما جدوى عقد الملتقى بما يكلفه عن الإمام أبى الحسن الأشعرى الذى توفى تقريبًا عام 330 هـ /941 م، أى منذ مائة وألف عام. ثم ما الجدوى التى يرجوها المسلمون فى محنتهم من مؤتمر كهذا، وقد تمزق شملها، وانعزلت عن سباقات عصرها وتحدياته، بعد أن كانت ملء سمع الدنيا وبصرها ؟!
واقع الأمة الإسلامية الآن يذكر بواقعها أيام الإمام الأشعرى، ومن ثم يؤكد حاجتنا إلى منهج كالمنهج الذى أنقذ به ثقافة المسلمين وحضارتهم السالفة، فالظروف التى واجهته تكاد تتماثل مع ما نواجهه الآن. مذاهب مغلقة، تدير ظهرها للعقل وضوابطه، وآخرى تتعبد به وتحكمه فى كل شاردة وواردة، حتى لتكاد تضع نفسها قبالة الدين، حتى فيما يتجاوز حدود العقل وقدراته، وثالثة تحكم الهوى والسياسة والمنفعة، وتخرج بعقائد مشوهة تحاكم بها الناس وتقاتلهم عليها.
حين وُلد الإمام الأشعرى بالبصرة سنة 260 هـ كان لمذهبين سائدين آنذاك دور حاسم فى ظهور مذهب الإمام الأشعرى : مذهب المعتزلة، ومذهب الحنابلة على النقيض منه.
المعتزلة كما هو معروف تعول فى مذهبيها على العقل وأحكامه، بيد أن إفراطهم فى التمسك بالمنهج العقلى بصرامة، انتهى بهم إلاًّ مقالات تجرح مشاعر كثير من أهل الورع والتقوى.
من ذلك قولهم بالوجوب على الله تعالى، ولازم ذلك إنكار الشفاعة عقلًا، وموقفهم من مُرتكب الكبيرة، وأنه بمنزلة بين المنزلتين، وقولهم إن القرآن مخلوق، وإنكارهم أن يتصف الله بصفة الكلام قبل أن يخلق الإنسان المخاطب بهذا الكلام المحدث.
وقد كان يمكن أن يخف الاشتباك لو بقيت هذه المقالات وقفًا على الدرس والعلم والبحث، ولكن لأن الدولة آنذاك كانت تتبنى مذهب الاعتزال، فإنها خرجت بمذهبهم من اطار الدرس إلى فرضه على الناس فرضًا، والعمل على نشر المذهب وإقصاء ما سواه من المذاهب الإسلامية المشروعة.
واتسعت المعركة حتى صارت محنة، دفعت الأمة ثمنها، واكتوى بنارها أهل الفقه والعلم، لا سيما فى عهد المأمون الذى كان على هذا المذهب، وقرب إليه علماء الإعتزال، وتعقب المخالفين بالإقصاء وبالسجن والتعذيب والتنكيل، ومنهم من مات فى سجون المأمون والمعتصم.
وغير بعيد، أن الإمام أحمد بن حنبل، ضُرب بالسياط حتى سال دمه، وسُجن وعُذّب، وكاد أن يُقتل ضمن الممتنعين عن القول بخلق القرآن، لولا أن استبعده المتعصم من القتل.
واستمرت هذه الفتنة حتى جاء المتوكل، فقلب للمعتزلة ظهر المجن، وطاردهم وطارد مذهبهم، وعاقب من يرى رأيهم.
وكان منطق هذه التداعيات أن يتصدر الساحة المذهب الحنبلى المقابل الذى يقرر أن القرآن قديم غير مخلوق، وقد كان، وتسلط الحنابلة كما تسلط المعتزلة، وأدى ذلك إلى الغلو والتجسيم إلى الدرجة التى ينفر منها المؤمن المنزه لله تعالى.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com