الإمام الطيب والقول الطيب
(3)
وهكذا نرى صاحبنا وقد استقبل الحرب صبيًّا دون العاشرة، فى معهد إسنا الدينى الابتدائى، لتسلمه هذه السنون المشحونه بالحروب الممتدة والتوتر، كهلًا وعالمًا جليلاً يزيّن عام 2001 دار الإفتاء مفتيًا للديار المصرية، ومنها إلى رئاسة جامعة الأزهر أقدم جامعة فى التاريخ، حاملًا مسئولياتها الجسام لسبع سنوات من عام 2003 إلى عام 2010، حيث تولى مشيخة الأزهر شيخًا جليلاً وعالمًا فذًّا فى الستين من عمره المديد بمشيئة الله .
فى أوائل العقد الأول من هذا القرن، تعرفت إلى الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، فأخذتنى شخصيته اللافتة، علمًا عريضًا، وتواضعًا جمًّا، ودماثةً وخلقّا رفيعًا، وإذا به يلفت أنظار العالم . كتبت عنه فى هذا المكان ــ بجريدة المال ـــ من ثلاث عشرة سنة وتحديدًا فى 9 يونيو 2008، شدنى إلى الكتابة ـــ الحديث المنصف لكاتبنا الأديب الراحل جمال الغيطانى، عن الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، الذى انبهر بشخصيته وعلمه وتواضعه، وبمحاضرته الرائعة التى ألقاها بملتقى الأديان فى الدوحة، ما شدنى أكثر هو قدرة الأستاذ الغيطانى على الغوص وقراءة أعماق هذه الشخصية الفذة، وكيف اهتدى إلى أن لعالمنا الجليل قوة داخلية عميقة، هى التى أضفت عليه مزيجًا نادرا من الثقة والتواضع الجم .
أحسن الأستاذ الغيطانى صنعاً بنشر كلمة الدكتور الطيب كاملة فى مجلة أخبار الأدب التى يرأس تحريرها، وهى مجلة قيّمة سبق أن حدثتك عنها، وأحسن صنعاً بإعادة الكتابة عن الدكتور أحمد الطيب ومنهجه وأسلوبه فى يومياته بالأخبار 28/5/2008 ـ وكيف لفت عالمنا الجليل إليه الأنظار وأصبح مركزاً ومحوراً للمؤتمر بشخصيته وبكلمته ومقاصدها وجرأتها وأخلاقياتها الرفيعة .
أرسلت فى مقالى الذى أعيد نشره بالكتاب الأول من مجموعة « من تراب الطريق 7 » ـــ أرسلت تحيه للمرحوم الأستاذ جمال الغيطانى على ما سبره وبهره وكتبه، واستأنفت أقول يومها للقارئ إنه ليس بوسعى هنا أن أنقل إليك كلمة الدكتور الطيب، أو حتى خطوطها العريضة التى خرجت بالإسلام من قفص الاتهام إلى باحة الفهم لشريعته السمحاء وإيمانه باختلاف الخلق واحترامه للرسالات السماوية، وبراءته من العنف المروم إلصاقه به، بينما هو مسلك آخرين، استعرض بعضه بتمكن وأدب رفيع، عاتباً فى هدوء على حملة التبشير المنظم بين فقراء المسلمين والهجوم على الإسلام ومن مؤسسات دينية كبرى من المفترض أن تكون جسراً للتواصل والحوار بين الأديان بدلاً من إثارة الحساسيات وتشويه العلاقات!
ليس هدفى، ولا هو بمقدورى ـــ آنذاك ـــ، أن أنقل إلى القارئ تحليلى للكلمة الرائعة التى ألقاها الدكتور أحمد الطيب، ولكنى أردت أن أؤكد على المعانى التى استخلصها الأستاذ/ جمال الغيطانى من تحليله لهذه الشخصية التى أتيح لى أن أتلامس معها بحب وتقدير فى مجمع البحوث الإسلامية، فلمست فيها ما أشار إليه وزيادة . فهو شخصية فريدة جمعت بين العلم والتمكن، والدماثة والتواضع، وأعماق داخلية التأمت فيها روافد عديدة جعلت منه قيمة إسلامية بالغة العمق والرقى والتأثير .
أردت أيضا أن أشير إلى أن شخصية الداعية الإسلامى، هى المحز فى قيمة عطائه وأثره، وأن مؤسساتنا الدينية متمثلة فى الأزهر الشريف وإمامه الأكبر وأركانها وعلمائها ـ حافلة بشخصيات نادرة، مالكة لعلم عريض، ومنهج قويم، وبيان راق، وأن أنبه إلى أن خطابنا الثقافى والإعلامى لايزال بعيداً عن استثمار هذا الرصيد من علماء وأركان الأزهر الشريف، وأنه لو أتيحت لهم المساحة الكافية الواجبة، لوقانا الاستماع إليهم والتلقى عنهم ما يصيبنا الآن من سوء فهم البعض للإسلام، وجنوح شارد ينسب نفسه إلى الإسـلام وهو منه بعيد ! بينما مؤسساتنـا الدينية عامرة بأعلام نجباء كفيلون بأن يزيحوا عن الإسلام ويردوا عنه حملات البغض والكراهية، ويقدموه إلى الكافة بوجهه الصبوح كمنارة عريضة للفهم والإيمان والهداية للإنسانية .
بعد سنوات، أتيح لى أن أعاود الكتابة ولكن بتفصيل عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وعن أعماله وكتاباته ومحاضراته وكلماته التى ألقاها فى الملتقيات الإسلامية، ودوره الرائع فى تحديث الأزهر الشريف، وفى تجديد الفكر والخطاب الدينى، وأودعته ما كتبته فى كتاب « التجديد فى الفكر والخطاب الدينى » ــ الذى أصدرته دار الشروق.
وها أنذا أعود لأتحدث إليك عن الإمام الطيب والقول الطيب .
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com