من تراب الطريق (1087)

من تراب الطريق (1087)
رجائى عطية

رجائى عطية

8:56 ص, الأربعاء, 21 أبريل 21

مفهوم البطولة فى الشعر العربى

من يتتبع مراحل تطور الشعر العربى، سواء فى الجاهلية، أو فى الإسلام، وكذا إبان المواجهات المتنوعة تاريخًا وظرفًا وسببًا، فى الحروب مع الروم، أو فى الحروب الصليبية وكذا المغولية، وفى معارك التحرير، ونقصد بها التحرر من الحملة الفرنسية على مصر، والغزو والاحتلال البريطانى ـ سوف يجد أن معنى البطولة قد تطورت معالمه من حقبة لأخرى، ومن ظرف لآخر.

أتحف الأستاذ الدكتور شوقى ضيف ـ المكتبة العربية، بكتاب صغير الحجم كبير المحتوى، عن «البطولة فى الشعر العربى»، ملاحظًا أنه حينما عاد أدراجه مصعدًا فى الزمن حتى العصر الجاهلى، قاصدًا التعرف على ما تغنّى به شعراؤنا على مر الزمن من بطولات الآباء والأجداد، رأى أن روافد نهر البطولة متعددة، منها الحربى وقوامه الاستبسال فى القتال، ومنها النفسى أو المعنوى الذى يقوم على احتمال الشدائد بأسلحة الصبر والحزم والحلم والأنفة والعزة، ومنها الخلقى الذى يقوم على حماية الشرف وصيانته وعلى الكرم والوفاء بالعهد ونجدة الجار.

بذلك تعانقت من قديم بطولة السيف والفروسية، مع بطولة النفس والخُلق والطموح إلى المثل العليا الرفيعة، كالإباء والأنفة والشعور بالعزة والكرامة والنجدة وإغاثة الملهوفين وإطعام الجوعى.

وزَكَّى الإسلام البطولة بمعانيها الثلاثة، وزاد عليها الروحانية التى أمدها بها، فكان لذلك انعكاسه على ما حققه المسلمون العرب فى الزمن الأول للمبعث، حين كانت الدعوة فى أوجها والالتزام بها حيًّا. وما هى إلاَّ سنوات قصار حتى انتصرت الدعوة بمؤمنيها وأبطالها، على الفرس والروم، وتمددت البلدان الإسلامية شرقًا وغربًا.

ومع ذلك مرت انتكاسات منذ العصر العباسى الثانى، وامتدت إلى الدولة العثمانية، فشهدت الساحة حروب المغول، والحروب الصليبية، حتى أخذنا العصر الحديث إلى مواجهات مع الطليان والإنجليز والفرنسيين، وأخيرًا إسرائيل التى باتت التحدى الأكبر للعرب والمسلمين.

والبطولة ليست محض غلبة، وإنما هى أيضًا جسارة وبسالة فى القتال الحروب، ومناقب وسجايا فى احتمال الخطوب والشدائد، وفى الصبر على المكاره، وفى صيانة العرض والشرف.

ولعل أشهر ما ذاع من أشعار فى الجاهلية، تعبّر عن البطولة والأبطال، ما تنادى به عمرو بن كلثوم..

ملأنا البر حتى ضاق عنا كذاك البحر تملؤه سفينا

إذا بلغ الرضيع لنا نطاقًا تخر له الجبابر ساجدينا

ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينا

فلما أهل الإسلام، رأينا الصحابى عمير بن الحمام الأنصارى يوم بدر يلقى ما بيده من تمرات كان يأكلها، ويقول لنفسه : بَخٍ بَخْ ! ( أى عجبًا عجبًا ) أما بينى وبين أن أدخل الجنة إلاَّ أن يقتلنى هؤلاء، وألقى بنفسه فى الوغى يقاتل ببسالة حتى استشهد وهـو يتغنى :

ركضًا إلى الله بغير زادٍ إلاَّ التُّقى وعمل المعادِ

والصَّبْر فى الله على الجهاد وكلُّ زادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ

غير التُّقَى والبِرِّ والرَّشادِ

ورأينا على بن أبى طالب يصيح بالأحزاب يوم الخندق..

نَصَر الحجارةَ من سفاهةٍ رأيهِ ونصرتُ دين محمد بضراب

لا تحسبُنّ الله خاذِلَ دينَـــه ونبيِّه يا معشر الأحــزاب

www. ragai2009.com

rattia2@hotmail.com