محاولة للفهم
(7)
وراء ما لدى كل منا من المعرفة ومن الانتباه ومن النسيان ومن الوعى ومن الذاكرة ـ يوجد خوف كل منا الغريزى الطاغى الشديد العمق ، الذى يلازمنا ما عشنا ـ على الشعور بالذات الحية وحفظها.. وهو شعور فطرى أولى دائم الوجود مع الحى.. لا يفرق بين الصغر والكبر والجهل والمعرفة والنسيان والانتباه والباطل والصحيح والحمق والعقـل.. ولا يفقد الآدمى هذا الشعور إلاّ إذا جن وقتل نفسه أو أعماه اليأس القاتل فانتحر أو ساقه الحمق والتهور والاندفاع فأهلك عامدًا نفسه كى يهلك الأعداء!!!
وكل منا حين يلتفت إلى شأن من شئون ذاته ومن هم فى حكم ذاته يتذكّر حرصه على ذاته ـ ولا يلتفت إلى غيرها.. إذ هو لا يلتفت إلى غيرها إلاّ حين ينشغل باله بالغير منعًا أو ضرًا أو ضرورة أو تطلعًا وفضولاً.. وهو يحمِّل ذاته حتمًا بما يتضمنه وعيه وذاكرته مما يظن أنه يعرفه أو يذكره أو يرغبه أو يرفضه.. وقد يتبين أن ظنه كان خلطًا أو نسيانًا وقد يتعرض فيه للمتاعب.. وهذا عارض بشرى لا ينقطع الحدوث ولا حيلة فى صده غالبًا.. لأن معظم تصورات البشر ظنون.. وهم لا يكفون عنها حتى فى نومهم.. لذلك قد تعارف الآدميون ـ فيما يبدو ـ على الاعتياد على الانضواء لجماعات والانتماء إليها ، وتعارفت الجماعات على الاحتياج لسياسات حاضرة ومستقبلة ، كما تعارفت السياسات على اختيارات يتخيرها القادة ـ وقد يساندها التأييد الشعبى الصريح أو الضمنى.. وهذه الاختيارات أغلبها احتمالات لمواجهة احتياجات أو توقعات لأغراض ومطامع ومخاوف تقابلها وتتضمنها تدابير وإجراءات وقرارات وأحكام وأنظمة.. ووراء ذلك دائمًا ظنون تصدق أو لا تصدق جزئيًا أو كليًا.. هذا على الرغم من أن الحياة بعامة ـ بشرية وحيوانية ونباتية ـ ليست تحت تصرف الأفراد أو الجماعات التى يقودها أفراد راضية عنها أو ساخطة ـ كما يبدو لنا فى غالب الأحيان!
ومن يتأمل منا الحياة فى نفسه ، يجدها بأنواعها وألوانها نظامًا متكاملاً عميقًا شديد العمق صارم القواعد والضوابط ، وليست كما يقول بعضنا ـ صدفة من صدف الكون وخبطًا عشوائيًا جزافيًا غير مقصود.. فالكون الهائل نظامات كله وأنساق بالغة الدقة والإحكام ، ومكانة علومنا الوضعية الحالية وما ترتب ويترتب باستمرار فيها وبها وعليها من المعرفة والفهم ـ ليست إلاّ نتفًا ضئيلة بالغة الضآلة دخلت بها عقولنا إلى أنظمة الكون الهائلة!
واختلاف آونة الحركة من جانب الحى والمدى ومقصود الحى منها ـ بالغًا ما بلغ اشتداد التشابه بين الأحياء ـ هو الذى يوجد فرص ما نسميه المصادفة والحظ والبخت.. ويغذى الأفراد والجماعات أحيانًا بالمجازفة والاندفاع.. فلا يمكن التطابق بين الأحياء إلاّ باتفاق وترتيب سابق ضمنى أو صريح ـ وقتى كحركات الجنود وصيحات الحشود المتجمعة وتهليل النظارة فى الملاهى والملاعب للنتائج المتمناة التى تحققت بموافقة الحظ للمهارة المنتظرة!
وفى كل منا الآن وفيمن سبقونا وعاشوا على هذه الأرض فى هذا الكون العظيم ـ فى أى من الأزمنة المختلفة بأى وصف يمكن أن نوصف به من الضآلة أو الجسامة والحقارة أو الجسارة والمهارة والذكاء أو الغباء.. ما يلفت نظر المتأمل الهادئ إلى ما فى حياتنا.. فى ماضيها وحاضرها ومستقبلها ـ من اضطراب أحوالها وتعاريج سيرها وتناقض أطوارها.. وإلى ما فى هذا كله مما يدعو إلى قدر غير قليل من الإعجاب إلى جانب ما فيها دائمًا من الحماقات وأحيانا الحطة والنذالة.
سبحانه القائل فى محكم تنزيله ـ عز من قائل: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِـيمًا حَكِيمًا» (1 ـ 4 الفتح ).
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com