منافسة شرسة على الاستثمارات الأجنبية بين حلفاء الشرق الأوسط.. و"الإخفاق مكلف"

أجندات تنافسية بين دول الجوار

منافسة شرسة على الاستثمارات الأجنبية بين حلفاء الشرق الأوسط.. و"الإخفاق مكلف"
عبدالغفور أحمد محسن

عبدالغفور أحمد محسن

6:30 م, الأحد, 4 يوليو 21

شارك في الإعداد: جلال مصطفى

تتغير منطقة الشرق الأوسط على مستوى العلاقات السياسية بين دولها والأهداف الاقتصادية لحكوماتها وأنماط الحياة  الاجتماعية لبعض شعوبها.

وعلى مستوى الاقتصاد، تغيرت نسبيا طريقة تعامل دول المنطقة مع مواردها ونقاط قوتها، لكن معظم الخطط الاقتصادية الاستراتيجية اتفقت على أن جذب الاستثمار الأجنبي بكثافة والحصول على حصة معتبرة في سلاسل الإمداد العالمية هو الهدف الأهم للحصول على نمو مستقر ومستدام.

وفي ضوء التغير الجديد “الجاد” هذه المرة، ظهرت “رؤية مصر 2030″، ورؤية “السعودية 2030” ورؤية “أبوظبي 2030” و”خطة دبي 2030″، وغيرها من الخطط الاستراتيجية متوسطة المدى.

وبشكل ما، لم تختر دول المنطقة التكامل الحقيقي بينها، وهو ما أدى في النهاية إلى تبني كل منها خططا تحمل أجندة منافسة لدول الجوار دون أن يكون هذا السباق علنيا.

وحتى عندما اختارت بعض الدول “التكامل” عبر مشاريع محدودة عابرة للحدود أو تحالفات إقليمية في بعض المجالات الاقتصادية، فقد بدت تلك المشاريع أيضا موجهة لمنافسة بعضها داخل نفس بوتقة الشرق الأوسط، ولم تحظ رغم ذلك بذات الحماس الذي حظيت به “المشاريع الوطنية”.

*خطط ما قبل الجائحة:

وعلى عكس المعتاد، لم تكتف بعض الدول العربية بالإعلان عن خططها ثم التعامل معها وفقا للظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، بل مضت في التنفيذ مستعينة بكل الموارد المتاحة ودونما أي تعطيل، سواء عبر بيع أصول حكومية أو فتح خزائن الاحتياطيات المالية أو حتى من خلال الاستدانة المرتبطة بخفض مخصصات برامج الدعم الاجتماعي.

وفي سبيل جذب الاستثمارات الأجنبية، سلكت دول المنطقة الطريق المعروف والمجرب، فتبنت أنظمة العمل المتساهلة والإعفاءات من الرسوم الجمركية والضرائب وأنفقت المليارات على مشاريع البنى التحتية والتحول التكنولوجي، بل وذهبت بعض الدول إلى حدود تبني قوانين اجتماعية غير مقبولة نسبيا بين شعوبها فضلا عن اقتحام مناطق التطبيع “الصعبة” مع إسرائيل.     

ومن بين أدوات جذب الاستثمار الفعالة، تبنت بعض دول الشرق الأوسط، أداة “المناطق الاقتصادية الخاصة” التي توصف بأنها طريق مختصر لجذب المستثمرين الأجانب، عبر توفير بيئة خاصة معزولة عن النظم التشريعية والقضائية في البلد المستضيف.

وبينما تظهر دبي في الإمارات كواحدة من أهم نماذج النجاح في “المناطق الخاصة” بالشرق الأوسط، ومع سعي عدة دول لتقليدها، يحذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” من أن التجارب الفاشلة في هذا الصدد تمثل “إخفاقات مكلفة للغاية”.

السعودية تدشن الحرب العلنية

“منطقة الشرق الأوسط بعد تأسيس الأمم المتحدة كان وضعها دائما صعب.. والدول التي تعمل بشكل جيد كانت تعتمد على موارد طبيعية أهمها النفط خصوصا في الخليج.. لكن أتى رجل في التسعينات وأرانا نموذجا جعلنا نقتنع أننا نستطيع أن نقدم أكثر.. الشيخ محمد بن راشد (حاكم دبي).. هذا الرجل رفع السقف ونريد أيضا أن نرفع السقف في السعودية ونتنافس”

الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودي – منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار (دافوس الصحراء) – الرياض 2018

في فبراير 2021، أظهرت السعودية وجها مختلفا في سباقها نحو جذب الاستثمارات الأجنبية، فلم يعد الأمر مرهونا فقط بمنتديات الاستثمار العالمية التي تعقدها على أراضيها أو بالترويج اللحوح لرؤيتها الإصلاحية وحجم المليارات التي أنفقتها أو تعتزم ضخها في المستقبل لتهيئة البنى التحتية.

أعلنت الحكومة السعودية بشكل مباشر أنها ستتوقف اعتبارا من 2024 عن منح أي عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة.

وبسرعة عرف الجميع أن القرار يستهدف بشكل خاص “دبي” التي تعتبر الحاضنة الأهم لمقرات الشركات العالمية في المنطقة.

وبشكل أقل، يستهدف القرار البحرين التي عرفت بأنها نقطة انطلاق الشركات العالمية الراغبة تحديدا في اقتحام السوق السعودية.

*الإمارات تستحوذ على مقرات الشركات العالمية:

وفي ، قال خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي ردا على تساؤل حول الآثار التنافسية للقرار على المدن الخليجية الأخرى خاصة دبي، إن المنافسة حتى بين مدن الدولة الواحدة “مطلوبة وصحية”.

وأضاف أن الرياض “ستحصل على ما تستحق من تواجد شركات تكسب الكثير من مشاريعها وإيراداتها في المملكة”.

وفي تغريدة على تويتر، قال الفالح إن القرار سينعكس إيجابياً في شكل خلق آلاف الوظائف للمواطنين، ونقل الخبرات، وتوطين المعرفة، كما سيُسهم في تنمية المحتوى المحلي، وجذب المزيد من الاستثمارات للمملكة.

لكن التعامل مع الأمر عبر قرارات قسرية، أظهر مدى الإحباط الذي تشعر به المملكة بعد مضيها في مشروعات شديدة الضخامة، بينما تتعثر في تحقيق هدفها المتمثل في استقطاب رأسمال أجنبي خارج قطاع الطاقة.

وتستثمر الحكومة السعودية 220 مليار دولار في تلك المشروعات، وتعتمد في غالبية التمويل على أصول صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي).

*أهم المشروعات السعودية العملاقة في رؤية 2030

وتلقت الإمارات في عام 2019 استثمارات أجنبية مباشرة أكثر بنسبة 300٪ من السعودية، على الرغم من أن اقتصادها يمثل نصف حجم اقتصاد المملكة تقريبًا.

ورغم المخاطر المرتبطة بضخ احتياطيات السعودية المالية في مشروعات محلية ضخمة قد لا تجني العائد المأمول، تمضي السعودية قدما في خططها مع تقديم المزيد من الحوافز الهائلة والتي تتضمن إعفاء للشركات التي تقيم مقارًا إقليمية في الرياض من الضرائب على الشركات لمدة 50 عامًا ، والتنازل حتى نسب توظيف السعوديين الإلزامية لمدة 10 سنوات على الأقل والتفضيل المحتمل في مناقصات وعقود الهيئات الحكومية، وفقًا لما نقلته رويترز عن كتيب "Invest Saudi" ذراع ترويج الاستثمار في المملكة.

وإمعانا في الرهان، أطلقت السعودية قبل أيام استراتيجية تستهدف تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي، وإطلاق شركة طيران جديدة، وهذه جميعا مجالات تحتكرها الإمارات وقطر تقريبا في الوقت الحالي.

وامتلأ ساحل البحر الأحمر السعودي بالعديد من المشاريع الضخمة التي تستهدف منافسة الموانئ الإقليمية والاستحواذ على حصة من اللوجسيتيات المرتبطة بالتجارة العالمية، فضلا عن جذب السياح.

طوارئ في الإمارات

"هناك دبي واحدة فقط .. ومحاولات تقليدها من قبل عدة مدن في جميع أنحاء المنطقة باءت بالفشل".

المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله (المونيتور)

تمتلك الإمارات وخاصة دبي، خبرة طويلة في التعامل مع الأجانب الذين يشكلون 85% من سكانها، كما أنها تعرف كيف تخاطبهم وما هي احتياجاتهم وذلك منذ أسست أول منطقة حرة لها (جبل علي) عام 1985.

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، كشفت أبوظبي عن طموحات إقليمية كبيرة في الشرق الأوسط، والاقتصاد كان أحد أدواتها لتحقيق تلك الطموحات.

ولبعض الوقت بدا أن الدور الإماراتي يمكن أن يطغى على الدور السعودي في منطقة الخليج، وربما أيضا يمكن أن يتناقض مع دور المملكة في بعض الملفات العربية كسوريا.

ومع استشعارها بأن التحركات الاستراتيجية الاقتصادية في الرياض قد تؤثر على مكانتها، اتخذت الإمارات قرارات يصعب على المملكة مجاراتها فيها.. كونها بعيدة عن ملعب النفط والثروة.

اتخذت الإمارات عدة قرارات قانونية لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية لكنها تجعل البلاد أكثر ليبرالية وجاذبية للأجانب وشركاتهم.

*اللبنانيون أكثرية:

فقررت السماح للأجانب بشرب الخمور بحرية ودون الحصول على رخصة، كما سمحت للرجال والنساء الأجانب غير المتزوجين بالسكن معا، وأقرت عدم معاقبة ممارسي الجنس بالتراضي، وألغت عقوبة محاولة الانتحار، وخففت عقوبة ارتكاب "أفعال مخلة بالآداب العامة" إلى الغرامة بدلاً من السجن.

وفتحت الإمارات طريقًا للحصول على الجنسية لبعض الأجانب في خطوة نادرة بين دول الخليج، تستهدف جذب المواهب إلى الاقتصاد الإماراتي.

كما ذهبت الإمارات إلى مدى أبعد في ملف التطبيع مع إسرائيل، إلى حد بناء استراتيجية اقتصادية مشتركة.

ووقعت الدولتان بالفعل عدة اتفاقات شملت تسيير رحلات جوية مباشرة وإعفاء المواطنين من التأشيرات وحماية الاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا.

ووقع البلدان اتفاقا مبدئيا يتعلق بشحن النفط الخام والمنتجات النفطية القادمة من الإمارات إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب للنفط في إسرائيل يربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وليس عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد المصري.

وفي ذات السياق، عززت الإمارات من قوانين تسهيل الاستثمار وأقرت السماح للأجانب بالتملك الكامل لشركاتهم في الإمارات، فضلا عن حزمة قوانين مشروعات ضخمة أخرى لتعزيز مناطقها الحرة وموانئها واقتحام مجالات الطاقة النووية والفضاء.

"نموذج دبي" في دول بلا نفط

وبينما تراهن دول الخليج على مواردها الضخمة من النفط واحتياطياتها المالية الهائلة، لتهيئة بيئة جذابة للاستثمار الأجنبي تدخل دول أخرى في المنطقة حلبة المنافسة بمشروعات عملاقة أيضا لكنها مبنية في غالبها على الاستدانة ووعود الشراكة  الأجنبية ومعتمدة على صناعات أقل تطورا واهتماما بالبيئة.

وفي المناطق الحرة، استثمرت الشركات الصينية أو تعهدت بمليارات الدولارات لمشاريع في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم بسلطنة عمان، ووضع السفير الروسي في مصر توقعات عالية بأن منطقة صناعية روسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ستجذب استثمارات جديدة بقيمة 7 مليارات دولار، ومع ذلك ، تباطأت الاستثمارات الفعلية بعد الانتهاء من مراسم التوقيع.

كما تنتشر وعود الاستثمارات الصينية ضمن مبادرة طريق الحزام والطريق على هيئة مشاريع موانئ ضخمة وطرق وسكك حديدة على طول ساحل إفريقيا الشمالي وخاصة في الجزائر، بينما تتنامى منافسة جانبية بين المغرب ومصر على حصة أكبر في استثمارات صناعة السيارات بالقارة.

*الإمارات تستحوذ على الاستثمارات الأجنبية الواردة:

وتضيف الثورة الصناعية الرابعة المزيد من التحديات للدول غير النفطية في المنطقة.

وتعتمد الثورة الجديدة أكثر على الإنفاق في البنية التحتية التكنولوجية وتقوض أهمية اليد العاملة الرخيصة التي طالما شكلت الميزة التنافسية التقليدية لتلك الدول.

وبعد معاناتها من الصدمة المزدوجة الناتجة عن أزمة جائحة كورونا والانخفاض الكبير في أسعار النفط، تبدو دول الخليج أكثر انخراطا في خططها الوطنية بهدف تسريع وتيرة التحول إلى اقتصاد متنوع غير معتمد على النفط، ما يعني أن المنافسة ستزداد صعوبة مع الوقت.

 ورغم أن قطاعات السياحة والعقارات لم تجذب بعد مستثمرين أجانب معتبرين في السعودية مثلا، إلا أن المملكة تبدو أكثر ميلا للنجاح في التكنولوجيا خاصة مع إعلان نقل شركات مثل "جوجل كلاود" و"علي بابا"  دخول السوق السعودية.

الإخفاق المكلف

رغم أنها تضم دولا ثرية وأسواقا ناشئة، عُرفت منطقة الشرق الأوسط بأنها بؤرة توترات جيوسياسية إقليمية، وكثيرا ما عانت دول المنطقة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ومنذ عام 2007 وحتى 2014، أخذت الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى المنطقة في التضاؤل بشكل كبير، وحتى عندما عاودت الصعود في السنوات الستة الأخيرة فإنها لم تتمكن حتى من الوصول إلى نصف ما تحقق في 2007.

*حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:

 وفي العام 2020، ورغم أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة الى الدول العربية زادت على نحو غير متوقع بنسبة 2.5% لتبلغ 40.5 مليار دولار، إلا أن الرقم مثل حصة 6% فقط من مجمل التدفقات الواردة الى الدول النامية و4% من مجمل التدفقات العالمية البالغة نحو 999 مليار دولار.

وعلى مدار كل تلك الأعوام الماضية، كانت الدول العربية دائما ما تتوقع جذب استثمارات أكبر لكنها توقعاتها تنتهي إلى خيبة أمل.

من الأزمة المالية العالمية إلى ثورات الربيع وجائحة كورونا وتوابعها، تأثرت دول المنطقة بشكل كبير بالصدمات العالمية والإقليمية، وبالتالي ترنحت استراتيجياتها التنموية ولم يبق منها سوى الأعباء.

وفي عالم ما بعد الجائحة، يتشكل نموذج جديد للاقتصاد يتجاوز ما قبله، وقد يتجاوز حتى الرؤى الاستراتيجية التي تم تخطيطها في حقبة ما قبل الجائحة.

*بعض المخاطر المحدقة والتي قد تؤدي إلى إخفاق مكلف:  

- اتجاه الدول المتقدمة نحو فرض حد أدنى للضرائب على الشركات متعددة الجنسيات  

- الجهود العالمية بقيادة أمريكا لمكافحة التهرب الضريبي

- النزعة الحمائية وتبادل الرسوم الجمركية

- تباطؤ التوسع الدولي للمؤسسات متعددة الجنسيات المملوكة للدول

-  خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمنافسة للحفاظ على مركزها المالي  

- التحول الصيني نحو الاستثمار في الداخل للحفاظ على معدلات النمو

- المخاطر التقنية والسيادية المتعلقة باستيراد وتبني تقنيات التحول الرقمي دون امتلاك القدرة على تأمينها