تتداخل فى السنتين الأخيرتين أكثر من أى وقت مضى، الأساليب الإجرائية بشأن مباشرة جولات الصراع العربى – الإسرائيلى ما بين السجالات الجيوسياسية للقوى المعنية به حول النفوذ إلى المنازلات فيما بين أوضاعهم الداخلية حول السلطة، وإلى الحد الذى انزلق بآليات الصراع – سلمًا أو حربًا- إلى حالة من الجمود، أقرب ما تكون إلى سابق تناوله من الأنظمة العربية للاستهلاك المحلى منذ أربعينيات القرن الماضى على حساب حشدها جوانب القوة لمواجهته، كما للمزايدة منذ نهاية السبعينيات على الصعيد السياسى والأيدلوجى بين قوى اليمين واليسار فى إسرائيل حول مستقبل الأراضى المحتلة بين «الضم» أو«الحل الوسط الإقليمى»، ذلك فيما ذهبت انحيازات الإدارة الأميركية الحالية لإسرائيل منذ 2017 إلى أبعد من سابقاتها فى اعتبار الصراع مجرد وسيلة لحصد المزيد من الأصوات اليهودية فى الانتخابات التشريعية والرئاسية.
إلى ذلك، باتت آليات الصراع بدءًا من الصدام العسكرى إلى البحث عن تسويته، أسيرة زعامات عاجزة عن أن تحسم حربًا أو تصنع سلامًا، سوى التسابق فى اتخاذهما ذريعة للصعود إلى السلطة، والتمسك بها، ما يفرغ الأساليب الإجرائية للصراع من عناصره المبدئية، وللإنزلاق من ثم إلى حالة ممتدة من اللاسلم واللاحرب، الكل فيها خاسر، إذ تعانى إسرائيل من تداعيات الفراغ الحكومى عند اتخاذ القرارات المؤسسية، كما تنعكس السجالات المحتدمة بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى بالسلب على مكانة وهيبة الولايات المتحدة، ذلك حالياً فيما التحركات السياسية الخارجية للعالم العربى أسيرة أوضاعه الداخلية المضطربة.
على صعيد متصل، تدور حالياً مناقشات فى كواليس حزب الليكود الحاكم فى إسرائيل منذ 1977 – إلا قليلاً- لبحث المرحلة ما بعد فشل رئيس الحزب فى تشكيل الحكومة مرتين، لتجنيب البلاد انتخابات تشريعية ثالثة خلال عام، ذلك بالتزامن مع احتدام نقد الديمقراطيين قرار الإدارة الأميركية بشأن المستوطنات الإسرائيلية، فيما يسعون فى نفس الوقت للتصويت فى الكونجرس على مشروع قرار يدعم حل الدولتين فى فلسطين، وسط توقعات باعتراضات وعراقيل من جانب النواب الجمهوريين، أما بالنسبة للجانب العربى- لا يزال الانقسام قائماً حول القبول من عدمه بآليات الشقين الاقتصادى والسياسى لصفقة القرن التى يتبناها اليمين فى كلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل فى إطار جولاتهما حول الاحتفاظ بالسلطة.
ولما كانت الولايات المتحدة هى الطرف الأعظم فاعلية فى مباشرة آليات الصراع العربى – الإسرائيلى، فإن ما يدور فى الداخل الأميركى يصبح مثيرًا للاهتمام، حيث تحذر العديد من منظمات اليهود الأميركيين فى بيان لهم مؤخرًا.. الساسة فى إسرائيل من خطورة إجراءات ضم الضفة الغربية، ومن الوقوع فى خطأ قد يبدو عن موافقة إدارة «ترامب» بشأنها، إذ أن للحكومة الأميركية- بحسب البيان- مصالحها بعيدة الأمد بالنسبة للسياسات المستقبلية المحتملة للولايات المتحدة، ذلك فيما يثير الاهتمام من جانب آخر عن الداخل الأميركى،.. اتجاه الديمقراطيين إلى «اليسار».. الأمر الذى يعتبره الجمهوريون.. قضايا ذات مفاهيم اقتصادية بالية، فيما يذهب كثير من الأميركيين إلى أن الرأسمالية والنيوليبرالية لم تحقق عدالة اجتماعية فى الداخل الأميركى، وهكذا يوجد بين الحزبين الكبيرين صعودًا متناميًا لطبقة من الشباب الأميركى تعرف نفسها بأنهم «الاشتراكيون الجدد».. أسوة بجماعة «المحافظين الجدد» الذين قادوا دفة البلاد منذ نهاية تسعينيات القرن المنصرم حتى ولاية الرئيس «أوباما» 2009 التى شهدت رئاسته- لثمانى سنوات- العديد من الخلافات على صعيد العلاقات مع إسرائيل بالنسبة للأساليب الإجرائية للصراع مع العرب، الأمر الذى يحول إلى النقيض فيما يشبه شهر عسل- إن جاز التعبير- لما يتصل باستجابات إدارة «ترامب» الجمهورية- للغايات النهائية للمشروع الصهيونى، (..)، إلى الدرجة التى يتندر فيها «ترامب» بصلاحيته لرئاسة إسرائيل حال فشله فى الفوز فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ما قد يفسر كون الإدارة اليمينية فى كل من واشنطن وتل أبيب فاعلا متلاحماً.. فيما الجانب العربى عنصر مفكك وخامل غير فاعل، بالمقارنة مع باقى أطراف ترويكا الأساليب الإجرائية للصراع العربى – الإسرائيلى، نظرًا لما تشهده العديد من الدول العربية فى عام 2019 من أحداث دراماتيكية مهمة.. تتصل بالتطورات المستمرة منذ عام 2011، إلا من السعى لإعادة تشكيل نواة عربية فاعلة لها تاريخ فى العمل العربى المشترك، يمكنها التعامل بفاعلية مع القوى الإقليمية والدولية التى تتحرك على ساحة الصراع العربى – الإسرائيلى التى تخضع أطرافه لمنازلات السلطة الداخلية على آلياته الإجرائية.