قفزت أسعار المعادن النادرة والثمينة المستخدمة فى إنتاج السيارات والأجهزة الإلكترونية من الألومنيوم اللازم لتصنيع الهياكل الخارجية إلى البالاديوم والتايتانيوم فى المحولات الحفازة الإلكترونية وحتى النيكل فى البطاريات الكهربائية بسبب الغزو الروسى لأوكرانيا منذ 24 فبراير الماضى وحتى الآن ولا يعلم أحد متى ينتهى.
وصعدت أسعار البالاديوم إلى أعلى مستوى على الإطلاق بارتفاع يزيد عن %77 من 1940 دولارا للأوقية فى ديسمبر الماضى إلى 3440 دولارا حاليا حيث تهيمن روسيا على %40 من إنتاجه والنيكل زاد إلى أعلى مستوى منذ 14 عاما مع سيطرة روسيا على %7 من الإنتاج العالمى وارتفاعه بحوالى %250 أمس الأول فقط حيث يستخدم فى صناعة سبيكة الاستنلستيل ليبلغ 100 ألف دولار للطن وزيادة الألومنيوم إلى أعلى مستوى فى تاريخه حيث تبلغ حصة روسيا %6 من الإنتاج العالمى .
وذكرت قناة «CNBC» الأمريكية أن أسعار المعادن النادرة والنفيسة والصناعية تشهد مكاسب قياسية حول العالم فى اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية مع ارتفاع الذهب إلى أعلى مستوى منذ 19 شهرا لتتجاوز 2000 دولار للأوقية النحاس إلى أعلى مستوى فى تاريخه ليتجاوز 5 آلاف دولار للطن والفضة لأعلى مستوياتها منذ 8 شهور لتصل إلى 29 دولارا للأوقية.
المعادن غير مستهدفة
وجاء فى تقرير لوكالة رويترز العالمية أنه رغم أن المعادن ليست مستهدفة فى العقوبات الأمريكية الأوروبية حتى الآن إلا أن بعض شركات الشحن و موردى مكونات صناعة السيارات توقفوا عن التعامل مع الشركات الروسية مما سبب المزيد من الضغوط على شركات السيارات العالمية التى تعانى أصلا منذ حوالى عامين من أزمة نقص رقائق أشباه الموصلات المعادن النادرة مثل الليثيوم اللازمة لتصنيع البطاريات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة.
ويرى كارلوس تافيرس الرئيس التنفيذى لمجموعة «ستيللانتيس» الأمريكية الإيطالية رابع أكبر شركة سيارات فى العالم أن تكاليف الإنتاج سترتفع بنسبة هائلة خلال الشهور المقبلة مع استمرار صعود أسعار المعادن الصناعية والنادرة والثمينة والطاقة من البترول الذى تجاوز 130 دولارا للبرميل إلى الغاز الطبيعى الذى يواجه نقصا فى الإمدادات بسبب توقف توصيله إلى أوروبا.
صعود السبائك
وقال أندرياس ويلير الرئيس التنفيذى لشركة «ألوداين» الأمريكية التى تتخذ من مدينة «ساوثفيلد» بولاية ميتشيجان مقرا لها و التى تنتج سبائك الألومنيوم والمنجنيز اللازمة لشركات السيارات إن تكاليف أنشطته فى أوروبا قفزت %60 خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب ارتفاع فاتورة الوقود وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية.
وطلب «ويلير» – الذى يملك أكثر من 400 مصنع فى أوروبا -من العملاء رفع الأسعار التى اتفقوا عليها من قبل بسبب الغزو الروسى الذى أدى إلى رفع أسعار جميع أسعار المعادن اللازمة للتصنيع، والتى سترفع تكاليف الإنتاج بعدة ملايين من الدولارات لترتفع تكاليفه السنوية من متوسط 1.2 مليار دولار إلى حوالى مليارى دولار هذا العام.
فاتورة الحرب
وأثرت الحرب الروسية الأوكرانية على جميع دول العالم مما أدى إلى رفع متوسط سعر السيارة فى الولايات المتحدة بأكثر من %18.5 من 44 ألف دولار فى فبراير من العام الماضى إلى 53 ألف دولار مع نهاية فبراير الماضى بحسب تقرير لوكالتى«LMC»و«JD» الأمريكيتين لأبحاث أسواق السيارات على مستوى العالم.
وتأثرت أيضا شركات السيارات الألمانية ولاسيما مجموعة «فولكس فاجن» أكبر شركة سيارات فى أوروبا وشقيقتها «BMW» للمركبات الفاخرة بالغزو الروسى لأوكرانيا لدرجة أنهما أوقفا الإنتاج فى غرب البلاد بسبب توقف توريد المكونات الحيوية التى ترسل معظمها شركات أوكرانية وكذلك تجميد الواردات من روسيا التى كانت وردت للشركات الألمانية العام الماضى %44 من احتياجاتها من النيكل و%18 من البالاديوم و41 % من التايتانيوم.
الخامس على العالم
وأكد خبراء الأسواق المالية والاقتصادية فى بنك كريدى سويس السويسرى أن روسيا تهيمن على العديد من المعادن الصناعية ومنها الحديد التى أنتجت منه العام الماضى مايزيد عن 108 آلاف طن لتصبح خامس أكبر منتجة فى العالم والتى تورد أساسا الاحتياجات اللازمة لمصانع الحديد والصلب الأوروبية ومنها «فوستالبين» النمساوية و«SAB» السويدية والتى تواجه حاليا أسعار غير مسبوقة و صعوبات فى توفير الإمدادات اللازمة لها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأعلن ثورستين ستودموند الرئيس التنفيذى لشركة «فوس إيدلستاهلهاندل» الألمانية للفولاذ والألومنيوم أن واردات روسيا من الحديد والألومنيوم مهددة بالتوقف بسبب الحرب والعقوبات ولذلك فإنه سيضطر لتقليص الإنتاج خلال الشهور المقبلة رغم أن هذه المنتجات ليست ضمن العقوبات ولكن حكومة موسكو تستخدمها لتمويل عمليتها الحربية ضد جارتها أوكرانيا.
هيمنة على النيكل
وأشار كاسبر روليس المدير التنفيذى لشركة «بينشمارك مينرال انتيليجينس» الاستشارية لمؤشرات أسعار المعادن إلى أن روسيا رغم أنها تسيطر على %7 فقط من الإنتاج العالمى للنيكل إلا أنها تورد %20 من الاحتياجات العالمية من النيكل عالى الجودة الذى يستخدم فى بطاريات المركبات الكهربائية مما يهدد بتوجيه تحديات خطيرة لشركات السيارات العالمية التى تستثمر منذ سنوات مليارات الدولارات، والتى بدأت تنتج منذ فترة قصيرة المركبات المتطورة التى تعمل بالطاقة المتجددة والابتعاد عن المحركات التى تعمل بالبنزين والسولار مع تزايد الطلب على الموديلات الخالية من الانبعاثات الكربونية.
الصين الرابحة
وتواجه الدول الغربية أيضا انتعاش اقتصاد بكين مع اتجاه الشركات الروسية لتصدير معادنها النادرة والصناعية والثمينة ولاسيما الليثيوم والكوبالت والنيكل والبلاتين التى قفزت أسعارها بنسب غير مسبوقة للشركات الصناعية فى الصين التى لن تطبق أى عقوبات على روسيا مما سيساعد شركات المركبات الصينية على التفوق على نظيرتها فى الولايات المتحدة وأوروبا.
وتعد البطاريات الكهربائية التى تعتمد فى إنتاجها على المعادن النادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والبلاتين من أغلى المكونات اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائية وذاتية القيادة بينما كانت الشركات تأمل فى انخفاض أسعارها مع تزايد توفر إمداداتها لتصبح السيارات الكهربائية أرخص من التقليدية غير أن الحرب الروسية جعلتها غير متوفرة ومرتفعة الأسعار مما أطاح بآمال هذه الشركات التى قد تتجه لإنتاج سيارات تعمل بالوقود التقليدى مرة أخرى.
انتعاش المعادن
وأكد كريس بلاسى الرئيس التنفيذى لشركة نيبتون جلوبال العالمية للمعادن الثمينة أنه لا يوجد بديلا عن البالاديوم والبلاتنين فى تصنيع المحولات الحفازة اللازمة لإنتاج المكونات الإلكترونية فى السيارات المتطورة والأجهزة الحديثة من الموبايلات السمارت والكمبيوترات مما سيجعل أسعارها ترتفع بسبب تقص الإمدادات نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التى سترفع تكاليف هذه المعادن بحوالى %100 .
وارتفعت أسعار الذهب %13 هذا العام حتى ختام تعاملات منتصف الأسبوع لتتجاوز 2040 دولارا للأوقية لتسجل أعلى مستوياتها على الإطلاق مع تدفق المستثمرين على شراء الملاذ الآمن وسط مخاوف متزايدة بشأن أزمة أوكرانيا وتأثير حظر محتمل على النفط الروسى من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
إمدادات البلاديوم تتهاوى
كما تزايدت التكاليف بسبب نقص إمدادات البلاديوم بسبب العقوبات المفروضة على روسيا أكبر منتج للمعدن المحفز للسيارات واقترب سعره أعلى مستوياته فى تاريخه، كما أعلن ديفيد ميجر، مدير تداول المعادن بشركة «هاى ريدج فيوتشرز» للأسواق السلع الذى يرى أن الجمع بين أسعار الطاقة الصاخبة وأسعار الحبوب وأسعار المعادن الأساسية بلغ ذروته فى ضغوط تضخمية دراماتيكية لا تزال تشكل الدعم الأساسى الأساسى وراء ارتفاع المعادن النفيسة والنادرة والصناعية نتيجة التوترات الجيوبوليتيكية .
وقفز البلاديوم %8.8 إلى 3157.50 دولار للأوقية بعد أن سجل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3440.76 دولار يوم الإثنين، الماضى ليصل إجمالى مكاسبه هذا العام أكثر من %60 كما قفز البلاتين %4.8 إلى 1170.50 دولار للأوقية، بينما ارتفعت الفضة %4.5 لتتجاوز 26.89 دولار واصل سعر البلاديوم ارتفاعه الجمعة 4 مارس وتجاوز 2800 دولار للأونصة مما يمهد الطريق لتسجيله أعلى مكاسب أسبوعية فى عامين، مع تنامى المخاوف من نقص الإمدادات من روسيا، فى حين ظل الذهب مرتفعا مع استمرار الحرب فى أوكرانيا.
وأعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن أمس الأول حظرًا على النفط الروسى، كما ستحظر المملكة المتحدة واردات النفط الروسية ودفعت التوترات الجيوبوليتيكية والعقوبات المفروضة على روسيا بالمعادن النفيسة والصناعية للوصول إلى مستويات غير مسبوقة وصفها عامر منصور كبير إستراتيجى الأسواق فى شركة «أوربكس» إن هذه المستويات التى شهدتها الأسواق بسبب الغزو الروسى لأوكرانيا.