تجرى مصر وأوكرانيا مفاوضات حاليًّا لإبرام عقود جديدة لإمداد القاهرة وتزويدها باحتياجات الاستيرادية الأساسية من القمح، والذرة، وزيت عباد الشمس، ومنتجات الصناعات المعدنية، وفق ما صرح به إيجور ديدينكو، رئيس قسم التجارة والاقتصاد لدى سفارة أوكرانيا بالقاهرة، الذى أكد أن هذه الخطوة ستسمح بتقليل الأسعار المحلية للمنتجات الغذائية بمصر.
وتنبأ بزيادة حجم الصادرات المصرية لأوكرانيا من الفواكه والخصراوات ومنتجات الصناعات الكيماوية والأسمدة خلال الفترة المقبلة.
وتوقع رئيس قسم التجارة والاقتصاد لدى سفارة أوكرانيا بالقاهرة، فى حوار مع «المال» عبر البريد الإلكتروني، بأنه مع افتتاح الممرات البحرية عقب اتفاق الأمم المتحدة الموقع فى 22 يوليو الماضى سيتم فتح باب التجارة بين القاهرة وكييف، والمساعدة فى التغلب على أزمة الغذاء، وأن تظل بلاده شريكًا موثوقًا به لمصر، بجانب عدم استخدام صادرات الحبوب كآلية للتأثير على الدول كما تفعل روسيا الآن -وفقًا لقوله-.
التبادل التجارى بين البلدين سجل 450 مليون دولار خلال أول شهرين من 2022
وقال إن قيمة التبادل التجارى بين القاهرة وكييف سجلت نحو 450 مليون دولار خلال أول شهرين من العام الجاري، مضيفًا أنه مع ذلك جعل كلا من الغزو الروسى لبلاده فى 24 فبراير الماضي، وحصار الموانئ الأوكرانية من السفن الروسية، بالإضافة إلى القصف المستمر للبنية التحتية لميناء أوكرانيا بالصواريخ، من الصعوبة بمكان لبلاده التجارة مع مصر خلال الممرات البحرية التى تعتبر الناقل الأساسى للتجارة بين الجانبين.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر وأوكرانيا ارتفع خلال الـ 4 شهور الأولى من العام الجارى إلى نحو 769.614 مليون مقابل 690.243 مليون دولار فى الفترة المقابلة من العام الماضي، منها صادرات مصرية بقيمة 21.881 مليون مقارنة مع 33.455 مليون دولار، وواردات مصرية بقيمة 747.733 مليون مقابل 656.788 مليون خلال فترة المقارنة السابقة.
البحث عن الفرص
وقال إنه حتى فى هذه الظروف الحالية، لم تتوقف أوكرانيا عن البحث عن الفرص، مضيفًا أنه بمساعدة شركائها وجدت فرصة لتصدير المنتجات والسلع بواسطة النقل البرى ليتم فيما بعد استخدام الموانئ البحرية لشركائها كرومانيا وبولندا وألمانيا؛ وذلك لتفادى حدوث أزمة غذائية فى العالم.
وأشار إلى أن الاتفاق الذى تم توقيعه فى 22 يوليو الماضى فى إسطنبول بين أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة وروسيا وفَّر القيام بتصدير الحبوب من خلال 3 موانئ هى أوديسا، وبيفديني، وشورنومورسك .
وتابع أن هذا الاتفاق سيكون ساريًا وجاريًا لمدة 120 يومًا منذ تاريخ توقيعه وسيتم تجديده بطريقة تلقائية إذا لم يقدم أى من الطرفين إشعارًا بإنهائه أو تغييره.
وقال إن العمل البطولى للجيش الأوكرانى سمح لبلاده بأن تجلس على طاولة المفاوضات مع الأمم المتحدة من أجل منع وتفادى أزمة غذائية عالمية، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستسمح لهم بالاستعادة الجزئية لإمكانات الصادرات الخاصة بها، وبالتالى بتحسين علاقات التعاون التجارى مع مصر فى المستقبل.
مصر فى المركز الأول كأكبر شريك تجارى لبلاده فى أفريقيا
وأشار إلى أن مصر تحتل المركز الأول كأكبر شريك تجارى لبلاده فى القارة الأفريقية، مضيفًا أنه خلال تاريخ العلاقات الثنائية بين الجانبين كانت كييف شريكًا موثوقًا به وضامن للأمن الغذائى للقاهرة.
وأضاف أنه عندما واجهت أوكرانيا أكبر حرب فى أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، لم يتركها حلفاؤها وقاموا بتوفير كافة أشكال الدعم لها.
وأكد أنه بنهاية شهر يوليو الماضى تم احتلال %21 من الأراضى الأوكرانية بصورة مؤقتة، وتحولها لأرض قتال، مضيفًا أنه من حيث الخسائر الاقتصادية وقبل نشوب الحرب كانت المجتمعات الأوكرانية المتأثرة تنتج ما يقرب من %19 من الناتج المحلى للبلاد.
وتابع أن النشاط الاقتصادى لدى المناطق الأخرى تراجع نتيجة انقطاعات سلاسل التوريد والإنتاج وعدم اليقين وازدياد المخاطر وخروج القوى العاملة وغيرها، وبالتالى أشار إلى أن الخسائر من الحرب ستكون كبيرة، وتؤثر على التجارة المشتركة بين مصر وأوكرانيا .
وقال إنه رغم الحرب، أكملت بلاده موسم بذر المحاصيل الزراعية فى %84 من مساحة الأراضى المزروعة بها العام الماضي، وبدأت حصاد المحاصيل الشتوية تقريبًا.
وبحسب رئيس قسم التجارة والاقتصاد لدى سفارة أوكرانيا بالقاهرة، من المتوقع بلوغ حجم محصول الموسم الزراعى المقبل 69 مليون طن، مضيفًا: لكن وحدات تخزين الحبوب بالبلاد ما زالت ممتلئة ببعض مما تم حصده العام الماضي، ولم يتم شحنه حتى الآن فى السفن لتصديره.
حجم الصادرات الزراعية لأوكرانيا
ولفت إلى أن حجم الصادرات الزراعية لبلاده -كما تشير بيانات جهاز الإحصاء الحكومى الأوكراني- بلغ 5.676 مليار دولار فى أول شهرين من العام الجاري، بينما تراجع بأكثر من 3 مرات فى شهرى مارس وأبريل الماضيين عقب الغزو الروسى إلى نحو 1.744 مليار دولار فقط.
وأضاف أنه لا توجد بيانات جديدة لإجمالى صادراتهم منذ ذلك الوقت حتى الآن، لكنه أشار إلى أن بلاده تمكنت من استعادة حوالى %30 من إمدادتها الشهرية من المنتجات الزراعية من الأرقام التى تحققت فترة ما قبل الحرب.
وحتى يوليو 2022، بلغ إجمالى حجم الأضرار والخسائر فى المنتجات الزراعية الأوكرانية بنحو 27.6 مليار دولار، بحسب المستشار الأوكرانى الذى قدر القيمة الإجمالية للحبوب والبذور الزيتية التى حصلت عليها روسيا بما يتجاوز 613 مليون دولار.
وتابع أن جبهة الحرب الثانية التى تقاتل فيها بلاده هى كفاحها من أجل إتمام موسم حصاد الحبوب الزراعية، مشيرًا إلى أن الحرب لا تقتصر فقط على ميادين القتال، وحاليًا يجرى الأوكرانيين موسم الحصاد لتوفير الحبوب ليس فقط لأنفسهم ولكن جميع بلاد العالم.
وأضاف أن روسيا دمرت حقول القمح فى مناطق خط المواجهة بالحرب، مشيرًا إلى أنها تتعمد تلك التصرفات حتى تخلق أزمة غذاء عالمية، وتابع أن أسعار الخبز حاليًّا لا يتم قياسها بالمؤشرات الاقتصادية ولكن بالتضحيات الإنسانية.
وقال إن التقديرات الحكومية تشير إلى بلوغ التكلفة الإجمالية لإعادة بناء أوكرانيا ما يقرب من 750 مليار دولار، مضيفًا أن هذا المبلغ لا يتضمن فقط تكلفة إعادة بناء المنشآت المحطمة، ولكن أيضًا الاحتياج لتحديث وتقوية الطاقة الاستيعابية للقطاعات الاقتصادية الرئيسية، فضلاً عن دعم استئناف الأعمال التجارية وأنشطة المشروعات.
انكماش الاقتصاد الأوكرانى بنسبة %35 نتيجة الحرب مع روسيا
وأضاف أن التوقعات الكلية الاقتصادية العالمية للعام 2022/ 2023 استثنت وحذفت الناتج المحلى الأوكرانى الحقيقي؛ نتيجة الدرجة العالية من عدم اليقين، إذ إنه من المرجح أن ينكمش الاقتصاد الأوكرانى بنسبة %35 فى العام الجاري، مضيفًا أنه حتى لو انتهت الحرب قريبًا لكن ستعيق كل من خسائر الأرواح، وتدمير رأس المال.
وتابع أن آفاق النمو فى أوكرانيا غير مؤكدة على المدى المتوسط، وتتوقف على مدى استعادة الحكومة لوحدة أراضيها، إلى جانب جهود إعادة الإعمار الكبيرة هناك، وأضاف أن الخسائر المادية التى لحقت بالاقتصاد الأوكرانى وبقطاع الضرائب جعلت سداد الديون الحكومية هناك أكثر اعتمادًا على التدفق المالى الدولى لكييف.
رغم التأثير الكبير للحرب الروسية.. شركاتنا تواصل أنشطتها فى السوق المصرية
وقال إنه مع ذلك، رغم التأثير الكبير للحرب، تواصل الشركات الأوكرانية تنفيذ أنشطتها فى السوق المصرية لدعم اقتصاد البلدين، وتابع أنه أخذًا فى الاعتبار الموارد والإمكانات البشرية ستكون بلاده بعد الحرب قادرة على استيعاب ما يتراوح بين 70 و 100 مليار دولار تمثل تدفقات الاستثمارات الأجنبية التى يتم التفاوض بشأنها مع البلدان الأخرى بالعالم التى لم تدعم الحرب مع روسيا.
خطة الحكومة الأوكرانية للانتعاش بعد انتهاء الحرب
وقال إن برنامج الحكومة الأوكرانية لتحقيق الانتعاش فى البلاد بعد انتهاء الحرب عبر توفير 750 مليار دولار سيتم توجيهها بصفة أساسية لاستعادة بنيتها التحتية كما كانت قبل ذلك، مضيفًا أن بلاده أصبحت أكثر جاذبية وفقًا للمنظور اللوجيتسي، وكذلك علاقاتها مع الدول الغربية.
وأضاف أن موقف ترشحها للانضمام للاتحاد الأوروبى يعد إشارة إيجابية أخرى للمستثمرين الذين بدأوا بالفعل في زيادة الاهتمام بالاقتصاد الأوكرانى من أجل جنى مزايا تنافسية بعد انتهاء الحرب، وتابع أن الصناعات التقليدية كالزراعة والصناعات المعدنية والحربية والسياحة تعتبر قطاعات مثيرة للاهتمام للمستثمرين للعمل بها.
السياحة الأوكرانية
وقال إنه منذ بدء نشوب الحرب كان من الصعب تتبع الإحصائيات الخاصة بالسياحة الأوكرانية، ومع ذلك استمر عدد كبير من سياح بلاده فى زيارة مصر والاستمتاع بالطبيعة المصرية، مضيفًا أنه بالطبع لا يمكن مقارنة تلك الإحصائيات بفترة ما قبل الحرب؛ لأن أوكرانيا كانت احتلت المرتبة الاولى من حيث عدد السياح الوافدين للمقاصد المصرية بعد تفشى جائحة كورونا «بواقع 1.6 مليون سنويًا».
وقال إن الحرب أدت لزيادة أسعار السلع الأساسية، واضطراب المعروض منها؛ مما أدى إلى زيادة معدلات التضخم عالمياً، فضلًا عن خسائر فادحة فى الأرواح، وتسببت فى أكبر أزمة لاجئين فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وانتكاسة الانتعاش العالمي، وتابع أنه لهذا السبب يتحد العالم حاليًا فى مواجهة تلك التحديات.
ووقعت موسكو وكييف أواخر يوليو الماضى بإسطنبول اتفاقيتين منفصلتين مع تركيا والأمم المتحدة لتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية العالقة فى الموانئ عبر البحر الأسود مقابل تخفيف القيود على صادرات الحبوب الروسية بعد خمسة أشهر من نشوب الحرب.
ويهدف الاتفاق إلى إعادة استخدام البحر الأسود عبر ممرات مؤمنة ووقف لإطلاق النار فى مناطق العبور.
وحسبما تفيد التقارير الدولية، عطل الغزو الروسى لأوكرانيا التجارة الدولية للقمح بلا هوادة، ما أثر بشدة على الاقتصاد العالمى الذى كان يتحسن بقوة من تبعات جائحة COVID-19، لكن كان زيادة سعر هذا المحصول الاستراتيجى لمستويات قياسية النتيجة الرئيسية للحرب، ولم تكن مصر معزولة عن هذه الأحداث التى أثرت بالفعل بشكل كبير على وارداتها من القمح الأوكراني.
وقال البنك الدولى فى تقرير أواخر إبريل الماضي، إن الحرب فى أوكرانيا أحدثت صدمة كبيرة لأسواق السلع الأولية، وأدت إلى تغيير أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك العالمية بطرق يمكن أن تُبقى الأسعار عند مستويات مرتفعة تاريخيا حتى نهاية عام 2024.
وتعتبر روسيا وأوكرانيا أكبر المنتجين للسلع الغذائية عالميا، كما يمثلان ما يقرب من %30 من صادرات القمح العالمية، ومن الموردين الرئيسيين له لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكان تقرير حديث صادر عن مكتب الشئون الزراعية الأمريكية بالقاهرة، أوضح أن أكبر الموردين الأجانب للسوق المصرية من محصول القمح خلال الفترة من يناير إلى مايو 2022 كانوا روسيا بواقع 1.66 مليون طن، ورومانيا بنحو 780 ألف، وأوكرانيا 518 ألف طن، وألمانيا 118 ألف طن، فضلًا عن بلدان فرنسا وليتوانيا والهند والبرازيل وبلغاريا وأستراليا.