– غزو أوكرانيا يتسبب فى تجميد الاقتصاد التكنولوجى فى روسيا
أصدر كلاى لورى، نائب الرئيس التنفيذى لمعهد التمويل الدولى، معهد IIF بيانًا يوضح فيه العقوبات الاقتصادية التى اتفق الرئيس الأمريكى جو بايدن مع رؤساء الدول الأعضاء الـ27 فى الاتحاد الأوروبى ومجموعة السبع الكبار على تنفيذها ضد روسيا، وتضم ما يلى:
التخطيط لتقليص قدرة روسيا على استخدام الدولار واليورو والجنيه الإستيرلينى والين، ومنع التمويل اللازم لتطوير قواتها العسكرية، وتجميد %80 من أصول البنوك الروسية الأربعة الكبار، ومنها البنك المركزى وسبيربنك، وتضييق الخناق على موسكو، بحيث لا تتمكن من تحقيق نمو فى الاقتصاد التكنولوجى عن طريق تقييد الصادرات إليها.
وأكدت الإدارة الأمريكية أن العقوبات التى فرضتها مع كبرى دول العالم ستؤثر على أكبر 10 مؤسسات مالية فى روسيا، بينما أعلنت جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) وهى مؤسسة مستقلة مقرها بلجيكا، وتعمل كنظام مراسلة داخلى بين أكثر من 11000 بنك ومؤسسة مالية فى أكثر من 200 دولة، وتوصيل 42 مليون رسالة يوميًا فى المتوسط لتنسيق التعاملات البنكية العالمية- أنها تستعد لتنفيذ إجراءات جديدة للدول الغربية ضد البنوك الروسية.
وتتواصل الجمعية مع السلطات الأوروبية لمعرفة التفاصيل المتعلقة بالكيانات التى ستخضع للإجراءات الجديدة، وتستعد للامتثال وفقًا للتعليمات القانونية؛ إذ تستهدف الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض عقوبات جديدة ضد روسيا.
منع استخدام الاحتياطى
وتهدف الإجراءات أيضًا حسب معهد IIF إلى منع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من استخدام 630 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزى من العملات الأجنبية فى الحرب على أوكرانيا، والدفاع عن تراجع الروبل، وطرد حكومة بوتين من النظام المالى العالمى، مع الاستمرار فى تصعيد العقوبات، ومنها تجميد التعاملات فى السندات الحكومية، وعدم إصدار أصول روسية وحظر سفر أباطرة رجال الأعمال الروس.
ويرى معهد IIF أن الهدف الرئيسى من هذه العقوبات تكبيد اقتصاد روسيا أكبر خسائر، لدرجة أن الشعب الروسى بموجة ارتفاع أسعار باهظة، لأن هذه العقوبات تستهدف النظام المالى المحلى لروسيا، وتستنزف السيولة فى بنوكها، وترغم البنك المركزى على الاستمرار فى رفع أسعار الفائدة، ما يؤدى فى النهاية إلى نمو سلبى فى اقتصادها، الذى هبط مع تزايد العزلة على حكومة موسكو، علاوة على المأساة الإنسانية التى يتعرض لها الجنود الروس والشعب الأوكرانى.
استبعاد من النظام المالى العالمي
وأكد رئيس وزراء البريطانى بوريس جونسون حسب معهد IIF أن بريطانيا وحلفاءها اتخذوا إجراءً حاسمًا للتخطيط لاستبعاد موسكو من النظام المالى العالمى، عبر منع بنوكها من استخدام نظام SWIFT للمدفوعات العالمية بين البنوك، ليتفق مع الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين وكندا فى بيانهم المشترك فى التهديد لاستبعاد موسكو من هذا الننظام، ما يعنى أن البنوك الروسية لا يمكنها التواصل بشكل آمن مع البنوك خارج حدودها، فى خطوة من شأنها منع البنوك الروسية من التعامل مع النظام المالى العالمى.
ووجهت الدول الغربية ضربة إلى جميع المؤسسات المالية العشر الكبرى فى روسيا، والتى تسيطر على ما يقرب من %84 من إجمالى أصول القطاع المصرفى الروسى، وأكدت التزامها باستخدام العقوبات للحد الأقصى ضد الطبقة المستفيدة من الحكومة الروسية، وعدم قدرة البنك المركزى الروسى على دعم الروبل الذى انهار إلى حوالى 100 أمام الدولار.
وكان الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، أعلن يوم الخميس الماضى إطلاق عملية عسكرية خاصة فى دونباس فى أعقاب طلب جمهوريتى دونيتسك ولوغانسك، رسميًا، دعمًا روسيًّا فى مواجهة القوات الأوكرانية، لكنه شدد على أنه لا يخطط لاحتلال الأراضى الأوكرانية، وأن كل محاولات موسكو التوصل لاتفاق لعدم توسع حلف شمال الأطلسى (ناتو)، باءت بالفشل.
فصل بنوك روسية عن «سويفت»
وأعلنت أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية حسب معهد IIF ، أنه سيتم فصل 8 من البنوك الروسية عن نظام سويفت المصرفى العالمى، وستنسق مع الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا لفصلها عن هذا النظام العالمى، بهدف شل قدرة الرئيس بوتين على تمويل آلته الحربية، ومنع الأثرياء الروس من استخدام أموالهم داخل الأسواق المالية الأوروبية.
وأضافت «أورسولا فون دير لايين» أنه سيتم تجميد أرصدة البنك المركزى الروسى بهدف منعه من الوصول إلى احتياطياته، وفصل بنوك أخرى من نظام سويفت، وفرضت الدول الغربية خلال الأيام الماضية، حزمة عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، ردًا على شن موسكو عملية عسكرية خاصة فى أوكرانيا، لحماية سكان جمهوريتى لوغانسك ودونيتسك.
وأدى دخول القوات من روسيا حسب معهد IIF حدود أوكرانيا لإغلاق بورصة كييف الأوكرانية، كما هوى مؤشر بورصة موسكو “MOEX ” فى روسيا بأكثر من %33 أو ما يعادل 1022 نقطة، لينزل إلى 2062 نقطة خلال تعاملات يوم الغزو وهجوم القوات الروسية على أوكرانيا، ما أثار مخاوف من نشوب حرب فى أوروبا بما يسهم فى زيادة التضخم ويعرقل النمو الاقتصادى، وسط انتشار فيروس كورونا ومتحوراته المتعددة فى جميع أنحاء العالم.
خسائر 71 مليار دولار
وهبطت أسعار أسهم العديد من الشركات الروسية لدرجة أن أغنى مليارديرات روسيا خسروا أكثر من 71 مليار دولار منذ بداية العام وحتى الآن، منها 39 مليار دولار فى يوم واحد فقط، وأن 4 مليارديرات روس منهم فلاديمير بوتانين أغنى أثرياء روسيا تعرض لخسائر بلغت 3 مليارات دولار على الأقل فى ذلك اليوم.
وطبقت العديد من الشركات الأمريكية حسب معهد IIF القيود التى فرضتها إدارة واشنطن على الشركات الروسية، وفى مقدمتها شركة جوجل أكبر موقع بحثى فى العالم التى منعت وسائل إعلام روسية مرتبطة بحكومة موسكو من تلقى أموال مقابل إعلانات على مواقعها على الويب وتطبيقاتها ومقاطع فيديو اليوتيوب، بعد أن منعتها شركة فيسبوك أكبر موقع تواصل اجتماعى فى العالم من التعامل معها بعد غزو أوكرانيا.
وأكدت شركة جوجل على أنها تمنع أيضًا وسائل الإعلام الروسية التى تمولها الحكومة من استخدام تقنيتها الإعلانية لتوليد إيرادات على مواقعها وتطبيقاتها ومنعتها من شراء الإعلانات من خلال أدوات الشركة الأمريكية أو وضع الإعلانات على خدماتها المتعددة.
«تويتر» تساعد الأوكرانيين
وأسست شركة تويتر مركز عمليات خاص لمتابعة الصراع فى أوكرانيا، وأطلقت ميزة تمكن المستخدمين فى ذلك البلد من إغلاق ملفاتهم الشخصية على موقع فيسبوك لضمان أمنهم، ونشرت نصائح عن كيفية تأمين المستخدمين لحساباتهم ضد القرصنة والتأكد من خصوصية تغريداتهم ووقف تنشيط حساباتهم وإرشادات سلامة الاستخدام باللغات الإنجليزية والروسية والأوكرانية، خاصة أن النشطاء السياسيين والباحثين يستخدمون منصتى وسائل التواصل الاجتماعى لنشر معلومات فى أوقات الأزمات التى تتفاقم فيها المخاوف من انتشار معلومات مضللة عن الصراع فى أوكرانيا.
وتفاقمت خسائر الأسواق المالية الروسية عندما اضطر البنك المركزى الروسى لشراء روبلات لوقف النزيف الدرامى للانهيار الشديد فى العملة الروسية، وهبطت ثروات أثرياء روسيا بقيادة فاجيت أليكبيروف رئيس شركة لوكويل للبترول الذى خسر 6.2 مليار دولار، لتنخفض إلى 13 مليارا، ليتصدر خسائر مليارديرات روسيا وفقد الملياردير اليكسى مورداشوف أكثر من 4.2 مليار، ليواصل نزيف خسارته منذ 2018 عندما تعرض للعقوات الأمريكية.
وكان الرئيس فلاديمير بوتين اجتمع مع أكثر من 30 من كبار رؤساء الشركات فى روسيا، ليضمن دعمهم قبيل غزو أوكرانيا، بهدف الحصول على دعم رجال الأعمال ليتحملوا معه تداعيات فرض العقوبات الغربية ضد قطاعات البنوك والتكنولوجيا والصناعات المتعددة الروسية واتخاذ تدابير مشددة لمنع البنك المركزى الروسى من استخدام احتياطيه الأجنبى.
قفزة لأسعار البترول
ونجم أيضًا عن دخول روسيا حدود أوكرانيا لصعود أسعار البترول بحوالى %7 ليتجاوز 105 دولارات للبرميل لأول مرة منذ عام 2014 والخام الأمريكى لأكثر من 100 دولار للبرميل، ونزل مؤشر قطاع البنوك الأوسع نطاقًا فى أوروبا، والتى لها تعاملات فى روسيا %4.2 ومنها بنك رايفايزن النمساوى وأونى كريديت وسوسيتيه جنرال بنسب بين 5 و%6.6 على التوالى.
وقام الاتحاد الأوروبى بتجميد الأصول الأوروبية ومنع البنوك والشركات والمؤسسات الروسية من التعامل فى الأسواق المالية العالمية، واستهداف مصالح الكرملين ووصف الرئيس بوتين بأنه يمثل تهديدًا للنظام العالمى.
وطالب دول العالم بتنسيق وتطبيق عقوبات اقتصادية ومالية قاسية، وأعلن بايدن شن عقوبات جديدة تستهدف البنوك والصادرات والقوات الحربية الروسية.
كارثة الغزو
ووصف بوريس جونسون الغزو الروسى بأنه كارثة لقارة أوروبا، ولقب بوتين بالدكتاتور، وكذلك أعلن رجب طيب أردوغان رئيس تركيا أن الهجوم الروسى لطمة ثقيلة ضد سلام المنطقة، بينما طالبت حكومة بكين بعقد محادثات سلام، ورفضت انتقاد غزو روسيا لأوكرانيا.
ووافقت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى وغيرها من دول القارة العجوز على وقف العمل بجوازات السفر الذهبية التى كانت تسمح لأثرياء الروس بمعاملتهم كمواطنين غربيين ونقل أصولهم لخارج بلادهم والالتزام بفرض عقوبات مالية أخرى على المزيد من أفراد النخبة الروسية وعائلاتهم مع تأسيس قوة عمل دولية لاكتشاف أصول الأفراد والشركات الروسية وتجميدها.
البنوك الأمريكة ضد العقوبات
لكن كبرى البنوك الأمريكية ومنها JP مورجان وسيتى جروب تحاول إقناع الساسة الأمريكيين وإدارة بايدن بعدم تقييد استخدام البنوك الروسية لنظام سويفت، وحذرت من أن هذه التدابير القاسية ستشجع البنوك الروسية على ابتكار نظام بديل، ويجعل من العسير على الدول الغربية تتبع التعاملات المالية المشكوك فيه، كما يقلص سيادة الدولار فى الاقتصاد العالمى.
وتحذر كريستالينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولى من أن تداعيات الصراع الروسى الأوكرانيا، تفرض مخاطر اقتصادية تراجيدية فى المنطقة وحول العالم وأن أحداث الهجوم تثير مخاوف شديدة بسبب الخسائر البشرية ومعاناة الناس العاديين.
وترى جورجييفا أن هذا الصراع له تأثير اقتصادى خطير، مع ارتفاع أسعار السلع الخام مثل القمح والبترول والتأثير السلبى المباشر على الدول ذات العلاقات الاقتصادية مع المنطقة، وسيزداد سوءًا كلما طال استمراره، لأن هذه الأزمة تأتى فى وقت حساس للغاية؛ إذ ما زال الاقتصاد العالمى يحاول التعافى من أضرار وباء كورنا الذى ما زال يهدد النمو العالمى مع انتشار المتحورات العديدة فى أنحاء العالم.
«أوبك» ملتزمة بتوفير الغاز
من ناحية أخرى، أكدت منظمة البلاد العربية المصدرة للبترول (أوبك) أن الدول العربية المصدرة للغاز الطبيعى المسال ملتزمة بتوفير إمدادات الغاز إلى عملائها لضمان استقرار الأسواق العالمية خلال الأزمة الأوكرانية، لكنها استبعدت فى الوقت ذاته تراجع الأسعار فى السوق الفورية عن ذروتها، خاصة مع تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية، وربما استمرارها لشهور مقبلة.
وأوضحت الأمانة العامة لمنظمة أوبك، التى تتخذ من الكويت مقرًّا رئيسيًا لها أنها تتابع باهتمام بالغ الانعكاسات التى تشهدها أسواق الغاز الطبيعى الأوروبية، بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وأن أولى التداعيات وقعت فور بدء العملية العسكرية الروسية المرتبطة بحدوث قفزة غير مسبوقة فى الأسعار.
صعود أسعار الغاز %50
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعى بأكثر من %50 لتصل الأسعار إلى 44 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل 29 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية فى اليوم السابق للغزو بسبب تنامى المخاوف، وتزايد الشكوك بخصوص مستقبل إمدادات الغاز من روسيا عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية، والتى تلبى وحدها نحو %30 من احتياجات أوروبا من الغاز، خاصة أن بعض تلك الخطوط يمر عبر الأراضى الأوكرانية.
ومع ذلك فقد انحسرت هذه المخاوف، كما جاء فى تقرير منظمة أوبك نتيجة استمرار عمليات ضخ الغاز من روسيا عبر الأراضى الأوكرانية، دون توقف حسب العقود السارية بين الجانبين، لتسجل نحو 109 ملايين متر مكعب فى اليوم من مشغل شبكات نقل الغاز الأوكرانية، ما أدى لانخفاض الأسعار بنهاية الأسبوع إلى 35 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (أى ما يكافئ نحو 200 دولار للبرميل على أساس القيمة الحرارية)، لتظل محلقة أعلى مستوى فى تاريخها.
واستبعدت منظمة أوبك هبوط الأسعار فى السوق الفورية عن ذروتها فى المستقبل القريب إذا استمرت الأزمة الحالية لعدة شهور مع ظروف السوق الراهنة، ووضع الإمدادات من مختلف الدول المصدرة، ونتيجة استمرار تراجع المخزونات فى الأسواق الأوروبية.
موجة جديدة لارتفاع الغاز
ومن المتوقع أن تشهد الأسواق موجة جديدة من الارتفاعات فى حال زيادة الإقبال على شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعى المسال من السوق الفورية المتأزمة أصلًا، لضمان تأمين مخزونات كافية، ما يتسبب فى تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمى، المنهك أصلًا جراء وباء كورونا.
وكانت منظمة أوبك أصدرت فى يناير الماضى أكثر من 10 ملايين طن من الغاز الطبيعى المسال، لتلبى احتياجات حوالى %29 من الطلب العالمى، وفى أعلى مستوى شهرى للصادرات تحققها الدول العربية مجتمعة فى تاريخها، لتؤكد بذلك ريادتها كمورد آمن وموثوق ومستدام للغاز الطبيعى، استحوذت الأسواق الأوروبية وحدها على حوالى %25 من إجمالى صادرات الدول العربية.
وأشارت منظمة أوبك إلى أن استقرار الأسواق العالمية للغاز الطبيعى، والأوروبية بصفة خاصة والحد من التقلبات الفجائية الحادة فى الأسعار وتحقيق أمن الطاقة، سيظل مرهونًا باستمرار ضخ الاستثمارات اللازمة فى قطاع الغاز والاعتماد عليه كمصدر رئيسى لوقود فى المستقبل، وإبرام تعاقدات طويلة الأجل بين الدول المصدرة والمستوردة للغاز، بهدف تحقيق التوازن بين أهداف توفير الطاقة وتقليص الانبعاثات الكربونية.