معجب أنا، شديد الإعجاب، بل ومتيم، بتصريح حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، لجريدة المصري اليوم في عدده الصادر الخميس الماضى، والذي جاء فيه: أن تخصيص المؤتمر السنوي-الذي عقده الصوفيون بمحافظة البحيرة قبلها بيومين-، لإعلان المبايعة والتأييد للرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا يعني أن للصوفيين علاقة بالسياسة!.
وبصراحة، لا أرى داعي لعلامة التعجب، التي ذيلت بها الجريدة عبارات الشيخ الجليل، إذ أن تصريحات الرجل، تؤكد فعلا أنه لا هو، ولا الأخوة من أتباعه الصوفيون، لهم أى علاقة بالسياسة، بدليل أنه لا يرى في تخصيصه مؤتمرهم السنوي، لمبايعة مرشح في انتخابات رئاسية -تمثل قمة العملية السياسية في أي دولة- علاقة بالسياسة.
ثم أن الرجل لم يجد غضاضة في أن يستخدم لفظ مبايعة في انتخابات، يفترض أن تجرى بين عدد من المرشحين، وليس استفتاء على مرشح واحد، مما يؤكد مرة أخرى على عدم فهمه لطبيعة المرحلة السياسية، ولو كان يفهم، لبدل ألفاظه وحسنها، واستخدم على سبيل المثال عبارة من قبيل: أن الصوفيين سيصوتون للرئيس في الانتخابات، ولكننى أحمد الله أنه لم يفعل، لأنه لو فعل، لربما خرج عليه بعض الخبثاء، ليقيموا عليه الحجة، ويتهمونه بعكس ما يدعى، أي بأنه يفهم أو له علاقة بالسياسة.
وأعترف بأنني لم أستطع أن أمنع نفسي من استعمال لفظ «متيم»، لوصف مشاعري تجاه الرجل وتصريحاته، بحكم أن المرء كثيرا ما تسيطر عليه خبراته السابقة، عند اختيار ما يلوكه من مصطلحات، فالمتيم ببساطة هو محب ولهان، يكاد أن يسمو حبه لحبيبه إلى درجة العشق والهيام، وهى كلها كلمات وصفات، ألفتها وإلتصقت بها، مع قراءتى النهمة المبكرة لقصص ألف ليلة وليلة الشهيرة، التي تتناول حكاوى العشق والغرام بين الأنام جميعا رجالا ونساء وغلمان!.
علاوة على ذلك، فإنني أتذكر بكل خير ومحبة، بعض الزيارات التي قمت بها لمولد السيدة زينبن الذى يزحف إليه صوفيو الشيخ حسن بطرقهم المختلفة كل عام، فيما يشبه الكرنفال، فترى بعضهم يقيم الذكر إلى أن يسقط مغشيا عليه من ذكر الله، في حين يسقط البعض الآخر مغشيا عليه وهو يتراقص على أنغام الدفوف مرتديا الملابس المزركشة، واضعاً الكحل فى عينيه.
وأذكر أن شابا «مكحلا»، من هؤلاء الراقصين، قد غمز لى بأحد عينيه، وهو يلف ويدور ويتلوى على إيقاع الطبول الراقص، فتقمصت شخصية ابن البلد -وكنت وسط مجموعة من الأصدقاء-، وصرخت مستنكرا: ألا يوجد من يصفع هذا الفتى على وجهه حتى يفوق؟، إلا أن ردا سريعا أفحمتنى به الصديقة المخرجة هالة خليل، أعادنى أنا إلى رشدي: طب هوا لو فاق هيعمل إيه، خليه كدا أحسن له!.
لقد استخدمت الدولة الإخوان المسلمين ضد قوى اليسار مع بداية حقبة السبعينيات، قبل أن يخرج من عباءة الإخوان أنفسهم الجماعات الإسلامية الراديكالية، فاستعانت على الاثنين -بعد أن قويت شوكتاهما- بدعم الطرق الصوفية، أو الأحباب كما يحلو للصوفيين أن يطلقوا على بعضهم البعض.
وأذكر أن فى زيارة لمولد السيدة أيضا، أقامت الدولة سرادقا، أوفدت إليه وزيرا للأوقاف لا أتذكر اسمه، فاحتشد الصوفيون داخله بالآلاف، وأخذ الوزير يلقى خطبة عصماء عن فضل السيدة زينب رضي الله عنها، بينما عشرات الغلابة من حولي ينسجون عنها وعن بعض شيوخ الطرق الصوفية حكايات، تصل إلى درجة الأساطير، وفجأة ساد الهرج والمرج، وهرول المحتشدون إلى خارج الصوان، غير عابئين لا بخطبة الوزير الصامد على المنصة، ولا بالحكاوى ولا بالأساطير، ألقيت بنظرة لاستطلع الأمر، فإذا بهم يتكالبون على سُرادِق مجاور، أعلن من فيه لتوهم عن توزيع الأطعمة والمأكولات المجانية!.
ساعتها فقط أيقنت أن لا أحد يستطيع -حتى لورغب وأراد أو لم يرغب- أن يتصرف سوى ككائن سياسي، وكل المحبة والعشق للحبيب شيخ الأحباب حسن الشناوى.