مصر وسيف الكعكة!

مصر وسيف الكعكة!
محمد بكري

محمد بكري

7:23 ص, الأثنين, 21 يونيو 21

بمستهل قمة مجموعة السبع يونيو 2021، تداول الإعلام العالمى صورة حضور الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا العظمى، لحفل استقبال رؤساء المجموعة بكورنوال جنوب غرب إنجلترا، وقامت بقطع قالب الحلوى بواسطة سيف، بحضور الرئيس الأمريكى بايدن القائل «إنها تذكرنى بأمي»! ومعروف أن بريطانيا العظمى عرّاب أمريكا بعد الاستقلال، ولكن الصورة أثارت علامات استفهام بين تعجب وتوجس!

فهل هناك علاقة بين سيف الكعكة ومصر وجمهوريتها الثانية، وطريق الحرير الذى استهدفته القمة وتسعى لبديل له؟

يقول سفيان الثورى «التاريخ هو العمق الإستراتيجى لمن يبتغى صناعة المجد فى الحاضر والمستقبل» والأسد العجوز لا ينسى أبدا كونه «الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس»، واُعتبرت بذروتها أضخم إمبراطورية بتاريخ العالم للآن، ليأتى سيف الكعكة ومن خلفه الابن النجيب، مُفتتحا للقمة ومُرسلا للعالم رسالة غير مباشرة بأن «تقسيمه سيكون لنا»! فيترجم الصورة قول أندريا بيليه « الحروب هى صراع بين غيلان العالم لاقتسام لحوم أغنامه»!

مع القراءة الاقتصادية والاستراتيجية لصورة قمة الكعكة، نجد توصياتها (الديموقراطية) لم ترقَ للواقع التنفيذى الفاعل لمحورى 1 – طريق الحرير الصيني/ مبادرة «حزام وطريق» لربط الصين بآسيا وأوروبا وشرق إفريقيا، بتحسين البنية التحتية المادية، بالممرات البرية وطريق الحرير البحري، لتغطى ممرات البنية التحتية لحوالى 60 دولة بشكل أساسى وستتكلف بـ 4-8 تريليون دولار أمريكى تقريبا -2 الشراكة الروسية الصينية لبناء «طريق حرير الجليد» بطول طريق البحر الشمالى بالقطب الشمالى وتعتبره روسيا ملحقا بمياهها الإقليمية.

شكلياً، تهدف المبادرة الصينية لإحياء طرق التّجارة القديمة البريّة والبحريّة، ولكن بباطنها فالمسارات تستهدف كتلة بشريّة هائلة، تلاحظ معها تلافى المسارين البرى (الحزام) والبحرى (الطريق)، لحد كبير المرور بمدن وموانئ عربيّة/ خليجية، عدا مرور المسار البحرى من (قناة السويس والبحر الأحمر)، وترجيح ميناء السويس ليكون أحد موانئ المسار، الذى سيكمل دور قناة السويس ويعظم الاستفادة منها ويجعل محور إقليم قناة السويس مركزا لوجيستيا للسفن والبضائع، كما سيزيد عدد السفن المارة بالقناة ويحقق بالتالى إيرادات إضافية مع زيادة فرص العمل ويحقق التنمية الاقتصادية المرجوة.

من هنا؛ نستشرف محددات ما تُقدم عليه مصر بالدولة الجديدة والجمهورية الثانية، التى بدأت بتولى الرئيس السيسى المسؤولية وإطلاقه مخططات تنمية البنية التحتية والإصلاح الاقتصادي، لتدعم بتوجيهاته لبناء الإنسان المصري.

إن توصيات قمة مجموعة السبع بعقوبة الصين وتحذيرات روسيا، كشفت طرفا لرؤية مصر الجديدة بطريق الحرير، وما قد تتحول له بميزان التجارة والقوى العالمية، وهو ما يوافق التحول الصينى للتعامل مع إفريقيا من البيع المباشر لمنتجاتها لها، للاستثمار فيها، بما جعل مصر نقطة ارتكاز لطريق الحرير بقناة السويس والبحر الأحمر كبوابة لإفريقيا، حققت معها مصر طفرة تنموية بالبنية الأساسية وتأمين إمدادات الطاقة، وحفظ أسعارها، لينعكس عليها كملاذ آمن للصناعة والاستثمار، بالمجالات الخدمية والسياحة والصناعات المحتاجة بالسوق الإفريقية، والمستهدفة من الصناعات الهاربة من بعض الدول مرتفعة الضرائب، وكذلك الدول المعانية من إمدادات الطاقة، إضافة لاستقرارها الأمنى والسياسى الراهن.

ورغم إعلان قمة مجموعة السبع لصندوق البنى التحتية العالمي، كبديل أكثر إنصافا لطريق الحرير، لتطوير البنى التحتية للدول النامية كمشروع (لإعادة بناء العالم بشكل افضل)، بمساعدة الدول المعنية به للتعافى من كورونا، عبر التركيز على الصحة والمناخ والقطاع الرقمى ومكافحة التفاوتات، إلا أن غموض الإعلان وعدم تحديده لسياسات تنفيذية، لا يوازى ما تم فعليا بمراحل طريق الحرير!

صندوق إعادة بناء العالم من الدول السبع، محوره «ما لنا فهو لنا، وما لهم فمحل مناقشة»، كمنهجية مطورة للسيطرة والتبعية. فى حين محور طريق الحرير هو عش ودع غيرك يعيش.. إن استطاع! وهو ما يحذر منه خبراء الاستراتيجية بأن المشروع شكل من أشكال الاستعمار الجديد، بتسمية سياسة التنمية الخارجية للصين بدبلوماسية مصيدة الديون، لأنه بمجرد فشل الاقتصادات المدينة بخدمة قروضها، ضغطت بكين على الديون المحاصرة بطاجيكستان مثلاـ لتسليم 1158 كيلومترًا مربعًا من الأراضى المدينة للصين بـ 1.2 مليار دولار أمريكي، من إجمالى ديون 2.9 مليار دولار! وهناك لدول أخرى مخاطر مماثلة لتقطيع السيادة، مثل باكستان ومدغشقر ومنغوليا وجزر المالديف وكرجيزستان والجبل الأسود ولاوس التى تقع بشكل كبير بفخ الديون الصينية.

من هنا نستحضر أن تمركز مصر بوسط طريق الحرير، يتماس وسيف الكعكة! ومرتبط باطنيا بموقعها الجغرافي، دور قناة السويس، تاريخ الاستعمار الإنجليزي، الجلاء عن مصر، التبعية الامريكية، الاستقلال الجديد والتمركز بطريق الحرير والخروج من الانحياز والتبعية، لبناء الدولة الجديدة والجمهورية الثانية.

وإذا كانت مصر ولهاَ فرنسيا، فهى ثأر إنجليزي، لن يسعفنا فيه مع السيف إلا رسالة وعى جديد بما نحن مقدمون عليه، بكوننا نؤهل جيوسياسيا وماليا، ضمن مراكز التجارة العالمية الجديدة.

ساعدت قمة مجموعة السبعة، فهم المصريين لقيمة مصرهم وقائدهم وما ينحته بيد القدر، فى بلد أمّنه القرآن، بتضفير الجغرافيا والتاريخ بالمستقبل، ويعوزه وعى الشعب بالقادم ليدعم تحقيقه، فكما قال صن تزو (كل الناس يمكنهم معرفة التكتيك الذى اتبعته لتنتصر، و لكن سيصعب عليهم معرفة استراتيجيتك المتبعة لتحقيق النصر).

وبالأدق ابتهال رمسيس الثانى بملحمة قادش «إنى أدعوك وأستنصرك أبى آمون ، وأنا بين أجانب كثيرين لا أعرفهم، وأصبحت وحيدا وما من أحد حولي، أنا حارس نفسى وليس معى أحد، فدعوتك أنت يا آمون، مؤمنا بأنك أنت أجدى من ملايين المشاة، ومن مئات الألوف من المحاربين، إلا أنى أدعوك يا آمون من تلك البقاع النائية، مؤمنا بأن دعائى سوف يبلغك فى طيبة».

ليختمها صن تزو مرة أخرى (هل تتخيل ما يمكن أن أفعله إذا تهيأ لى ما أطمح له) ؟

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com