العلاقة بين شارع المعز وجنوح الباخرة إيفرجرين وموكب المومياوات الملكية، علاقة دروس مستفادة فى الاستثمار وإدارة الأزمات وتسويق الدول! والإدارة والإعلام هما كلمة السر لاستيعاب هذه الدروس والعمل لتطويرها.
1 ـ شارع المعز؛ كنز الآثار الفاطمي، أقدم شارع بالعالم، أيقونة الفن المعمارى الإسلامي، شهد مؤخرا اجتياحا من محلات تقدم منتجات منبتة الصلة بواقع وتاريخ المكان! فجاءت كندوب على وجه المعز وتاريخه ـ كما سميتها فى مقالى السابق شارع المُعز المُذل ـ المشكلة هى الصراع بين حرية الملكية الفردية لأصحاب المحلات والحرف القديمة لبيعها لمن يدفع أكثر، وبين مفهوم إدارة الثقافة والتراث والتاريخ المصري! غياب وعدم تدخل أو إدارة الدولة بأجهزتها الثقافية والحفاظ على التراث، لقيادة حياة الشارع واستمرار أداء رسالته الثقافية والسياحية، فأثمر الصراع مسخا بفرض الحديث الفج على عبق التاريخ! والنتيجة انسحاب روح شارع المعز تدريجيا، وطفو قرامطة وغزاة جدد، سيحتلون واجهات وجوانب الشارع العريق ليطالبوا بملكيته يوما ما!
لماذا لا يتبنى صندوق تحيا مصر أو أحد الصناديق السيادية أو يسعى كبار رجال الأعمال الغيورين على تراث المُعز، لتأسيس شركة خاصة/حكومية للاستثمار فى شراء هذه المحلات وتعويض ملاكها الجدد، وتصميم منظومة متكاملة لاستعادة تقديم وتسويق الحرف التقليدية بشارع المعز من جديد، تحت إدارة الدولة بشكل استثماري؟ شارع المعز أفضل واجهة تاريخية معاصرة لتقديم وتسويق منتجات مركز الحرف التقليدية بالفسطاط. لنحافظ على تراثنا وتاريخنا ونرد هجمات الاستثمار المالى الاستهلاكى السطحي. لا نريد يوما نندم فيه على حكم القرامطة الجدد، لنبدأ بمقاومتهم بعد تعمق شوكتهم التجارية على حساب المُعز! الأزمة هنا بإدارة ثقافتنا وتراثنا وتاريخنا وصمت الإعلام عنها حتى تنفجر قنبلة التسطيح بقلب المعز.
2 ـ قناة السويس وأزمة إيفرجرين: اختبار قدرى جديد، أنقذت مصر منه سواعد رجالها! حدث عالمى جعل مصر الحديثة تقفز على شاشات بورصات العالم وإعلامه، بتحدٍ صارخ لإمكانيات مصر الآن وقدرتها لإدارة الأزمات الدولية. ورغم نجاح مصر بحلول مصرية خالصة، لم يسلط الإعلام أو يستفد بهذا الدرس الإيجابى بصورة منهجية، لتسويق مصر الحديثة بصورة محترفة. للأسف شارك الإعلام المصرى والسوشيال ميديا بإدارة مريبة للحدث، لم تنصف أبطال الحل أو الإدارة المصرية لتصديها لحل الأزمة! وقائع المحنة ودور منفذى عملية الإنقاذ تصلح مادة درامية لعمل فنى وتغطية إعلامية حقيقية ترفع الروح المعنوية لـ100 مليون مصري، بأمس الحاجة لاستكمال الثقة بمنظومة الإدارة المصرية المعاصرة. ما تم قصة نجاح حقيقية تقارب روح العبور العظيم! ويلزمنا معرفة الدروس المستفادة بحل الأزمة، كالمنهجية والتنفيذ، تكوين وإدارة فريق العمل، صناعة القرار، ترتيب القيادة، العمل تحت ضغوط دولية سياسية واقتصادية، وغيرها من أسس الإدارة التى صمت عنها الإعلام وتعامل معها بسطحية للآن.
3 ـ موكب المومياوات الملكية: هذا ليس حدثا مصريا أو عالمى الهوية فقط، ولكن معاصرته لأزمة إيفرجرين وأنظار العالم لمصر مُكافحة كورونا وإنجازات العاصمة الإدارية والبنية التحتية وشبكات الكبارى والمونوريل والقطارات الجديدة بالتوازى مع حادثة قطار الصعيد، جعل توقيت الحدث وهويته مُركب القيمة وفرصة لنحت صورة ذهنية جديدة. نجحت مصر بالاستعدادات الأمنية والفنية الضخمة المواكبة للحدث، رغم سطحية الصراع الإعلامى مؤخرا لاختيار الممثلين مصاحبى الحدث والجدل الدائر وضعف التركيز لانعكاس رحلة مصر القديمة نحو مصر الجديدة. أتى الإخراج والأضواء مبهرين، ولكن تمنيت استخدام الخبرات التسويقية العالمية لإعادة تكوين وتقديم الصورة الذهنية لمفهوم الردع لمصر الذهبية بهذه المرحلة بالذات، فنغنم مكاسب سياسية واقتصادية وسياحية واستثمارية، تدعمنا بحل سد النهضة ومفاوضات الغاز وشرعية القيادة العربية المعاصرة وغيرها من نقاط ساخنة جدا تحتاج بعثا جديدا للفرعون المصري. لا ولم يوجد منذ بداية القرن 21 أن حقق بلد نجاحا تاريخيا ومعاصرا بزمن قياسى وتأثير عالمى مثل أزمة إيفرجرين وموكب المومياوات! بذات مرحلة اجتياح كورونا لدول العالم وفرضها الجمود والحجر الصحى والتجارى والسياحى عليهم. لا شك أن الإدارة المصرية بذلت أكبر جهودها، ولكن لمصر نجومها العالميين بالعلوم والصناعة والتمثيل والرياضة والسياسة وغيرها، جديرين بمصاحبة الحدث والاستفادة عالميا من سمعتهم ومشجعيهم ومريديهم، ليكون الموكب تسليم مصر من ملوك القديم لملوك الحاضر بكل المجالات! ولكن هذا لا ينال مما تم تنفيذه بحال، فهى نزعة الكمال كمصريين تفرض علينا تدبر المشهد بأكبر قدر من الاستفادة والإنجاز. دوما الإدارة والإعلام كلمتا السر المحتاجة تطويرا لتكون مصلحة مصر هى الحاكمة لا المستفيدين منها. الموضوع ليس بمليارات عائد مساحات إعلانية أو تنشيط سياحى أو إعجاب موسيقي، ربما لأن مصر كنز لا تنضب خيراته، ولكن آن الوقت لتطوير إدارة الصورة الذهنية العالمية لمصر، باحتراف يناسب أزماتها ومهمتها ونهضتها المعاصرة بعيون العالم.
كمصرى غيور على بلده وتاريخه وإنجازات حاضره، أدعو المصريين لمراجعة علاقتهم بالإدارة والإعلام والتصدى بجدية لتحسين صورة مصر عالميا، سواء كان تراثيا لاستعادة نهضة المعز، أو معنويا ببروزة انتصار إيفرجرين، أو تاريخيا بإعادة دراسة الإخراج العالمى لتقديم مصر القديمة بعيون عالم، يتهاوى ويشهد شموخنا معا.
نحن نحتاج الخروج من إدمان مصر ببيروقراطيتها وشللها وتربيطاتها، لمصر المحتاجين همتها، وتناضل صاعدة بقوة المثابرة، رغم القرامطة الجدد وشبح إيفرجرين والحرس القديم.
العلاقات والتحديات واحدة ومستمرة والوقت مازال معنا ..
فالكنز لم ينضب بعد!
* محامى وكاتب مصرى
bakriway@gmail.com