مصر.. عادت شمسك الذهبى «إقليميًّا»

مصر.. عادت شمسك الذهبى «إقليميًّا»
شريف عطية

شريف عطية

7:11 ص, الأحد, 6 يونيو 21

لأسباب متعددة على مر العصور، يغيب وجه مصر عن دائرة الضوء الإقليمية، ذلك بعد أوج ازدهار وهيمنة حقبتها الفرعونية على المحيط الحيوى المنظور لمصر «البحرية».. الذى تداولته من بعد انحسارها- إمبراطوريات خارجية إلى عهود الخلافة والسلطنة، ما أودى بها لما وراء ظهيرها «النيلي»، ومن ثم إلى تقليص دورها الخارجى الذى انعكس بالسلب على أوضاعها وأزماتها الداخلية، وإن لم تغِب مساهماتها بالمطلق دفاعًا عن المنطقة من حينٍ لآخر ضد غزو طفيليات مرتحلة لا حضارية (..) إلى أن برز – وعلى استحياء – دورها الإقليمى متوازيًا مع استقلالها الأول فبراير 1922.. فى أعقاب سقوط دولة الخلافة العثمانية.. ومع إعادة رسم حدود الوحدات السياسية العربية الحديثة بموجب اتفاقية سايكس – بيكو 1916ما دفع بالسياسة الخارجية المصرية من جديد إلى صدارة الاهتمامات الإقليمية والدولية، حيث تناولت الدبلوماسية الشخصية للملك «فاروق» التحركات العربية التى تُوّجت بالاجتماع الأول لجامعة الدول العربية – برئاسته – 1946 قبل خوض حرب فلسطين 1948- بوصفها قضية قومية – أدّت إلى إبرام اتفاقية الدفاع العربى المشترك 1951تباشر مصر من خلالها دورًا عسكريًّا تتوازى أهميته مع ريادة دورها الدبلوماسى القومى منذ مؤتمر لندن 1939 بشأن القضية الفلسطينية، إذ تتبع المنظومة العربية منذ هذا التاريخ خطوات مصر بشأنها، حربًا أم سلمًا، الأمر الذى أكده الملك فيصل عند لقائه مستشار الأمن القومى المصرى «حافظ إسماعيل» فى إسبانيا مايو 1973 قبل شهور من معركة أكتوبر «المؤثل» التى حققت للمنظومة العربية- بقيادة مصر- مزايا إستراتيجية إقليمية ودولية، قبل أن تُستدرج القاهرة من جانب خصومها التاريخيين إلى صلح منفرد مع إسرائيل.. يحيّد دورها العسكرى فى الصراع، دون السياسي، إذ حرصت مصر نظرًا لمصالحها الوطنية القومية على مواصلة مباشرة المسألة الفلسطينية؛ قضية العرب المركزية، ما بين الصمود والكبوة، لولا عمق نوازع الغيرة الدبلوماسية العربية من بعد التحامها المشهود منتصف الأربعينيات ضد سياسة الأحلاف وفى حرب السويس 1956قبل أن تختلف الرؤى حول مشروع «إيزنهاور» للشرق الأوسط 1957، وليكون الملك السعودى أول حاكم عربى يدخل البيت الأبيض الذى أدار من جانبه معركة تطويع مصر خارج محيطها العربي، عبر حرب باردة عربية- عربية امتدت من انفصال سوريا عن مصر شرق البحر المتوسط إلى المواجهة بين مصر والسعودية فى حرب اليمن شرقى السويس، وصولًا إلى الهجمة الصهيونية 1967 التى طالت أخطارها كامل المنظومة العربية قبل أن تسارع بالالتفاف مجددًا حول مصر، وعلى نحو أعاد التقارب بين الزعيمين المصرى والسعودى حتى العام 1970 قبل أن تتجه بعدئذ دبلوماسية الرئيس السادات، لأسبابه، إلى إخلاء مسئولية مقعد القيادة للعاهل السعودى أثناء اجتماع وفديهما 1971إلا أن اغتيال الأخير مارس 1975دفعت الرئيس المصرى إلى استكمال التحركات الدبلوماسية وحيدًا نحو الصلح المنفرد مع إسرائيل، أغسطس1975 نوفمبر 1977 – مارس 1979ما أدى إلى بعثرة الجهود العربية طوال الثمانينيات.. ومن ثم إلى ارتدادات اندلاع حربَى الخليج الثانية والثالثة 1990 -2003حيث وقفت كتلة الاعتدال العربية ( (1+2+6 (بزعامة الولايات المتحدة) فى مواجهة محور الممانعة للمشروع الأميركى «الموسع» فى الشرق الأوسط، الذى أفضت سياسته من خلال «الفوضى الخلاقة» إلى ثورات الربيع العربى فى 2011 وتوابعها التى لفتت أنظار المنظومة العربية فى العقد الأخير إلى المخاطر المحدقة بمستقبلها، فرادى أو بصورة جماعية، ولتقود مصر منذ العام 2013على المستويين الوطنى والقومي، جهود ترميمهما، ابتداءً من مقترحها المعلق منذ مارس2015 لتشكيل قوة عربية مشتركة، وما إلى غير ذلك من تحركات خارجية على الصعيدين الإقليمى والدولي، توازت مع تعظيم الأوضاع الداخلية، خاصة فى مصر والسعودية، إلى المشاركة مع العراق والأردن فى بناء تحالف ما يسمى «المشرق الجديد» (القابل للتوسع) لإحياء الجبهة الشرقية كنواة صلبة لمواجهة التحديات والأزمات القائمة على امتداد العالم العربي، المهدد بخَسارة كل شيء إذ لم تبادر مصر باستئناف دورها القيادى غير الجديد عليها، ولا الاستثنائى عن حركة التاريخ العربى المعاصر، لكن ليس قبل أن تتحصّل مصر من واقع الإقرار الإقليمى والدولى بأهمية جهودها المرتقبة من الجميع لمباشرة إسهاماتها نحو تسوية الملفات الراهنة العالقة فى المنطقة.

إلى ذلك، وفى سياق ما تقدم من إنجازات وعثرات لقرنٍ مضى، فقد كان على مصر منذ 2011 – 2013 العمل على أن تحول، بدءًا بنفسها، دون امتداد مخطط ما عُرف بالفوضى الخلاقة لثورات الربيع العربي.. وصولًا إلى السعودية ودول الخليج وسائر المنظومة العربية، بما فى ذلك تأكيد صمود سوريا «الحليف الإستراتيجي»، حيث بادرت القاهرة بترميم جذرى لأوضاعها الداخلية إلى جانب تعديل توجهات تحركاتها الخارجية، ذلك قبل أن تعتزم لأن تشد إلى قاطرتها أى متردد عربى أو متطرف قاصر، لأسبابهم، إذ نشرت كلًّا من أسطولها الشمالى والجنوبى لحماية حدود أمنها القومى والعربي- على امتداد الخطوط الملاحية، من مضيق جبل طارق، مرورًا بقناة السويس إلى مضيق باب المندب، كما رابطت وحداتها العسكرية على مشارف حصونها الطبيعية الأربعة للذود عنها ضد مخاطر محدقة، سواء فى «سيناء»- الحصن الشرقي- المستهدفة لنقل غزة إليها- كولاية إسلامية بديلة للفلسطينيين- فإذ بالأعلام المصرية تنتقل بعد سنوات إلى غزة (لإعمارها)، كمشكلة قائمة- مع إسرائيل- لا مفر للقاهرة من معايشتهما، لأمدٍ غير منظور، بمقتضى وضعها الفريد بالقرب من الصراع، ما يؤهلها أكثر من غيرها فى العمل لتسويته على أساس «حل الدولتين»، ذلك عن طريق المساهمة فى إعادة ترتيب البيت الفلسطينى مع تعزيز حشد دولى لإطلاق مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية، أو سواء فى ذودها- مصر- من جانب ثان عن حصنها عبر «الصحراء الغربية» ضد الإرهاب المدعوم فى ليبيا من قوى خارجية (..) كان من المثير لجوءها مؤخرًا للمبادرة بطلب تحسين علاقاتها مع مصر (ودول عربية)، ذلك فيما يستعرض الجيش الوطنى الليبى فى شرق البلاد- قواته وآلياته الحديثة من صنع مصر، إيذانًا بعودة الاستقرار بعد عشر سنوات من الفوضى إلى ليبيا، متزامنًا مع إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية ديسمبر 2021، أو سواء فى ذود مصر- ثالثًا- عن حصنها الجنوبى عبر «وادى حلفا»، إذ أيدت ثورة السودان 2019 ضد نظام التأسلم السياسى القائم منذ 1989، وليشهد البلدان بعد حقبة طويلة اتسمت بالقلق والتوتر.. صفحة جديدة من التعاون بينهما فى مختلف المجالات، بما فيها الجانب العسكرى ولآفاق غير محدودة تتصل بالتصدى لعدوانيات إثيوبيا على الحصص المائية لدولتى المصبّ فى نهر النيل، إما بالقوة المسلحة إذا لزم الأمر أو عبر توصل المفاوضات إلى إقرار إدارة دولية مشتركة لسد النهضة، ربما كأكثر الحلول توافقًا مع القانون الدولي، أو سواء فى ذود مصر- رابعًا- عن حصنها الشمالى عبر «البحر المتوسط»، ذلك من خلال تنسيق الجهود مع دول شرق البحر خاصة اليونان وقبرص.. كما مع دول شمال البحر بالنسبة إلى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، حبذا لو وظفت مصر دورها «الوصلة» مع كل من اتحاد الدول المغاربية.. المتشاركة بدورها فى إطار دول منظومة 5+5 بين ضفتى البحر المتوسط، الشمالية والجنوبية، ذلك بموازاة ما يجرى لاستعادة الدفء- عبر الأطلنطي- من استئناف الاتصال مجددًا مع البيت الأبيض، إذ لأمكن لمصر عندئذ، وفى ضوء تنامى قوة أوضاعها الداخلية، إلى جانب ما تقوم به من تحركات جيوسياسية على مختلف الاتجاهات، ومع التنسيق من خلال الجامعة العربية مع السعودية ودول أخرى رئيسية، أن تسطّر صفحة أخرى واعدة من التلاحم العربي، ولتشرق من جديد شمسها الذهبى «إقليميًّا».