(الاستثمار فى الفن التشكيلي)
تقدمت لنقابة التشكيليين المصرية فى 2004 كمقتنى ومحامى ملكية فكرية بورقة عمل قانونية عن تفعيل دور النقابة فى المجتمع من خلال حقوق الملكية الفكرية، واستخدامها كأداة تسويق لخدمات النقابة واعمال الاعضاء. تضمنت الورقة 37 مقترح لخدمات مستحدثة، تفعيلا لقانون الملكية الفكرية الجديد 82/2002 بالمواد 140/9،11 (تتمتع بحماية هذا القانون.. مصنفات الرسم بالخطوط أو بالألوان، والنحت، والطباعة على الحجر، وعلى الأقمشة وأية مصنفات مماثلة فى مجال الفنون الجميلة / مصنفات الفن التطبيقى التشكيلي).
يتقوقع وعى المجتمع المصرى بالفن التشكيلى، فيما يقدمه له الاعلام والسينما من صور باهتة لقيمة هذا الفن وفنانيه وخطورة تأثيرهم فى المجتمع. فى حين احتفظ وقدم هذا الفن للعالم، تجربة قدماء المصريين، من خلال التماثيل والنقوش والجداريات والبرديات، لتجسيد خلود مصر وحرص الدولة على توثيق وجودها وعظمتها بالتشكيل.
من الظلم تقييم تجربة هذا الفن من خلال الفنان وعمله وعرضه للجمهور فقط! فصناعة الفن التشكيلى تحتم رصد وتقنين علاقات اطرافه، ليس فقط كنشاط ثقافى محلى ولكن كمجال خصب للاستثمار، تلعب فيه الدولة دورا مهما لتنميته والاستفادة منه بحتمية تنظيم وتكامل صناعته، تمشيا مع التوجه العالمى لتجاوز اقتناء الاعمال التشكيلية للهواية او الميول الفنية، الى الاستثمار المُربح فيه، لدرجة نُصح العديد من البنوك العالمية لعملائها باقتناءها، لضمان ارباحها اكثر من العقار والذهب! وهو ما جعل الصحافية كاترين لامور تقول (حقق الفن التشكيلى حلم الرأسمالية بالوصول لقيمة مضافة، بدون حاجة لانتاج الثروات).
تفاعلا مع تطلعات مصر فى تقديم صورة جديدة للعالم بعين المتحف المصرى الجديد، مهم جدا التعامل مع الفن التشكيلى المعاصر كقيمة مضافة للمجتمع والاقتصاد، بتنظيم وتقنين علاقات اطراف صناعته فى رؤية مجمعة للاستفادة الكاملة، بحيث تقسم الى أ- مرحلة انتاج العمل وتضم، الفنان/موردين ومستوردين مستلزمات العمل الفنى. ب- مرحلة توثيق وتقنين عمل الفنان وتضم، وزارة الثقافة/نقابة التشكيليين. ج- مرحلة التسويق والتوعية وتضم، وكلاء الفنانين/قاعات العرض وصالات المزادات/ الجمعيات والمؤسسات الاهلية للفن التشكيلي/الاعلام بانواعه/جهات التعليم والتدريب. د- مرحلة اصالة وترميم الاعمال وتضم، قسم الترميم بالمتحف المصرى وكلية الاثار والمتحف الاسلامي/ خبراء الترميم الخاصين/ خبراء ومعامل فحص الاصالة. هـ- تجارة الفن وتضم، الجمارك والضرائب/محامين ومحاسبين بائعى الاعمال. و- مرحلة قانونيات الاعمال وتضم، التراخيص/سجلات الحفظ/شهادات الاصالة/ عقود التصرفات/ تصدير واستيراد الاعمال. ي- مرحلة الاستثمار فى الفن التشكيلى وتضم، رعاة الفنانين/ كبار المقتنين واصحاب المجموعات الفنية/الانفتاح على السوق العالمى.
لاستيعاب هذا الطرح، يمكن المقارنة بتوجه قطر ودبى كدول للاستثمار فى الفن التشكيلى، سواء على صعيد اقتناء المتاحف الحكومية او القطاع الخاص، لمجموعات كاملة من لوحات لفنانين مصريين، وتهيئة مناخ استثمارى قوى، شمل دعوة صالتى سوثبى وكريستى للمزادات للتواجد بدبى، لتباع لوحة الدراويش لمحمود سعيد بـ2.5 مليون دولار عام 2010، لتقفز لوحته السمراء ذات الاساور لـ9 مليون دولار عام 2015، فلوحة اسوان لـ9.2 مليون دولار فى 2017، ليرتفع قيمة الفن المصرى المعاصر فى بورصة الفن العالمى، ومع ذلك مازال كالنبى.. لا كرامة له فى وطنه.
ورغم جدارة وتميز وشهرة العديد من التشكيليين المصريين، الا ان موقف سوقهم المحلى ضعيف! فلا يوجد آلية معتمدة للكشف عن تزوير الاعمال الفنية، او جهة رسمية لاصدار شهادات توثيق الاعمال او الفصل فى المنازعات الفنية، او وثائق موحدة للتعاقد او للرعاية الفنية، او معايير نظامية لعمل قاعات العرض، او ارشيفات محدثة لاعمال جيل الرواد والوسط والمعاصرين، او تبنى اعلامى واعى لاهميته، او تنظيم لمهنة الوسيط الفني/وكيل الفنان، او انتشار واعى لمعارض قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، خارج القاهرة والاسكندرية، وضمور باقى المحافظات، او وجود اسس معتمدة لتسعير الاعمال.
ان رؤية دور مميز لمصر جديدة.. تشكيليا، لن يتم بانتعاش مؤقت للاعلام او محاولة استقطاب كريستى وامثالها للفتح فى مصر او الدعم الكامل فقط للمتحف المصرى الجديد! ولكن بتبنى الدولة لمنهجية طويلة لتدارك هذا الكنز المطمور على محورين أ نهضة حقيقية لدعم وتفعيل صناعة الفن التشكيلى المصرى كما طرحت ب اعداد مصر كسوق منافس للاستثمار بهذا الفن، وهو ما يحتم مثلا اعادة النظر فى تعريفة الجمارك ٤٥٪ من قيمة العمل، لدخول الاعمال الفنية مصر، فيحجم كبار المقتنين عن تكوين مجموعات عالمية يقتص منها مبالغ رهيبة (تفرض دبى %5 فقط).
عام 2015 شرفت بدراسة مبدئية لمبادرة اطلقها م. نديم الياس رئيس صحارا للطباعة وأحد كبار رعاة الفن المصريين، لمشروع شركة مساهمة او جهة حكومية، لتخزين وحفظ وادارة وصيانة واستشارات الاعمال الفنية بالمنطقة الحرة العامة بمدينة نصر او بمنطقة حرة خاصة، لتكون مظلة مؤسسية للاستثمار بهذا الفن، تسمح بنشاط عالمى يستقطب كبار المقتنين ورجال الاعمال العالميين للاستثمار فى الفن التشكيلى المصرى وبمصر (رعاية فنانين، مزادات عالمية، تخزين، ادارة اصول فنية، وغيرها).
حاولت هذه المبادرة استيعاب تنظيم وتقنين مراحل هذه الصناعة كما ذكرتها، ولكن بدون رؤية وإرادة سياسية، لن تشهد هذه الاستراتيجية تفعيلا حقيقيا. الان وبعد 5 سنوات، قد يكون مناسبا ضم هذه الصناعة المثمرة عالميا لقاطرة التحديث المصرى، وما اجدر العاصمة الادارية الجديدة ان تكون محلا لتجربة متفردة، لرؤية مصر جديدة.. تشكيليا، تثبت كرامة انبياء الفن التشكيلى بوطنهم.
* محامى وكاتب مصرى