شتان بين مقتضيات انخراط مصر فى حربين باردتين متتاليتين منذ العام 1947، حين نأت مصر قبل ثورتها فى العام 1952 عن الدخول فى تحالفات ومحاور دولية، حرصًا على مصالحها الوطنية، إلا من عوامل فرضتها طبيعة الصراع مع إسرائيل، مع رفض الولايات المتحدة تسليح الجيش المصرى إلا بما يصلح لغير قوات البوليس، ما دفع القاهرة إلى اللجوء للاتحاد السوفيتى طلبًا للسلاح، الأمر الذى أدى بالتراكم (…) مندئذ لأن تصبح طرفًا ليس غير مباشر فى الحرب الباردة المنتهية عشية التسعينات قبل استئنافها فى السنوات الأخيرة، كالأسوأ تاريخيًّا على السياسة والمستقبل، مقارنة بسابقتها «ثنائية الأبعاد»، على المستويين العسكرى والأيديولوجى، فيما تتضمن الحرب الباردة القائمة حاليًّا «ثلاثية الأبعاد»، تهديدًا عسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا قيميا، وبرغم مما كانت تمثله التنافسات العسكرية فى السابق من تهديد للأمن والسلم العالمى فإن القوى “المتصارعة تجنبت ويلات الصدام المباشر فيما بينهم، الأمر الذى لم يعد مستحيلًا فى المستقبل نظرًا لتحرشات خشنة يشكلها الصراع الاجتماعى الناشئ مجددًا حول غلبة أيٍّ من النماذج القيمية على الآخر، ليبرالية وبيروقراطية، الأمر الذى سبق للولايات المتحدة أن اعتقدت بحسمه لصالحها فى التسعينات بمقالة «نهاية التاريخ» لصالح نموذجها الليبرالى، ما شجعها فى سبيل الهيمنة الكونية إلى خوض حربين «خاسرتين» فى أفغانستان والعراق، ناهيك عن توابع الأزمة المالية العالمية منذ 2008، ومن دون استثناء ما أصبحت تعانيه أوضاعها الداخلية من مشاكل متنوعة، لا تزال، ربما من وراء الاتجاه بتحركاتها الخارجية نحو تحالفات “أنجلو ساكسونية”، لترميم الصراعات فى الداخل.. ولمواجهة التنافسات بشأن النماذج القيمية المستقرة، دونها، فى كل من روسيا والصين من بعد تجديدهما أيديولوجياتهما العتيقة فى ظل نظام حزبى بيروقراطى، وبفضل تبنّيهما للرأسمالية الخاضعة لسيطرة الدولة، وفى تحولهما من ثم نحو نسخة شعبوية من القومية.. حيث تعيد كل منهما تأكيد مركزها كأمة واحدة، لم يستثنيا إليه ما يمكن اعتباره «زيجات مختلطة» و«تحولات سكانية» تبدو أشبه بالتطهير العرقى، سواء فى الصين (منشوريا- منغوليا- التبت).. أو فى روسيا (شبه جزيرة القرم).. مرورًا بالهند (الشعبوية القومية) غرب الشرق الأوسط، وإلى فرنسا الساعية لاستعادة مركزها الإمبراطورى، وكسيدة أوروبية، حيث تطل القومية من جديد هنا وهناك خشية ذوبان مجتمعاتهم- انتحارًا- فى الإطار التكنوترونى، إلا من استئناف غربلة التاريخ المشترك بين الدول الواقعة تحت «القوس العظيم» من شرق آسيا إلى غرب الشرق الأوسط، وحيث مصر فى مركز الدائرة بينهم ومع أوروبا، كدولة إقليمية هامة عبر العصور بين الشرق والغرب، وصولًا إلى مسار متكامل لتطوير الشراكة الإستراتيجية المصرية- الأميركية، وبما لا يتعارض على المستويين الاقتصادى والاجتماعى بين مصر وكل من روسيا والصين، كما من خلال العلاقات المتميزة، بالأمس إلى اليوم، التى تقوم عليها مصالح مصر مع الدول الأخرى وفق السيادة والمصلحة الوطنية والقانون الدولى، وفى إطار توازن القوى بين مصر وأطراف الحرب الباردة.
شريف عطية
6:14 ص, الأحد, 14 نوفمبر 21
End of current post