مصر بين السياق الهيروغليفى الفرعونى.. والفضاء العربى الإسلامى

مصر بين السياق الهيروغليفى الفرعونى.. والفضاء العربى الإسلامى
شريف عطية

شريف عطية

6:40 ص, الأحد, 19 ديسمبر 21

حسنًا ما تحدث به «نجيب محفوظ» إلى المحفل الدولى فى السويد بمناسبة حصوله على جائزة «نوبل» 1988.. إذ يصف نفسه ابنًا لحضارتين، الفرعونية والعربية الإسلامية، ازدانت البشرية بأنوراهما عبر التاريخ، الأمر الذى توليه مصر، اليوم، وبعد طول لأْى، اهتمامًا مستحقًّا، شغف المصريون، والعالم أجمع، باجترار ذكرياتهما، سواء بالاحتفال فى ديسمبر الحالى باليوم الدولى للغة العربية التى يتحدث بها 400 مليون نسمة فى الفضاء العربى الإسلامى بوجه عام، أو سواء من خلال الجهد المتواصل عبر الموكب الملكى للمومياوات الفرعونية.. إلى افتتاح «طريق الكباش».. وفى بناء المتحف الكبير الخاص بالآثار الفرعونية، الأكبر مساحة على ظهر البسيطة، وإذ بالرغم من المشكلات التى عانتها اللغة الهيروغليفية على امتداد قرون جراء تداخل لغات استعمارية أدت إلى طمسها، ومن ثم إلى اندثار حضارة العلوم والفنون الفرعونية لولا أن تم اكتشاف «حجر رشيد» الذى كان مفتاح التعرف على اللغة الهيروغليفية، ومعها الكثير من رموز التاريخ المصرى القديم الذى تستأنف مصر الاحتفال بسياقاته الثقافية، جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على السياق اللغوى فى الفضاء العربى الإسلامى لحمايته من محاولات طمسه من قوى الاستعمار والاستغراب.. ما قد ينتج عنها نسق ثقافى يتسم بالانفصام، رغم ما يصفها بعض علماء اللغات المقارنة بأنها «حسناء خارقة الجمال»، كما ويعتبرها «علم الألسن» أكبر من الحضارة، فإذا اندثرت فقدت الحضارة ديمومتها، على غرار ما جرى فى السابق للحضارة المصرية القديمة (الهيروغليفية)، إلا أن الحفاظ على اللغة لا بد له كأى صراع من إستراتيجية دفاعية تكفل لها القدرة- قديمًا وحديثًا- على الصمود والمقاومة، لئلا تخلط بين المقدس والدنيوى، وفى الحفاظ على مرجعيات الحضارة اللغوية، على النحو الذى أشاد به عن حق الأديب «نجيب محفوظ»، وبما يساعد ما هو مأمول لرقى المشهد المصرى العربى الجديد من جانب أهل التحديث الفكرى فى مواجهاتهم الغزو والتغريب والاستشراق والتبعية.. ناهيك عن المؤامرة الغربية على الإسلام.. إلخ، وهو ما يستدعى الاهتمام بالثقافة والهوية بديلًا عن عرض التوافه فى الإعلام المتملص العاجز عن الاحتفال باليوم العالمى للغة العربية بما يليق بأهميته القصوى. فى هذا السياق، قد يكون من الجدير بالذكر استرجاع قول الفيلسوف اليونانى «بلوتونيوس» فى القرن الثالث الميلادى «بأن المصريين القدامى لم يهتموا كثيرًا بالأحرف والكلمات والجمل، وانصرفوا بدل ذلك إلى الابتكار فى الصور والإشارات وكل صورة كانت قطعة من المعرفة وقطعة من الحكمة»، فإذا أسقطنا ذلك على المصريين المحدثين فقد استبدلوا لغتهم الرصينة بالعامية غير الفصيحة، وبمصطلحات عشوائية تُفقد اللغة الأم سياقها الثقافى الذى تحتفل به مصر اليوم عالميًّا بجانب استئنافها التذكير بالسياق التاريخى الهيروغليفى الفرعونى، كرابط مشترك يحتضن المسيرة المصرية التى عكفت طوال تاريخها الممتد على البناء والعمران، منذ الأهرامات الخالدة إلى السد العالى (مجلة ليستوار الفصلية الفرنسية يوليو 1995)، وفى علوم الطب والتحنيط والحساب والإدارة والأسرة والدين، وفى إرساء المبادئ الأخلاقية السامية «حور محب» حتى قبل «الوصايا العشر»، كما يقول «برستيد» فى «فجر الضمير»، ذلك من السياق الفرعونى إلى الفضاء العربى الإسلامى