مصر الحديثة بين القوى الإمبريالية.. تباعد وتقارب

مصر الحديثة بين القوى الإمبريالية.. تباعد وتقارب
شريف عطية

شريف عطية

7:10 ص, الأحد, 20 يونيو 21

فى غضون سياسات القرن 16تراجعت الأحوال المصرية فى أعقاب تحول طرق التجارة الدولية عنها 1492 كواسطة العقد للستار الإسلامى من طنجة إلى البحرين، وقبل التقدم المطرد للثورة الصناعية الكبرى فى القرن 18حيث اتجهت أنظار قوى الغرب منذ ذلك التاريخ نحو الحلول محلّ مستعمرات الإميراطورية العثمانية – «رجل أوروبا المريض»- وإذ بالحملة الفرنسية تدهم مصر عشية القرن 19 بالمدفع والمطعبة معًا- وفى حين طاشت طلقات المدافع تحت ضغط «ثورتى» القاهرة.. فقد بقى لديها هدير المطابع.. تنقلها إلى عصر الأنوار، حيث البعثات العلمية وبناء الجيش الحديث.. ومن شق قناة السويس إلى مشاركة روسيا القيصرية فى حروب القرم.. ومع الولايات المتحدة فى حرب المكسيك، ذلك قبل هيمنة «مراقبى الدين» إلى الاحتلال البريطانى 1882وبالتوازى مع استنهاض الحراك الوطنى مقوماته من الثورة العرابية إلى ثورة 1919لتحصل مصر على استقلالها الأول 1922فى إطار ما أفرزته الحرب العظمى من إنهاء عزلة الولايات المتحدة وراء الباسفيكى (مبدأ مونرو)، ناهيك عن نقاط الرئيس الأميركى «وودرو ويلسون» حول «حق الشعوب المحتلة فى تقرير المصير»، كاشفًا بذلك عن وجه أميركا «المثالية».. قبل التحول للنقيض فى «الواقعية» فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفى إطار المنافسة القطبية مع الاتحاد السوفيتي، وفى تسابقهما على صنع إسرائيل من بعد وعد بريطانيا (بلفور 1917) بتوطين اليهود فى فلسطين إلى أن كانا فى صدارة الاعتراف الأممى بها 1947وصولًا إلى الإعلان الثلاثى (الغربى 1950) لضمان أمن إسرائيل، ربما فى مقاربة لاتفاقية لندن 1840 لتحجيم دور مصر الإقليمى، إلا أن موسكو لم تشارك كلًّا من واشنطن- لندن- باريس فى صياغته، نظرًا لتحول إسرائيل فى الانحياز- «كأراجوز» للإمبريالية الغربية، وفقًا لتعبير قادة سوفييت، وفى إطار الحرب الباردة 1947 بين المعسكرين، حيث هرعت التنظيمات التحررية المحلية نحو التناوب فى خَطب ودها منذ النصف الثانى من الأربعينيات، إلا أن الولايات المتحدة سارعت لفرط خوفها الجامح من انتشار الشيوعية.. إلى تبنّى سياسة دعم الانقلابات السياسية والعسكرية، سواء فى أميركا الجنوبية أو فى الشرق الأوسط، بدءًا بسوريا 1949 ثم مصر 1952.. إلخ، إذ كان من اللافت وسط الأحداث المتلاحقة منذ صبيحة 23 يوليو حتى رحيل «الملك» فى 26 أن كان السفير الأميركى «جيفرسون كافرى» هو محورها Trouble Shooter، وأول من علم بحركة الجيش من «على صبرى»، وليؤمّن خروج «الملك» بسلام.. حيث كان ضمن مودِّعيه، كما باشر «كافرى» بعدئذ دورًاً هامًّا مع بريطانيا حتى توقيع اتفاق الجلاء عن مصر 1954، كل لأسبابه، ذلك قبل أن تظهر على السطح الخلافات بين القاهرة وواشنطن حول رؤاهما بالنسبة لتسوية المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية، ومن ثم لما يتصل بتسليح الجيش المصرى إلى سحب تمويل السد العالى، ما بات يشكل انحيازًا أميركيًّا صارخًا لإسرائيل التى استأنفت عدوانها على غزة 1955 من بعد محاولتها تدمير المنشآت الأميركية فى مصر (فضيحة لافون)، ما دفع القاهرة للاتجاه إلى تنويع مصادر السلاح جنبًا إلى جنب مع تأميم قناة السويس 1956قبل أسابيع من العدوان الثلاثى على مصر، بريطانيا- فرنسا- إسرائيل، فى ظل إدانة عالمية تزعمتها، لأسبابهما، كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، ما ساعد إلى أن تضع حرب السويس أوزارها، وما دفع القوتين الأعظم إلى التطلع لأن تكون مصر منطقة نفوذ لأيهما، جزاء وفاقًا لوقوفهما إلى جانبها وقت الشدة، إلا أن مصر بقيت حريصة على مواصلة سياستها من الأربعينيات لعدم التورط فى أحلاف دولية أو محاور إقليمية، منذ رفضها الانضواء ضمن «المفهوم الأميركى لقيادة الشرق الأوسط» MEC 1951 كدولة ذات نزعة قومية تسعى للإفلات آنئذ من الاحتلال العسكرى البريطانى، تمامًا كرفضها الانضواء 1957 ضمن «مشروع إيزنهاور» لملء الفراغ فى الشرق الأوسط، لذلك بدأ المسئولون الأميركيون مع نظرائهم البريطانيون المشاركة من جديد للقضاء على مكانة مصر فى المنطقة، خشية امتداد حيادها إلى سائر دول الشرق الأوسط، خاصة بعد رفض القاهرة مضمون مهمة المبعوث الأميركى «روبرت أندرسون 1956» لرعاية اتفاق بين مصر وإسرائيل، ذلك فيما واصلت القاهرة، رغم الارتقاء بالعلاقات مع موسكو، على نفس سياستها فى مكافحة الشيوعية، أما عن فرنسا فقد اتجهت منذ الجمهورية الخامسة 1958 إلى تعديل سياساتها إيجابًا مع مصر، وليصيرا شريكين بعد نحو نصف قرن إلا قليلًا فى تهيئة سبل الاستقرار فى المنطقة، كما لم يغب عن مصر تقديرًا للمستقبل الواعد للصين الشعبية.. منذ ثورتها 1949أن تكون أولى الدول العربية والأفريقية اعترافًا بها 1954 إلا أن الصين من بعد أن بدأت تزاحم على صدارة النظام الدولى.. لم تعد بعيدة بالمطلق عن القناعات الإمبريالية للقوى العظمى، كما تمثل علاقاتها التقنية مع إسرائيل القلق للولايات المتحدة (ولغيرها) بالنسبة لمستقبل الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط التى لم تعِ أية حكومة أميركية قبل الحرب العالمية الثانية، أهميتها، إلا بعد أن ظهرت قيمتها الإستراتيجية، سواء خلال الحرب العظمى التى دفعت أميركا للمسرح العالمى أو من بعد أن أصبح بناء حلف دفاعى شرق أوسطى موالٍ للغرب مركز الاهتمام الأميركى فى غمار الحرب الباردة، حيث تشابكت معها داخل الإقليم، كل من عملية القضاء على الاستعمار، والقومية العربية.. ومن بناء الدول، والصراع العربي- الإسرائيلى، إلى «الحرب الباردة العربية»، وما إلى غير ذلك حتى انتهاء الصراع الدولى بين المعسكرين فى 1989 وهكذا انتقلت أميركا عبر سبعة عقود من «المثالية»- دبلوماسية العلم- لتأمين الملاحة فى أعالى البحار إلى حيث «الواقعية» حين تبوأت قمة النظام الدولى، إذ تكاد خطواتها تكون فطرية فى اتباع خطوات الإمبريالية البريطانية، حيث يختلف دورها- مثالًا- من الصراع العربي- الإسرائيلى اختلافًا كبيرًا، من المعارضة للحرب إلى الخصم، ومن الوسيط إلى صانع السلام، ومن المحارب إلى المتفرج، إلا أن الدور الأميركى فى عملية السلام «الغالب الذى لا يمكن الاستغناء عنه» بات شديد الوضوح، كون الولايات المتحدة تمسك بمعظم الأوراق فى شرق البحر المتوسط، كما لمساهمتها فى حروب الخليج الثلاث فى إطار نظريتها عن «الاحتواء المزدوج» لكل من العراق وإيران، ما ساعد- إلى جانب انتهاء الحرب الباردة- إلى حدوث ترتيبات إقليمية جديدة أدت إلى تعزيز نفوذها فى جزء مهم إضافى فى الشرق الأوسط، ذلك فيما اعتبرت حروب الخليج نقطة تحول أساسية فى «تآكل» وضع الكرملين فى الشرق الأوسط، قبل أن يعيد تعزيز موقعه فى 2015 كحقيقة عسكرية وسياسية ثابتة فى المنطقة، ذلك من بعد «طرد» الزمن السوفيتى من مصر (والمنطقة) منتصف السبعينيات، وفى ظل حسابات ومساهمات سياسية بين القاهرة وواشنطن أفسحت المجال لهيمنة «الزمن الأميركى» على المشرق العربى، وعلى معظم الأساليب الإجرائية لتسوية أزمات المنطقة منذ مطلع الثمانينيات، وحيث يعلن المسئولون فى البيت الأبيض (إدوين ميس -ألكنسدرهيج- ريتشارد آلن) نقاط حمراء لمصر (ولمن فى المعيّة الأميركية) بعدم التقارب مع سياسات الاتحاد السوفيتى أو مع القوى الراديكالية داخل الإقليم، تأكيدًا لسياسة «الاستمرار من أجل الاستقرار»، التى تبنّتها الإدارة المصرية منذئذ شعارًا لسياستها، رغم عدم منطقية القبول بالمشروع الأميركى لبناء الشرق الأوسط الجديد «والموسع» أو القبول المتوازى مع سياسة «الفوضى الخلاقة» التى استنّتهما واشنطن فى أعقاب أحداث نيويورك سبتمبر 2001 وما تلاه من غزو العراق، ومحاسبة سوريا، إلى نزع الأسلحة غير التقليدية من ليبيا، وما إلى غير ذلك من تطورات دراماتيكية فى البلدان العربية، إيذانًا إلى أن ينفتح الباب لفوضويات «الربيع العربى» 2011، وتوابعه التى طالت مختلف الدول العربية بلا استثناء حتى الآن، وحيث كان من اللافت حالة من الشيزوفرانيا الدينية اعترت رئيس البيت الأبيض فى دعمه منظمات التأسلم السياسى الإقليمية من 2009 إلى 2017 ربما درءًا لاتهامات خصومه بجذوره الأفريقية- الإسلامية، ذلك فيما تحتدم – إلى الآن – المصالح المتضاربة للقوى الإمبريالية، بين تباعد وتقارب حول مصر.