لا يزال القطاع الصناعى مليئًا بالفرص الاستثمارية المطلوبة لتحقيق استراتيجية الحكومة فى تعميق التصنيع المحلى والحد من الاستيراد، تكمن معظمها فى الصناعات المغذية ومستلزمات الإنتاج والاكسسوارات البسيطة وقطع الغيار.
وهذه الفرص الاستثمارية تنتظر عددًا من الآليات، من بينها القضاء على البيروقراطية والتعسفية التى تمارسها بعض الجهات على المستثمرين، فضلًا عن ضرورة قيام الحكومة ممثلة فى وزارة الصناعة بتوفير حصر حقيقى بالاحتياجات الفعلية من مستلزمات الإنتاج، وخلق حالة من التكامل الصناعى بين المصانع الكبيرة والصغيرة؛ لبدء ضخ رءوس أموال بالقطاعات المغذية، وأخيرًا أهمية تفعيل قانون تفضيل المنتج المحلى لتحفيز الشركات على الاستثمار والإنتاج.
ويسهم التوسع بإنتاج المستلزمات والاكسسوارات فى الحد من الاستيراد، بما يصب فى توفير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد، فضلًا عن تحقيق قيمة مضافة كبيرة وتوفير المزيد من فرص العمل أمام الشباب.
وأعلنت هيئة التنمية الصناعية فى 14 يناير الحالى ، فتح باب بيع كراسات شروط الأراضى التى تتيحها البوابة الإلكترونية لخريطة الاستثمار الصناعى، فى إطار المرحلة الثانية من الطرح، والذى يتقدم عليه المستثمر أونلاين، وتشمل المرحلة الثانية طرح 1705 قطع كاملة المرافق بفرص استثمارية جاهزة فى 12 محافظة على مساحة إجمالية قدرها 4.2 مليون م2 تقريبًا، تشمل كل القطاعات للصناعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بمساحات تبدأ من 160 م2 حتى 40 ألف م2.
وكانت الهيئة قد أعلنت لأول مرة طرح أراض صناعية على البوابة الإلكترونية للخريطة الصناعية كمرحلة أولى فى أكتوبر الماضى على إجمالى 2050 قطعة ، وجارٍ دراسة الطلبات المقدمة عليها لبدء إجراءات التخصيص.
وضمّ التقسيم القطاعى للفرص الاستثمارية فى الصناعات المغذية على الأراضى المطروحة، 685 فرصة فى مجال الصناعات الهندسية، و263 بالصناعات الكيماوية، و251 مشروعًا فى مواد بناء، و210 فى الصناعات النسيجية، و206 مشروعات غذائية، وأخيرًا 90 فرصة للصناعات الدوائية.
كشف الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، أن هناك فرصًا كبيرة أمام المستثمرين لإنتاج بعض المستحضرات الطبية التى تشهد نقصًا بالسوق المحلية؛ أهمها «السكر والسرطان والأمراض المناعية والتطعيمات البشرية والأنسولين القلم والخرطوشة».
◗ أسامة رستم: تعاون بين «الصحة» وجهة سيادية ومستثمرين محليين لاقتناص الفرص المتاحة
وأعلن أنه تم تشكيل مجموعة عمل بشأن هذا الأمر تضم مستثمرين محليين وممثلين للحكومة من وزارة الصحة وإحدى الجهات السيادية لتصنيع المنتجات سالفة الذكر؛ لما لها من أهمية كبيرة، وحجم استهلاك ضخم.
وأوضح أن السوق أيضًا بحاجة إلى تصنيع المواد الخام المستخدمة فى تحضير العقاقير؛ لأن ما تنتجه شركة النصر للكيماويات لا يكفى الاستخدام، كما أنه لا يغطى كل الأشكال الصيدلانية، لذلك فإن %95 من مستلزمات الإنتاج المستخدمة فى مصر مستوردة، بإجمالى فاتورة تتراوح بين 3 و3.5 مليار دولار سنويًّا.
«غرفة الدواء»: إنتاج المادة الخام يحتاج لدراسة متأنية لحساب التكلفة
وذكر أن تصنيع المادة الخام للدواء يحتاج لدراسة متأنية لحساب تكلفة الإنتاج، ومن ثم سعر البيع؛ حتى تكون منافِسة لأسعار السوق العالمية.
وطالب رستم القائمين على صناعة الدواء من الحكومة والقطاع الخاص بوضع خطة واضحة عن القطاع تحدد مكان مصر فى هذه الصناعة المهمة والاستراتيجية وتكشف عن وضعها خلال 2050.
وأشار إلى أن السوق المصرية تتمتع بعوامل جذب مهمة للاستثمار تتمثل فى النمو السكانى المستمر واهتمام الحكومة بالاستثمار فى قطاع الرعاية الصحية والكفاءات البشرية لإدارة المشروعات، لكن هناك معوقات يجب العمل عليها وهى التسعير الجبرى للأدوية وطول فترة التسجيل التى تصل إلى 3 سنوات فى بعض الأصناف.
وذكر أن مصر بها نحو 154 مصنعًا للدواء تغطى جميع الأشكال الصيدلانية، ويصل عدد المستحضرات المسجلة إلى 14 ألفًا، متداول منها 8 إلى 9 آلاف صنف.
ولفت نائب رئيس الغرفة إلى أن السوق المحلية استهلكت أدوية فى 2019 بقيمة اقتربت من 70 مليار جنيه، يضاف إليها 30- 35 مليارًا استهلاك المستشفيات الحكومية والجامعية ووزارة الدفاع وهيئات الشرطة.
وكشف الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أن مصر بحاجة إلى تصنيع الكبسولة الفارغة؛ لأن الإنتاج المحلى منها لا يغطى سوى 20– 30% من حجم الاستهلاك.
وأشار إلى أهمية التوسع فى تصنيع خرطوشة الأنسولين وأدوية السرطان؛ لتغطية احتياجات السوق فى ظل نمو المبيعات عامًا بعد عام.
وذكر أن السوق أيضًا بحاجة إلى تصنيع مستلزمات الإنتاج كرقائق الألومنيوم المستخدمة فى تغليف الأدوية، وكذلك مادة الـ«PVC» الشفافة.
من ينقذ ثروات الصحارى؟
كشف صبحى نصر، عضو مجلس إدارة اتحاد المستثمرين، أن قطاع مواد البناء به فرص واعدة، والصحراء مليئة بالدرر مثل الرمل الزجاجى والطَّفلة والحجر الجيرى والفلسبار، وجميعها تحتاج لاستثمارات كبيرة لاقتناصها، لكن هذه الفرص تصطدم بالإجراءات التعسفية من مسئولى المحاجر.
وقال إن الإجراءات المتخَذة من إدارات المحاجر كفيلة بهجر أى فرص استثمارية فى هذا المجال؛ لأنها تعسفية ولا تمتُّ لواقع الحال بصلة، وسبق أن صدر قرار من النيابة الإدارية ضد «محاجر القاهرة» التى تحصِّل رسومًا بغير مسوغ من القانون؛ لعدم أحقيتهم فى ذلك، وهذا يمثل حجر عثرة أمام الفرص الكامنة فى المحاجر.
وأضاف أن هذه الفرص ثروات طبيعية تحتاج لاهتمام من الدولة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار بها لدفع عجلة الاقتصاد والحد من البطالة وخلق قيمة مضافة، من خلال التنظيم الجيد لقطاع المحاجر ووضع ضوابط قانونية لا يستطيع المستثمر ولا الجهاز الإدارى أن يتخطاها.
وذكر أن مصر لا تَستخدم سوى 10– %20 من الطاقات الإنتاجية الموجودة فى الصحارى، والـ%80 الباقية فرص مهدرة، لافتًا إلى أن الإنتاج المحلى من المستلزمات غير كافٍ، ومن ثم يلجأ أصحاب المصانع للاستيراد.
وأكد الدكتور كمال الدسوقى، نائب رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، أن قطاع مواد البناء واعد ومليء بالفرص الاستثمارية لتعدد منتجاته، على سبيل المثال «المواد العازلة» فى حاجة لإضافة خطوط إنتاج جديدة للعزل المائى والحرارى لمواكبة التكنولوجيا الحديثة فى هذا الأمر.
ولفت نائب رئيس الغرفة إلى أن القطاع بحاجة أيضًا لضخ مزيد من الاستثمارات فى الصناعات الوسيطة والمغذّية، مثل المواسير والسيراميك.
فى السياق نفسه قال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء، إن القطاع بحاجة لتعميق المكون المحلى لتحقيق التكامل الصناعى، من خلال إجراء فحص شامل لمعرفة حجم واردات مستلزمات مواد البناء وإنتاجها محليًّا.
وأوضح جمال الدين أن هذا الأمر يتطلب تشجيع الحكومة للصناع عبر تفعيل قانون تفضيل المنتج المحلى فى المناقصات الخاصة بالدولة؛ من أجل تحفيزهم على ضخ استثمارات جديدة.
ولفت إلى أن المجلس يعمل على التوسع فى السوق الأفريقية باستغلال التوسع العمرانى هناك، إلى جانب اتفاقية التجارة الحرة القارّية.
مفاوضات مع مستثمرين صينيين لإقامة 5 خطوط
قال أيمن الفخرانى، رئيس شعبة الأدوات الصحية باتحاد الصناعات، إن هناك مفاوضات مع مستثمرين صينيين لإقامة 5 مصانع للأدوات الصحية ومكوناتها فى 5 مناطق هى «العاشر من رمضان، بنى سويف، أبورواش، الإسكندرية، التجمع الخامس».
وأوضح رئيس الشعبة، لـ«المال»، أن الشراكات مع المستثمرين الأجانب ستحد من استيراد مكونات الإنتاج وستنقل خبرة تصنيعها إلى السوق المحلية.
وأكد أن القطاع به فرص عديدة تحتاج لضخّ استثمارات مباشرة من الصناع، أغلبها فى الصناعات المغذية.
أيمن الفخرانى: قطاع الأدوات الصحية يحتاج لإنتاج يد الخلاط والفلتر والفلاش
وأضاف أن الفرص الاستثمارية بقطاع الأدوات الصحية تشمل إنشاء مصانع لإنتاج «يد الخلاط، الفلتر، الفلاش تانك، الدش، سماعة الدش، الجوانات»، وغيرها من الصناعات المغذية المطلوبة.
وأوضح أن تصنيع جميع مستلزمات الإنتاج بمصر سيحد من فاتورة الاستيراد ويخدم الصناعة الوطنية ويعطيها فرص نمو أكبر، كما أنه سيوفر الوقت والعملة الصعبة لأصحاب المصانع الذين يلجئون لاستيراد هذه المنتجات، لعدم وجود بديل محلى لها.
وأشار الفخرانى إلى أن واردات الأدوات الصحية، سواء مستلزمات إنتاج أو منتج تام، سجل ما يتراوح بين 3 و4 مليارات جنيه خلال 2017، وهو رقم كبير جدًّا يتطلب تحقيق التكامل بين جميع المصانع المحلية لتخفيضه. واستحدثت غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات شعبة الأدوات الصحية وشكّلتها قبل 8 شهور تقريبًا؛ بهدف جمع شركات القطاع لتعميق التصنيع المحلى عبر التكامل الصناعى، وكذلك بحث التحديات والفرص الاستثمارية المتاحة.
وذكر الفخرانى أن الشعبة نجحت حتى الآن فى حصر نحو 200 مصنع للأدوات الصحية خلال الـ5 أشهر الماضية وضمّها إليها، وما زالت مستمرة فى ذلك لضمّ أكبر عدد من الشركات.
وأشار إلى أن استثمارات المصانع التى تم حصرها تسجل نحو 100 مليون جنيه تقريبًا، وتعمل فى إنتاج «الحنفيات والمحابس والخلاطات ومكن الكومبنيشن»، ويتراوح حجم العمالة بها بين 8 و10 آلاف عامل. فى السياق نفسه قال إسلام هاشم، رئيس شركة سمارت كوبر لتشغيل المعادن المتخصصة فى إنتاج محابس المياه والغاز، إن قطاع الأدوات الصحية به فرص استثمارية لإنشاء مصانع لطلاء النيكل، بدلًا من استيراد يد الخلاطات جاهزة من الخارج، كما يوجد به فرص لتصنيع قلب الخلاط.
وذكر رئيس «سمارت كوبر» أن القطاع بحاجة لشركات متخصصة فى تصنيع مكونات الإنتاج، مثل الاسطمبات والاكسسوارات «الصواميل والمسامير»، وقطع الغيار مثل أقلام الخراطة.
وأوضح هشام فاروق، المدير العام لشركة روكا بلاست، المتخصصة فى إنتاج مواسير المياه والصرف الصحى، أن صنعته تفتقر لإنشاء مصانع متخصصة فى إنتاج المواد الخام الـ»PVC» و»ppr» البولى بروبلين؛ لتخفيض فاتورة استيرادها.
وأشار إلى أن الإنتاج المحلى من مادة الـ»PVC» لا يكفى حجم الاستهلاك، وهو ما يهدد هذه الصناعة ويجعلها عاجزة عن تلبية الطلب بالسوق، إلى جانب التغير فى الأسعار.