اكتسبت العلاقات المصرية التركية مؤخراً اهتماماً واسعاً، خاصة بعد الزيارة التى قام بها الرئيس محمد مرسى إلى أنقرة نهاية الشهر الماضى بصحبة 75 مستثمراً، وقد تعهد الجانب التركى بتقديم دعم للاقتصاد المصرى بنحو 2 مليار دولار، فضلاً عن التوسع فى إقامة مشروعات استثمارية بـ 5 مليارات دولار، على أن يرتفع حجم التبادل التجارى إلى القيمة نفسها مع نهاية العام المقبل.
كما شهدت فترة ما قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، التوقيع على اتفاقية الخط الملاحى التركى – المصرى، والتى تتضمن إعفاء جميع الصادرات الصناعية من الرسوم والجمارك، بما يساعد على زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية داخل أسواق دول الاتحاد الأوروبى.
«المال» حاورت منجى بدر، مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية، رئيس قطاع الاتفاقيات التجارية بين مصر وتركيا، لمحاولة رسم ملامح مستقبل العلاقات الاقتصادية مع تركيا، والإجراءات التى تتخذها الوزارة لزيادة حجم الصادرات، وكذلك السياسات الجديدة التى تتبعها لتفعيل دور صندوق دعم الصادرات، والتى من شأنها تقليل العجز التجارى.
كما تناول الحوار أبرز الأسواق التى تجتهد الحكومة لتعظيم وجود الشركات المصرية داخلها، ومدى التأثير الذى سيلاحق النشاط التصديرى لتلك الشركات نتيجة حالة الركود الاقتصادى التى تعانى منها دول الاتحاد الأوروبى حالياً، والتى تستحوذ على أكثر من 45% من محفظة الصادرات المصرية.
فى البداية، يقول رئيس وحدة الاتفاقيات التجارية بين مصر وتركيا، إن الشركات التركية لم تتخارج من السوق المحلية بعد الثورة، بل اتخذت مساراً مغايراً عن الاتجاه الذى سلكه العديد من المستثمرين بشقيهم المحلى والأجنبى، حيث قامت بعض الشركات بافتتاح عدد من المشروعات الجديدة، كان آخرها تشغيل مصنع لإنتاج الغزل والنسيج باستثمارات تقدر بحوالى 30 مليون دولار بالمنطقة الصناعية بالسادس من أكتوبر.
ويرى بدر أن السوق التركية تعتبر من أبرز الأسواق الواعدة التى تساهم فى تعظيم الصادرات المصرية للخارج، خاصة بعد تحرير حركة الصادرات الصناعية بين البلدين، ولفت إلى أن هذا الإجراء سيساهم فى زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية للأسواق الأوروبية، وعلى وجه التحديد فى مواجهة المنتجين الهندى والصينى ودول جنوب شرق آسيا بشكل عام.
نتوقع وصول حجم الصادرات المصرية لتركيا بنهاية العام الحالى إلى 1.5 مليار دولار
وتوقع مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية أن يصل حجم الصادرات المصرية لتركيا بنهاية العام الحالى إلى 1.5 مليار دولار، مقابل 1.4 مليار دولار خلال عام 2011 ، وأشار إلى أن الشركات المحلية أبرمت تعاقدات تصديرية مع الجانب التركى خلال النصف الأول من العام بنحو 658 مليون دولار.
يشار إلى أن حجم الصادرات المصرية لتركيا بلغ نحو 642 مليون دولار فى عام 2007، ثم 908 ملايين دولار فى 2008، و641 مليون دولار فى 2009، و926 مليون دولار خلال عام 2011.
وفيما يتعلق بمؤشرات الواردات المصرية من تركيا، توقع مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية أن تصل إلى 2.5 مليار دولار مع نهاية العام، مشيراً إلى أنها بلغت حتى يوليو الماضى نحو 1.9 مليار دولار.
كما بلغ حجم الواردات من تركيا نحو 902 مليون دولار خلال عام 2007، و 1.4 مليار دولار فى 2008 وارتفعت قيمة تلك الواردات إلى 2.6 مليار دولار فى عام 2009 بعد فتح باب استيراد الحديد التركى بهدف التقليل من الارتفاع المفاجئ فى الأسعار، فيما ارتفعت إلى 2.7 مليار دولار فى عام 2010.
ولفت بدر إلى أن الميزان التجارى ما زال فى صالح الجانب التركى، مشيراً إلى أن الحكومة تسعى لتصحيح هذا الخلل من خلال تفعيل المرحلة الثانية من الخط الملاحى التركى – المصرى، والذى يشمل إقامة مناطق لوجستية فى قناة السويس وسفاجا وغرب الاسكندرية، إلى جانب تحرير الصادرات الزراعية من الرسوم الجمركية على غرار ما يطبق فى الصادرات الصناعية، وأشار إلى أن هناك سلسلة من المفاوضات للوصول إلى هذا الاتفاق، بحيث يتم تحرير تلك المنتجات بالكامل بدلاً من نظام الحصص المطبق حالياً، كما أضاف بدر أن الحكومة تتفاوض حالياً مع الجانب التركى لتفعيل اتفاقية منع الازدواج الضريبى.
تركيا ستبدأ زيادة استثماراتها العام المقبل
وحول التصريحات التى أعلنها الجانب التركى بشأن زيادة حجم الاستثمارات، بحيث تصل إلى 5 مليارات دولارخلال العام المقبل، مقارنة بـ 1.5 مليار دولار مشروعات استثمارية منفذة على أرض الواقع، قال مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية إن تلك الاستثمارات ستبدأ العام المقبل، إلا أن الانتهاء من تنفيذها قد يستغرق ما بين 3 و 4 سنوات.
وعلى صعيد متصل، قال بدر إن الوزارة تسعى للوصول بحجم الصادرات المصرية خلال العام الحالى إلى 30 مليار دولار، بما يمثل زيادة قدرها 13.3% على حجم الصادرات التى تم تحقيقها خلال العام الماضى، والبالغة 26 مليار دولار.
ولفت إلى أن المؤشرات المبدئية تظهر أن إجمالى الصادرات حتى الآن بلغ نحو 22 مليار دولار، مؤكداً أن الوزارة تضع فى صدارة أولوياتها مضاعفة هذا الرقم من خلال الاهتمام بالأسواق التقليدية، ممثلة فى دول الاتحاد الأوروبى، تليها فى ذلك الدول العربية ثم السوق الأفريقية، وأشار إلى أن هذا الهدف لن يتأتى إلا من خلال تعزيز القدرات التنافسية للمنتج المحلى، بحيث يكون قادرا على الوفاء باحتياجات المستهلك الأجنبى، بما ينعكس على إصلاح الخلل فى الميزان التجارى المصرى.
ويشار إلى أن التقرير الأخير عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء أظهر أن العجز فى الميزان التجارى ارتفع بنحو 17.6 مليار جنيه خلال شهر يونيو الماضى، مقابل 11.9 مليار جنيه للشهر نفسه من العام السابق بزيادة بلغت نسبتها 47.9%.
وأشار الجهاز إلى انخفاض قيمة الصادرات بنسبة قدرها 17.6%، حيث بلغت 14.7 مليار جنيه خلال شهر يونيو 2012 مقابل 17.8 مليار جنيه للشهر نفسه من العام السابق.
ويرجع ذلك إلى انخفاض قيمة بعض السلع، مثل البترول الخام والملابس الجاهزة، بجانب الأسمدة واللدائن بأشكالها الأولية.
وارتفعت قيمة الواردات بنسبة 8.8%، لتصل إلى 32.3 مليار جنيه خلال شهر يونيو 2012 ، مقابل 29.7 مليار جنيه فى الشهر المقابل من العام السابق، ويرجع ذلك إلى ارتفاع قيمة بعض السلع، مثل منتجات البترول والمواد الأولية من الحديد والصلب، بجانب القمح.
ارتفاع التبادل التجارى بين مصر والعالم خلال 2011-2012 بنسبة 5.6%
ووفقاً لتقرير البنك المركزى الصادر نهاية الأسبوع الماضى، فإن حجم التبادل التجارى بين مصر والعالم الخارجى ارتفع خلال العام المالى 2011-2012 بنسبة 5.6% ليبلغ 85.6 مليار دولار مقابل 81 ملياراً خلال العام المالى السابق له.
واشار إلى تراجع إجمالى الصادرات المصرية بشكل طفيف ليصل إلى 26.975 مليار دولار مقابل 26.992 مليار دولار فى عام 2010-2011.
فى المقابل زادت الواردات المصرية خلال العام المالى الماضى بنسبة 8.4% بما يعادل 4.578 مليار دولار لتصل إلى 58.67 مليار دولار مقابل 54.09 مليار دولار فى العام السابق له.
وأوضح البنك المركزى أن دول الاتحاد الأوروبى تصدرت قائمة الدول المستقبلة للصادرات المصرية بنحو 10.9 مليار دولار، تلتها الدول العربية بنحو 5.3 مليار دولار ثم الدول الآسيوية بنحو 4.6 مليار دولار تلتها الولايات المتحدة بـ 3.43 مليار دولار.
ولفت إلى أن البترول الخام جاء فى مقدمة الصادرات المصرية بحوالى 7.1 مليار دولار مقابل 5.6 مليار دولار خلال عام 2010-2011 تلته المنتجات البترولية ثم الأسمدة، والملابس الجاهزة، والمنسوجات القطنية، والمنتجات الكيماوية العضوية وغير العضوية، فى حين شملت قائمة الواردات المصرية المنتجات البترولية ثم المصنوعات من الحديد والصلب، والمنتجات الصيدلية، والقمح.
وأشار بدر إلى أن «الصناعة والتجارة» تعمل حالياً على تنشيط حجم الصادرات عبر مجموعة من المحاور، يتمثل أولها فى الوصول للاستفادة المثلى من برنامج دعم الصادرات، إلى جانب تسهيل إجراءات صرف هذا الدعم، وقال إنه تم تكليف وحدة مستقلة بالوزارة لمتابعة عمليات الصرف، فضلاً عن رد جميع المستحقات الضريبية والجمركية التى سددها المصدرون عند شراء المادة الخام، وفقاً لنظام الدروباك.
الوزارة لا تفرق بين الشركات فى صرف دعم الصادرات
وأكد مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية أن الوزارة لا تفرق بين الشركات فى صرف دعم الصادرات، مشيراً إلى أن المعايير الرئيسية التى يتم تطبيقها فى هذا الشأن تتمثل فى التأكد من تصنيع المادة الخام وتحقيق القيمة المضافة، بشرط تقديم المستندات القانونية التى تفيد بأن المصدر قام بإجراء تعاقدات تصديرية فعلية، ولفت بدر إلى أن إجراءات الصرف تتم وفقاً للأقدمية قى تقديم تلك المستندات للوزارة، دون تفضيل لمصدّر على آخر.
وأشار إلى أن الوزارة تسعى لرفع الاعتمادات المالية المخصصة لصندوق دعم الصادرات فى موازنة العام المالى المقبل 2013-2014، بحيث تصل إلى 5 مليارات جنيه بدلاً من 3.1 مليار جنيه اعتمادات العام المالى الحالى.
وقال مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية إن السبب الرئيسى لتراجع حجم المخصصات المالية الخاصة بصندوق دعم الصادرات هو تفاقم حجم العجز بالموازنة العامة للدولة، لافتاً إلى أن نسب الدعم باتت تتراوح ما بين 4 و 5% من التكاليف التصديرية، مقابل ما يتراوح بين 7 و 12% كان يتم تخصيصها للشركات قبل الثورة.
وأشار بدر إلى أن الوزارة تسعى حالياً لوضع ضوابط لتصحيح منظومة دعم الصادرات، بحيث تشمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولفت إلى إمكانية رفع الدعم للشركات الكبيرة التى تمكنت من الوصول إلى مركز مالى يجعلها تستغنى عن الدعم الحكومى، مشيراً إلى أن تلك الآلية ما زالت محل دراسة، وسيتم عرضها على اتحاد الصناعات لمناقشتها وابداء الرأى فيها.
وأضاف مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية أن الوزارة تبحث حالياً إمكانية توفير الدعم للشركات التى تقوم بضخ استثمارات فى الأسواق التى يتسم مناخ الاستثمار بها بعدم الاستقرار، وبالتالى يكون التفكير فى اقامة مشروعات جديدة بها مصحوباً بمخاطرة عالية، مدللاً على ذلك بالسوق الليبية.
وأشار بدر إلى أنه من ضمن الآليات التى قد تتخذها الحكومة لتحفيز الشركات للاستثمار فى ليبيا، تحمل جزء من تكاليف نقل المعدات الخاصة بتنفيذ المشروعات، مع امكانية اصدار خطابات ضمان لرجال الأعمال الذين يتنافسون على تنفيذ مشروعات بنية تحتية.
الشركات المصرية لديها فرصة واعدة من مشروعات إعادة اعمار ليبيا
ويرى مستشار وزير الصناعة والتجارة أن الشركات المصرية لديها فرصة واعدة لاقتناص حصة كبيرة من مشروعات إعادة اعمار ليبيا، والتى ستتكلف نحو 150 مليار دولار، خاصة أن معظم شركات المقاولات، لها سابقة خبرة فى هذه السوق إلى جانب توافر العمالة المصرية هناك، وأضاف أن عدداً واسعاً من الشركات الحكومية، وعلى رأسها المقاولون العرب وشركات القومية للتشييد، بدأت خلال الفترة القليلة الماضية اصلاح المنشآت التى تعرضت لتدمير جزئى بعد الثورة الليبية.
وقال إن المحور الثالث من استراتيجية الوزارة لمضاعفة الصادرات للخارج، يشمل اتاحة الفرصة لجميع الشركات للمشاركة فى المعارض المحلية والدولية بأسعار رمزية، على أن تتولى الحكومة دفع المبالغ المتبقية بهدف خلق أسواق جديدة، وعلى رأسها السوق الأفريقية.
وأوضح مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية أن المحور الرابع يتضمن إنهاء جميع الأزمات التى تعانى منها الشركات المتعثرة عبر رصد حزمة من البرامج والمحفزات التى تمكن أصحاب تلك الشركات من الانتقال إلى خانة الربحية، من خلال تصحيح منظومتها التسويقية ودعمها على التصدير للخارج.
وعلى صعيد متصل أكد مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية أن الصادرات المصرية ستتأثر سلباً بحالة الركود الاقتصادى الذى ضرب العديد من دول الاتحاد الأوروبى، إلا أن خصوصية الصادرات المصرية لتلك الأسواق ستقلل من حجم التأثير، حيث إن معظم الصادرات المصرية تتركز فى المنتجات البترولية والكيماويات والمواد البترولية، مشيراً إلى أن السبيل الوحيد للتقليل من حجم التأثير تتمثل فى تنويع الأسواق.
ولفت إلى أن الوزارة تسعى خلال الفترة المقبلة لزيادة حجم الصادرات المصرية للدول الأفريقية، مشيراً إلى أنها لا تتجاوز الـ 4 مليارات دولار، مشيراً إلى أن هناك محاولات لدمج الدول الأعضاء فى تجمع الكومسيا مع دول تجمع جنوب وشرق أفريقيا، وأشار إلى أن الانتهاء من هذا الكيان من شأنه أن يؤدى إلى زيادة حركة التبادل التجارى بين تلك الدول، كاشفاً عن عقد اجتماع خلال نوفمبر المقبل، لبحث الاجراءات اللازمة لدمج التجمعات الثلاثة.
غزو الأسواق الخليجية لن يتم إلا من خلال زيادة كفاءة المنتجات المصرية
وفيما يتعلق بالأسواق الخليجية، قال بدر إن غزو هذه الأسواق لن يتم إلا من خلال زيادة كفاءة المنتجات المصرية، بحيث تكون قادرة على منافسة المنتجات الأوروبية، إلى جانب تشجيع الجاليات المصرية الموجودة هناك على شراء المنتج المصرى.
وأوضح إن الوزارة تتبنى أيضا ما يسمى تأسيس حاضنات الأعمال بهدف تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها من أكثر البدائل القادرة على حل مشكلة البطالة.
وأشار مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية إلى أن الحكومة تدرس حالياً الطلب الذى تقدمت به دولة البوسنة والهرسك لابرام اتفاقية تجارة شاملة، متوقعاً أن يتم البت فى هذا الطلب خلال الفترة القليلة المقبلة، وأكد أنه جار الاعداد لعدد من الاتفاقيات مع مجموعة من الدول.
وأوضح بدر إن الحكومة مطالبة فى الوقت الراهن بإعادة النظر فى الاتفاقيات التجارية مع جميع دول العالم، بحيث تتناسب مع الظروف الحالية التى يشهدها الاقتصاد المصري بعد الثورة.