مع وصول رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، اليوم الثلاثاء، يتأهب العالم الآن لرد الصين.
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ للرئيس الأميركي جو بايدن، خلال مكالمة هاتفية، الأسبوع الماضي، إن “كل من يلعب بالنار سيحترق”؛ في إشارة إلى تايوان، التي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها.
ثم أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان، يوم الاثنين، إن جيش التحرير الشعبي الصيني “لن يقف مكتوف الأيدي” إذا أصبحت بيلوسي أرفع مسئول أميركي يزور تايوان منذ 25 عامًا. ليس لدى شي ولا بايدن مصلحة في إثارة صراع يمكن أن يتسبب في المزيد من الأضرار الاقتصادية في الداخل، وأوضحت المكالمة بينهما، الأسبوع الماضي، أنهما كانا يستعدان لأول لقاء وجهًا لوجه كقادة في الأشهر المقبلة.
لكن الخطاب المتهور والعداء المتزايد في كلا البلدين يضيف إلى الضغط على شي لاتخاذ رد قوي، ولا سيما أنه يستعد لاجتماع الحزب الذي يُعقد مرتين كل عقد، في وقت لاحق من هذا العام، والذي من المتوقع أن يضمن خلاله فترة ولاية ثالثة في منصبه.
ورغم أن الولايات المتحدة ألغت معاهدة الدفاع المشترك مع تايوان في عام 1979، فإنه يجب على الصين أن تدرس احتمالية انجرار الجيش الأميركي.
قال بايدن، في مايو، إن واشنطن ستدافع عن تايوان في حال أي هجوم من الصين، على الرغم من أن البيت الأبيض أوضح لاحقًا أنه كان يعني أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان عبر توفير الأسلحة العسكرية بما يتمشى مع الاتفاقات القائمة.
في هذا السياق قال أندرو غيلهولم، مدير قسم تحليلات شئون الصين وشمال آسيا بشركة الاستشارات “كونترول ريسكس” (Control Risks) على تليفزيون “بلومبرج”: “لا تزال الصعوبة الأكبر بالنسبة لكلا الجانبين هي خطر نشوب حرب ستكون مكلِّفة للغاية من منظور أي من الجانبين”.
وأضاف أنه على الرغم من ذلك فإن “القلق هو أن تُتخذ المجازفة بسبب العوامل المحركة محليًّا”.
وفيما يلي خيارات الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الصين:
1- توغل أكبر من قِبل الطائرات الحربية
بما أن التوغل اليومي في منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة بات هو القاعدة بالفعل، فإن جيش التحرير الشعبي قد يحتاج إلى إرسال؛ إما سلسلة كبيرة أو غير عادية من الطلعات الجوية.
بلغ الرقم القياسي اليومي 56 طائرة لجيش التحرير الشعبي الصيني، في 4 أكتوبر، الذي تزامن مع التدريبات العسكرية القريبة التي قادتها الولايات المتحدة.
أو على سبيل المثال عندما حلّقت نحو 15 طائرة حول الجانب الشرقي من تايوان، بدلًا من الطرق الجنوبية الغربية المعتادة، بعد زيارة وفد من الكونجرس الأميركي في نوفمبر.
يمكن للصين أن تحافظ على هذا المستوى من العدوان لأيام أو أسابيع، مما يستنفد موارد سلاح الجو التايواني المنشور بالفعل، في الوقت الذي يسعى فيه إلى إبعاد الطائرات.
من جهتها تقول أماندا هسياو، المحللة البارزة في “مجموعة الأزمات الدولية” (Crisis Group)، التي تقيم في تايوان، إنه سيتعيّن على الصين الرد عسكريًّا “بطريقة تُعدّ تصعيدًا واضحًا عن استعراضات القوة السابقة”.
2- تحليق طائرات حربية فوق تايوان
اقترحت صحيفة “جلوبال تايمز”، التابعة للحزب الشيوعي، أن تقوم الصين بطلعة عسكرية جوية فوق تايوان مباشرة، مما يجبر حكومة الرئيسة تساي إنغ ون على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستُسقطها أم لا.
في العام الماضي، حذّر وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشنغ: “كلما اقتربوا من الجزيرة، كلما رددنا بقوة أكبر”.
بدلًا من ذلك، فإن إرسال طلعة جوية عميقة أو موسَّعة عبر الخط المتوسط لمضيق تايوان، وهي منطقة عازلة أنشأتها الولايات المتحدة في عام 1954 لا تعترف بها بكين، من شأنه أن يضغط على الجيش التايواني من خلال طلبه من طائراته البقاء في الجو.
خرقت طائرات جيش التحرير الشعبي الخط مرارًا في سبتمبر 2020، عندما سافر وكيل وزارة الخارجية الأميركية آنذاك كيث كراش إلى الجزيرة.
قال هو شيجين، رئيس التحرير السابق لـ”جلوبال تايمز”، في تغريدة حُذفت لاحقًا، إن طائرات جيش التحرير الشعبي يمكن أن “تبدد طائرة بيلوسي بالقوة”.
بل إنه اقترح أن “ترافق” الطائرات الحربية الصينية بيلوسي في أية محاولة طيران إلى تايوان، وهي خطوة يمكن أن تؤدي بسهولة إلى سوء تقدير من كلا الجانبين.
3- اختبار الصواريخ بالقرب من تايوان
شهد صيف عام 1995 أحد أكثر ردود الصين استفزازًا على المحادثات بين واشنطن وتايبيه، عندما اختبرت بكين إطلاق صواريخ في البحر بالقرب من الجزيرة.
كانت هذه الخطوة جزءًا من احتجاجات الصين ضد قرار الرئيس بيل كلينتون السماح لأول رئيس منتخب ديمقراطيًّا لتايوان لي تنغ هوي، بزيارة الولايات المتحدة.
أعلنت الصين مناطق حظر حول المناطق المستهدفة خلال الاختبارات، مما أدى إلى تعطيل الملاحة والحركة الجوية.
في الآونة الأخيرة أطلق جيش التحرير الشعبي صواريخ باليستية “قاتلة لحاملات الطائرات” في بحر الصين الجنوبي، أغسطس 2020، فيما اعتُبر ردًّا على التدريبات البحرية الأميركية.
4- الآلام الاقتصادية
الصين هي الشريك التجاري الأكبر لتايوان.
يمكن لبكين الاستفادة من هذه الميزة من خلال معاقبة المصدِّرين أو مقاطعة بعض السلع التايوانية أو تقييد التجارة الثنائية.
في يوم الاثنين، حظرت الصين استيراد المواد الغذائية من أكثر من 100 مورِّد تايواني، وفقًا لما ذكرته صحيفة “يونايتد ديلي نيوز” المحلية.
ومع ذلك يجب على الصين أن تتعامل بحذر؛ لأنها تحتاج إلى أشباه موصِّلات تايوان.
دعوات صينية للاستيلاء على “تايوان لأشباه الموصلات” إذا فرضت أميركا عقوبات على بكين، وفرضت بكين بالفعل عقوبات على العديد من القادة التايوانيين، بما في ذلك حظر السفر إلى البر الرئيسي.
قد يواجه المزيد من المسئولين إجراءات مماثلة، لكن لن يكون لها تأثير يُذكر، حيث من غير المرجح أن يسافر السياسيون التايوانيون إلى البر الرئيسي أو القيام بأعمال هناك.
يمكن للصين أيضًا تعطيل الشحن في مضيق تايوان، وهو طريق تجاري عالمي رئيسي.
إذ قال المسئولون العسكريون الصينيون في الأشهر الأخيرة مرارًا لنظرائهم الأميركيين إن المضيق ليس مياهًا دولية.
ومع ذلك فإن أية تحركات تعوق الشحن التجاري لن تؤدي إلا إلى أضرار بالاقتصاد الصيني.
5- الاحتجاج الدبلوماسي
حذّرت “جلوبال تايمز”، يوم الثلاثاء، من أن إدارة بايدن ستواجه انتكاسة “خطيرة” في العلاقات الصينية الأميركية بسبب رحلة بيلوسي.
قد يعني ذلك استدعاء سفير الصين الأميركي تشين غانغ، الذي تولّى منصبه، العام الماضي. في عام 1995 سحبت بكين سفيرها الأميركي آنذاك لي داويو، بعد أن سمحت واشنطن للرئيس التايواني آنذاك “لي” بزيارة الولايات المتحدة. رغم أن ذلك الخلاف حدث على مستوى دبلوماسي أعلى من بيلوسي، التي تحتل المرتبة الثانية بعد الرئاسة. في العام الماضي استدعت الصين سفيرها في ليتوانيا بعد أن سمحت الدولة المُطلة على بحر البلطيق لتايوان بفتح مكتب في عاصمتها باسم تايوان، بدلًا من تايبيه الصينية، وهو مصطلح تعتبره بكين أكثر حيادية.
6- الاستيلاء على جزيرة
لدى بكين خيارات عسكرية بخلاف شن غزو محفوف بالمخاطر عبر مضيق تايوان البالغ طوله 130 كيلومترًا (80 ميلًا)- مثل الاستيلاء على واحدة من الجزر الصغيرة النائية التي تسيطر عليها الحكومة في تايبيه، على الرغم من أن هذا النوع من الاستفزاز مستبعَد للغاية.
خلال الأيام الأولى للحرب الباردة، اجتذب القصف العسكري لجيش التحرير الشعبي لجزر كينمن التايوانية- الواقعة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للصين- دعمًا عسكريًّا أميركيًّا كبيرًا.
صدَّت تايوان التقدم الصيني، لكن ليس قبل مقتل المئات من جنودها. وتُعتبر جزيرة براتاس التي تسيطر عليها تايبيه، على بُعد 400 كيلومتر (250 ميلًا) من الساحل التايواني، هي نقطة ضعف أخرى.
احتلت الصين في عام 2012 سكاربورو شول، وهي شعاب مرجانية بحجم جزيرة مانهاتن تقريبًا ادعت الفلبين أنها مِلكها، في نزاع إقليمي ببحر الصين الجنوبي.
ستنظر الولايات المتحدة إلى أي استيلاء من هذا القبيل على الأراضي التايوانية، على أنه تصعيد كبير يمكن أن يختبر حدود التزام بايدن العسكري بديمقراطية الجزيرة.
رغم ذلك فإن مثل هذا الإجراء يحمل أيضًا مخاطر دبلوماسية على بكين. قد يؤدي الاستيلاء على جزيرة خاضعة لسيطرة تايوان إلى دفع الولايات المتحدة إلى فرض مزيد من العقوبات على الصين وإزعاج الدول المجاورة في آسيا، التي يوجد لدى العديد منها أيضًا نزاعات إقليمية مع بكين.