يجمع مراقبون فلسطينيون على أن التوتر القدس وتصاعد حدته منذ أيام يشكل “فتيل تفجير” للأوضاع في الأراضي الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل.
تصاعد التوتر في القدس
ويرى المراقبون في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء (شينخوا)، أن استمرار حوادث التوتر في القدس ينذر بتدهور أمني شامل غير محسوب العواقب وقد يمهد لمرحلة من الاشتباك المفتوح بين الإسرائيليين والفلسطينيين في حال لم يجر تطويق ذلك.
وتصاعدت حدة التوتر في القدس وامتدت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بداية شهر رمضان وسط غضب متزايد من احتمال طرد فلسطينيين من منازلهم بمنطقة في القدس يدعي مستوطنون يهود ملكيتهم لها.
إذ اندلعت مواجهات عنيفة بشكل شبه يومي في باحات المسجد الأقصى في شرق القدس بين آلاف الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية ما خلف مئات الإصابات.
وشهدت الضفة الغربية حوادث توتر متفرقة أدت إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين بينهم فتى وإسرائيلي فضلا عن مئات الإصابات في مواجهات في عدد من القرى والبلدات.
وامتد التوتر إلى قطاع غزة الذي استأنفت الفصائل فيه إطلاق بالونات حارقة وتنظيم تظاهرات ليلية قرب السياج الأمني مع إسرائيل وتوعدت بتصعيد خطواتها حال استمرار التوتر في القدس.
— تطورات خطيرة —
يؤكد المحلل السياسي في رام الله غسان الخطيب أن ما يجرى في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية يمثل “تطورات خطيرة جدا”.
ويقول الخطيب إن أساس الأزمة خطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين بشكل قسري في شرق القدس وعدم تمكينهم من حرية العبادة.
ويضيف أن “ردة الفعل الفلسطينية كانت على مستوى التحدي سواء على مستوى الشارع الشعبية أو امتدادها التضامني في غزة والضفة الغربية”.
ويعتقد الخطيب أن استعادة الهدوء مرتبط ب”تراجع إسرائيل عن خطط التهجير للفلسطينيين في القدس ووقف تشريدهم من بيوتهم في الشيخ جراح وهو ما يتطلب تدخلا دوليا أكثر فاعلية”.
وجرت موجة التوتر الحالية التي تم تحليل أسبابها على نطاق واسع بربطها بإلغاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي كانت مقررة في 22 من مايو الجاري بسبب رفض إسرائيل إجرائها في القدس.
يضاف إلى ذلك التوترات في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان وخطط إخلاء المنازل الفلسطينية في حي الشيخ جراح على خلفية نزاع قضائي مع جمعيات استيطانية.
— تعبير عن غضب شعبي فلسطيني —
ترى أستاذة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في رام الله غادة مدبوح أن ما جرى في القدس هو تعبير عن غضب شعبي فلسطيني في وجه “مخططات الاحتلال الإسرائيلي وتصعيد عمليات تهويد المدينة المقدسة”.
وتقول مدبوح إن إسرائيل “تمارس التصعيد المتواصل ضمن حالة من الاستبداد والغطرسة ضد الفلسطينيين في القدس وهو ما يبرز بعمليات التهجير والتضييق في أماكن العبادة”.
وتضيف “أن مثل هذه الممارسات لا يمكن أن تؤدي إلى أي مكان فيه تهدئة أو تسوية بل يهدد بتصعيد قادم دون القدرة على التنبؤ حول ما إذا كان هذا هو الانفجار أم تراكمات كما حدث من هبات شعبية أخرى”.
وتشدد مدبوح على الحاجة إلى تحرك أكثر جدية وفاعلية من أطراف المجتمع الدولي ومؤسساته الكبرى لوضع حد لأحداث التوتر في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية ومنع وصولها إلى مربع الانفجار.
والمواجهات الحالية في القدس تعد الأعنف منذ 2017، عندما تسبّب وضع إسرائيل بوابات الكترونية في محيط المسجد الأقصى باحتجاجات انتهت بإزالة الحواجز.
ومن المتوقع أن يظل التوتر مرتفعا في ظل احتفال إسرائيل غدا (الاثنين) بيوم توحيد القدس وهو ذكرى احتلالها الجزء الشرقي من القدس في حرب عام 1967.
وحذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية من دعوات “التحشيد المتصاعدة التي تطلقها جهات رسمية إسرائيلية للمشاركة في مسيرات استفزازية في شوارع وأحياء القدس الشرقية المحتلة ولاقتحام جماعي للمسجد الأقصى تحت شعار (يوم توحيد القدس)”.
— أكثر الملفات حساسية —
ويعقب الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو بأن ما تشهده القدس حاليا “نهوض لظاهرة الاحتجاج الفلسطيني بشقيه الشعبي والسلمي انتصارا للقدس التي تمثل أكثر الملفات حساسية لدى الفلسطينيين”.
ويقول عمرو إن “ما تفعله إسرائيل جهارا نهارا هو سكب الزيت على النار الكامنة والظاهرة، وهنا يتجلى الدور البارز للمستوطنين وظهيرهم الجيش وقوى الأمن الأخرى، وهؤلاء جميعا لا يتصرفون على هواهم فهم الأداة التنفيذية للأجندات السياسية التي تضعها وتنفذها الحكومة”.
ويضيف أن “ظاهرة العنف بكل أشكاله وخصوصا لدى الجانب الفلسطيني، لا ينتجها قرار وإنما مناخ، وحتى الاعتراض الشعبي غير المسلح لا تنتجه أوامر بل هو ردات فعل على السلوك الإسرائيلي على الأرض”.
ويشار إلى أن التوتر في المسجد الأقصى كثيرا ما كان سببا لجولات من التصعيد بين الفلسطينيين وإسرائيل منها “هبة النفق” التي اندلعت في العام 1996 احتجاجا على حفر وافتتاح إسرائيل للنفق الغربي أسفل الأقصى والتي استمرت ستة أشهر.
زيارة أرئيل شارون
وفي العام 2000 فجرت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون بمرافقة ألفين من الشرطة المدججين بالسلاح الانتفاضة الفلسطينية الثانية “انتفاضة الاقصى” والتي استمرت لعدة أعوام.
كما يعزو مراقبون فلسطينيون بشكل أساسي موجة توتر بدأت مطلع أكتوبر 2015 وتخللها مئات العمليات الفردية لشبان فلسطينيين ضد أهداف إسرائيلية إلى موجة مواجهات شهدتها باحات المسجد الأقصى قبل ذلك بأشهر احتجاجا على دخول جماعات يهودية للمسجد.
وحذر مسئولون فلسطينيون مرارا من أن تؤدي أحداث التوتر المتكررة في المسجد الأقصى إلى اندلاع حرب دينية في المنطقة.
ويبرز المحلل الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هرئيل، أن المس بحرية العبادة في القدس “أمر ينذر بردود فعل”.
مشاهد تشعل موجة عنف أشد
ويقول هرئيل في مقال له إن “مشاهد اقتحام أفراد الشرطة للمسجد الأقصى والدوس بأقدامهم على سجاد الصلاة وإلقاء القنابل الصوتية، سيكون لها تأثير أسوأ على صورة الوضع فهذه مشاهد يمكن أن تشعل موجة عنف أشد”.
ووفقا لهرئيل، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي يصف الأيام المقبلة بأنها “مصيرية”، لأن عشرات آلاف المصلين سيصلون إلى المسجد الأقصى، فيما ينظم اليمين الإسرائيلي “مسيرة الأعلام” حول أسوار القدس “وهي مقرونة غالبا باحتكاك عنيف بين ناشطي اليمين الإسرائيلي والفلسطينيين”.
وتتمسك إسرائيل بمدينة القدس عاصمة موحدة لها فيما يصر الفلسطينيون على أن الجزء الشرقي من المدينة عاصمة لدولتهم العتيدة.
وتعد القدس واحدة من قضايا الوضع النهائي للمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل والمتوقفة منذ عام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية من دون تحقيق تقدم لحل الصراع الممتد بين الجانبين منذ عدة عقود.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.