تشهد محافظة الإسكندرية حاليا ظاهرة لم تتعرض لها مُسبقاً ، تمثلت في اختفاء المساحة الرملية لعدد من شواطئها تماماً “خاصة بمنطقة سيدي بشر” جراء النوات التي تعرضت لها مؤخراً في بداية الموسم الشتوي 2021 – 2022، وغطت مياه البحر تقريباً المساحة الرملية بسبب عوامل “المد والجزر”، لتصل أمواجه العاتية إلى سور الكورنيش ومنه إلى طريق الكورنيش الرئيسي، ليسكن الخوف في نفوس مواطني الثغر بشأن إختفاء تلك الشواطئ، ووصول مياه البحر للطريق، والتي تُنذر بتحقيق كارثة في المدى القريب ، وتحقيق ما تم تداوله من روايات لعدد من العلماء بأوائل الثمانيات بشأن غرق مدينة الإسكندرية بحلول عام 2100، إلا أن تلك الرواية تأخرت لبعض سنوات ولكنها تتحقق تتدريجياً على أرض الواقع.
تجدر الإشارة إلى أن ما تشهده الإسكندرية حالياً من تغيرات وتقلبات مناخية متتالية “عمليات المد والجزر وإرتفاع منسوب المياه عن المعدلات الطبيعية”، يجعلها تحارب قسوة الطبيعة، فبدأ الأمر تدريجياً منذ عام 2015 بسبب هطول كميات غير مسبوقة لمياه الأمطار ، أدت إلى خسائر بشرية ومادية هائلة، وكانت دائما كارثة غرق طرق الإسكندرية تتسبب في إقالة كل محافظ بشكل سنوي، إلا أن المعايير تغيرت وبدأت القرارات تتجه إلى أن التغيرات المناخية غير الطبيعية والمفاجئة هي السبب الرئيسي لتلك الظاهرة دون تقصير من المحافظين.
بالصور .. «المال» تلتقي مسئولي الشواطئ المُتضررة عقب إختفاء المساحة الشاطئية
وفي غضون ذلك رصدت “المال” عدداً من الشواطئ التي تضررت جراء النوات الأخيرة والتي إرتفعت أمواج البحر خلالها لـ 6 أمتار، وإلتقت بمدير شاطئ “إدوار الخراط” بمنطقة سيدي بشر محمد فتوح، والذي أكد على أنه تعرض لخسائر فادحة تصل لنسبة 100% في حين إبتلاع البحر للمساحة الرملية “الشاطئ” الذي يستقبل رواده عليها.
ولفت إلى أنه إستأجر الشاطئ من محافظة الإسكندرية خلال مزايدة علنية يوم 4 أغسطس الماضي ولمدة ثلاث سنوات بقيمة 2مليون وخمسون ألف، والذي يضم 36 عاملاً “عمالة غير منتظمة”، بنظام الورديات لتغطية الأعمال بالشاطئ.
وأوضح دف “فتوح” مؤكداً أن هناك ما يقرب من 50 متر من الرمال الشاطئية أزُيلت بفعل عوامل المد والجزر، لتصبح بوابة الشاطئ مُطلة على مياه البحر مباشرة، الأمر الذي تكرر بالشواطئ الأربعة المجاورة، لافتاً إلى أن ديوان المحافظة كان قد وضع 25 بلوكاً صخرياً عقب ترسية الشاطئ على المستأجر، بالإضافة إلى إضافة 120بلوكاً بنهاية صيف 2021، ومن ثم لاحقها بوضع 220 بلوكاً أخر لحماية الشواطئ أثناء النوات، إلا أن كافة البلوكات المُشار إليها إختفت تماماً وأصبحت الشواطئ بحراً مفتوحاً يتلقى كافة التقلبات والتغيرات المناخية.
المعدل الطبيعي لمستوى مياه البحر ستزيد متراً واحداً في غير أيام التغيرات المُناخية
وفي هذا الصدد أرجعت الدكتورة إيمان شاكر مدير مركز الإستشعار عن بُعد بهيئة الأرصاد الجوية خلال تصريحاتها لـ “المال” بأن إختفاء المساحة الرملية بعدد من الشواطئ بمحافظة الإسكندرية كان نتيجة إرتفاع الأمواج الذي وصل لـ 5 و6 أمتار خلال نوة قاسم، وخروج الموج عن الشاطئ.
ولفتت “شاكر” إلى أن كافة الدراسات تُشير ان ظاهرة تآكل الشواطئ بمحافظة الإسكندرية ستكون بحلول عام 2100، مُعتبرة أن ذلك هو السيناريو الأسوء، في حين أن المعدل الطبيعي لمستوى مياه البحر ستزيد متراً واحداً، وذلك في غير أيام التقلبات والتغيرات المُناخية.
وأشارت “شاكر إلى أن شواطئ محافظة الإسكندرية لم تتأثر مؤخراً فقط، بل كانت تتأثر دائماً بالتزامن مع نشاط الرياح ووجود المنخفضات الجوية على البحر المتوسط، الأمر الذي ينتج عنه إرتفاع في الأمواج تصل إلى 6 أمتار، مشيرة إلى أن الهيئة العامة للأرصاد الجوية دائماً ما تُحذر بشأن تلك الظاهرة.
ومدير حماية الشواطئ بالإسكندرية : إجراءات عاجلة لحماية شواطئ منطقة سيدي بشر من الغرق
وبسبب ظاهرة تآكل الشواطئ التي بدأت تدريجياُ منذ عدة سنوات، قامت الهيئة العامة المصرية لحماية الشواطئ ، بتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى لحماية شواطئ الإسكندرية، والتى تبلغ اجمالى تكلفتها 969 مليون جنيه، حيث تم الإنتهاء من مشروع سلسلة من الحواجز الغاطسة لحماية منطقة الكورنيش امام فندق المحروسة والذى تبلغ تكلفتها 335 مليون جنيه، كما تم الانتهاء من مشروع حماية منطقة السقالات بخليج أبى قير لحماية المنطقة من النحر وخاصة خلال مواسم النوات التى تضرب المحافظة أثناء فصل الشتاء وذلك بتكلفة إجمالية تقدر بـ67 مليون جنيه.
وتم الإنتهاء من مشروع تدعيم وحماية الكورنيش تجاه المنشية ومحطة الرمل، بطول 500 متر أمام مجمع المحاكم بإتجاه محطة الرمل والذى تبلغ تكلفته 100 مليون جنيه، كما تُجرى الأعمال بمشروع حماية قلعة قايتباى وبلغت تكلفته 267 مليون جنيه.
وفي هذا الصدد قالت المهندسة عزة عبد الحميد مدير عام إدارة غرب الدلتا بالاسكندرية لـ “المال”، والتابعة للهيئة المصرية العامة لحماية الشواطئ ، أنه بعد النوات الأخيرة التي واجهت المحافظة، تلاحظ أثناء مرور مهندسي إدارة غرب الدلتا وجود نحر شديد وسحب لرمال الشاطئ بمنطقة سيدي بشر، وذلك فى أعقاب العاصفة البحرية (نوة باقي المكنسة) حيث وصلت ارتفاعات الأمواج بالبحر المتوسط خمسة أمتار فجر الأول من ديسمبر،مما ينذر بوجود خطورة كبيرة على طريق وسور الكورنيش.
وأضافت “عبد الحميد” أنه تم التحرك بشكل سريع والتنسيق مع المحافظة والجهات المعنية وتم على الفور عمل الحماية العاجلة للمنطقة أثناء النوة، وقام أيضاً مهندسي إدارة غرب الدلتا بأعمال حماية عاجلة للمناطق الحرجة خلف الحاجز الغاطس بمنطقة العصافرة والمندرة بالتعاون مع المحافظة وشركة المقاولون العرب.
وعلى صعيد ذي صلة أكد الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الري والموارد المائية، في تصريحات تليفزيونية، أن الدولة المصرية تعمل على تجنب غرق الإسكندرية من خلال عدة نقاط، أهمها قيام مصر بحماية 118 كيلو متر، كما تعمل على حماية نفس المساحة في المستقبل.
يأتي ذلك بالإضافة إلى إزالة المخلفات والتعديات على الأراضي الزراعية التي تسهل تصريف المياه عند حدوث أي سيل أو ظواهر طبيعية، فضلاً عن إنشاء مصر لـ 1450 منشأة للحماية من السيول، وإزالة التعديات على مخرات السيول وصيانة المخرات كل عام تحسبا لأي سيل.
تصريحات عالمية عن خسارة مدينة الإسكندرية وشنغهاي
وتزامنت المخاوف لدى مواطني الثغر مع تصريحات رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً خلال قمة المناخ في مستهل الشهر الماضي، بالحديث عن إختفاء الإسكندرية وشنغهاي وميامي عند ارتفاع درجات الحرارة بنحو 4 درجات، حيث قال بوريس جونسون إن نهاية العالم أصبحت قريبة، وعملية ضخ الكربون في الهواء متسارعة، قائلاً “علينا الإسراع في اتخاذ التدابير لمواجهة التغيرات المناخية”.
وحذر “بوريس” خلال كلمة ألقاها أمام قمة المناخ «كوب 26» التي تستضيفها مدينة جلاسجو الإسكتلندية، قائلاً: “علينا أن لا نتجاهل العلماء، ومع ارتفاع الحرارة إلى أكثر من ٢%، سنعاني من نقص المحاصيل وزيادة الجراد، ومع ارتفاع الحرارة عن ٥ درجات سنخسر مدنا مثل الإسكندرية وشنجهاي التي ستذهب تحت سطح البحر”.