بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2023، توجَه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بكلمة قال فيها:
“نلتقي للعام الرابع على التوالي للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر؛ تلك الجريمة النكراء التي تهدد الإنسانية جميعها، ودائمًا ما تلقي بتبعاتها على الفئات الأكثر ضعفًا خاصة في ظل ما يشهده عالمنا من تحديات إقليمية كانت أم دولية.
وتابع مدبولي أنه مع تفاقم حدة الأزمات الراهنة بدءًا من تفشي فيروس كورونا المستجد، ومرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية، ووصولًا إلى الأزمات التي تشهدها المنطقتان العربية والأفريقية وعلى رأسها الأزمة السودانية الجارية، وجدت عصابات الاتجار بالبشر تربة خصبة لاستدراج ضحاياها ممن تأثروا من تبعات تلك الصراعات، من خلال الاعتماد على سبل حديثة تُسهِّل وقوع الأفراد في شباك الاستغلال.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر تظل من الدول التي تسعى جاهدة لمواجهة التحديات الناجمة عن تدهور الأوضاع الإقليمية والدولية من خلال حماية كل فرد على أرضها وتوفير الخدمات اللازمة في إطار من الكرامة الإنسانية، انطلاقًا من احترامنا للمواثيق الدولية والتزاماتنا الخاصة بحقوق الإنسان.
وقال إنه على الصعيد الوطني، اتخذت مصر كافة الإجراءات الاحترازية التي تضمن حياة كريمة لمواطنيها في ظل التحديات الاقتصادية المترتبة على الأزمات السالف ذكرها، حتى لا يقع أي مواطن فريسة لأي شكل من أشكال جريمة الاتجار بالبشر.
وأكد على الإرادة السياسية الجادة والمستمرة على أعلى المستويات للحد من هذه الجريمة النكراء، في سبيل حماية الفرد والمجتمع من خلال المساعدات والمشروعات المقدمة لأكثر الفئات احتياجًا مثل حياة كريمة، وتكافل وكرامة، بجانب الدعم المُقدم لقطاع العمل غير الرسمي.
وأضاف أنه على الصعيد الإقليمي، سعت مصر لإيجاد حلول دائمة للأزمات المتفاقمة في دول المنطقة، وظهر ذلك جليًا في الأزمة السودانية الراهنة؛ حيث كانت مصر على قدر المسؤولية وفتحت ذراعيها للأشقاء السودانيين ورحبت بهم في بلدهم الثاني من حيث السماح لهم بعبور الحدود المصرية والتعاون مع كافة الجهات الوطنية والدولية لتوفير الاحتياجات الإنسانية اللازمة من مأكل وملبس ومسكن.
إلى جانب اتخاذ التدابير الاحترازية المرتبطة بعدم تعرضهم لأي صورة من صور الاتجار بالبشر التي تسعى الدولة المصرية إلى الحد منها ومكافحتها بكل السبل الممكنة.
ولفت الدكتور مصطفى مدبولي، إلى أن الجهود الوطنية المصرية خلال العام الماضي شهدت طفرة هائلة بمجال مكافحة هذه الجريمة على كافة المستويات؛ الوطنية والإقليمية والدولية، حيث تكاتفت الجهات الوطنية المعنية -تحت مظلة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر- للعمل على الحد من مخاطر الاتجار بالبشر التي تتزايد حدتها مع تزايد التحديات التي يشهدها عالمنا وتؤثر بدورها على الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأفراد.
وتابع: جاء إطلاق الاستراتيجية الوطنية الثالثة لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر (2022 – 2026) لتكون البوصلة التي تحدد الطريق نحو تطوير عناصر العمل والأداء لحماية أفراد المجتمع من عصابات الاتجار بالبشر. ومن هنا، كانت الانطلاقة لتعزيز الجهود الوطنية في إطارها وعبر محاورها الأربعة (المنع والحماية والملاحقة الجنائية والشراكة)، لتحقيق الحماية الشاملة لضحايا الجريمة.
كما أكد رئيس الوزراء، خلال كلمته، أن خطة العمل المنبثقة عن الاستراتيجية الوطنية الثالثة اعتمدت توجيهات السيد رئيس الجمهورية والتي تم الحرص على تنفيذ ما جاء بها من تعزيز خدمات الحماية المقدمة لضحايا جريمة الاتجار بالبشر، والعمل على رفع الوعي العام بمخاطر الجريمة، وأيضًا تعزيز التعاون الدولي ونقل التجربة المصرية في مجال مكافحة الجريمة.
وأوضح أن اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر عملت على تنفيذ التوجيهات الرئاسية من خلال الدور المنوط بها في التنسيق بين الجهات الوطنية المختلفة للحد من مخاطر الجريمة، مشيرًا إلى أن ذلك ظهر جليًا عبر التوسع في برامج بناء القدرات التي استهدفت فئات مختلفة من العاملين في الجهات الوطنية المعنية إما بالتعامل مع الضحايا، أو القائمين على إدارة العدالة لتحقيق الردع العام للجناة.
وأضاف رئيس الوزراء أن ذلك يأتي جنبًا إلى جنب مع التوسع في أنشطة رفع الوعي من خلال الحملات الإعلامية والندوات التوعوية لضمان رفع وعي المواطنين من جميع الفئات المجتمعية بماهية الجريمة وصورها وكيفية الإبلاغ عند التعرض لها، وذلك لنبني على ما تم إنجازه ولتعزيز الجهود والقدرات الوطنية في مجال مكافحة الجريمة.
وقال : لا نغفل البعدين الإقليمي والدولي لأنشطتنا، حيث تحرص مصر دومًا على المشاركة في المحافل الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، للاستفادة من أفضل الممارسات ونقل النموذج المصري. وترتب على ذلك زيادة الاهتمام الملحوظ بالإنجازات المصرية وتعزيز التعاون بيننا وبين الأطراف الإقليمية والدولية نظرًا لجديتنا ومصداقيتنا في عمليات المكافحة والمنع، باعتبارنا أصحاب تجربة رائدة في هذا المجال.
وأكد “مدبولي” أنه لا يمكن لدولة منفردة أن تستأصل جذور جريمة الاتجار بالبشر، لكونها جريمة عبر وطنية تستخدم وسائل مستحدثة ومبتكرة لتطوير سبل الإيقاع بضحاياها، لافتًا إلى أنه يتعين على الدول أن تتكاتف سويًا لبذل أقصى الجهود اللازمة للتصدي لمخاطرها وللاكتشاف المبكر لصورها الجديدة التي تعتمد الآن على تكنولوجيا المعلومات.
وفي ختام كلمته، قال رئيس الوزراء أنه من الأهمية بمكان أن يتم تعزيز التعاون المشترك بين الدول لضمان تحقيق التنمية المستدامة التي ستنعكس بدورها على توفير البيئة المناسبة لحياة أفضل للأفراد، وحمايتهم من التعرض لأي استغلال يمس حقهم الأساسي في العيش بحرية وسلام.
وأضاف: “معًا نحو عالم أفضل للأجيال الحالية والقادمة، معًا ضد كل ما يُهدد سلامة الفرد والمجتمع، معًا ضد الاتجار بالبشر”.