أدى إصرار الرئيس الصيني شي جين بينغ على الالتزام بما يسمى سياسة صفر كوفيد إلى عزل الصين، فيما عادت الحياة في دول أخرى واجهت موجات تفشي أسوأ بكثير لما يقرب من الوضع الطبيعي قبل الجائحة.
بعد مرور 3 سنوات على توثيق أول حالة مصابة بفيروس كورونا، خففت الدولة بشكل كبير نظامها الصارم، الذي بلا شك أنقذ حياة الكثيرين، لكنه ضغط بشدة على الاقتصاد وأثار احتجاجات في مدن رئيسية عدة. أثار التحوّل المفاجئ خلال فصل الشتاء، إضافة إلى عدم حصول ما يكفي من كبار السن على اللقاح، مخاوف بشأن مخاطر حدوث موجة تفشي مدمرة.
التخلي عن سياسة صفر كوفيد
عندما ظهر “سارس-كوف-2” (SARS-CoV-2)، الفيروس الذي يسبب كوفيد-19، للمرة الأولى في أواخر 2019 بمدينة ووهان المركزية، اعتبرته الحكومة الحكومة الصينية تهديداً للصحة العامة لا بد من القضاء عليه بأي ثمن.
طلبت السلطات عزل المرضى والمخالطين لهم، بالإضافة إلى الحجر الصحي لأي شخص وافد من خارج البلاد. أي موجة تفشي على المستوى المحلي قوبلت بوابل من الفحوص الموجهة وتتبُّع الاتصال والحجر الصحي للقضاء عليها وهي ما تزال في بدايتها، كما فُرضت إغلاقات على مستوى المدينة في بعض الأحيان عندما كان هناك أقل من 100 حالة.
يقرّ هذا النهج، الذي أصبح يُعرف باسم “التصفية الديناميكية” أو صفر كوفيد الديناميكي، بحدوث إصابات، لكنه كان يهدف إلى وضع حد لانتشارها. ازدادت صعوبة تحقيق ذلك الهدف، مع ظهور سلالات أكثر عدوى من الفيروس.
العزل المنزلي
بعدما سحبت السلطات في البداية العديد من قيود كوفيد أوائل نوفمبر، قامت السلطات في 7 ديسمبر بما هو أكثر من ذلك بكثير. يمكن للمصابين دون أعراض أو بأعراض بسيطة، الذين يعيشون في منازل تفي بشروط معينة، عزل أنفسهم في المنزل الآن، مما يسمح لهم بتجنب مخيمات الحجر الصحي التي أرهبت الناس، ويخاف البعض منها أكثر مما يخافون من الإصابة بكوفيد.
يمكن لهولاء المخالطين للمصابين العزل في المنزل أيضاً. لا توجد حاجة بعد الآن لنتائج الفحص السلبية أو كود اللون الأخضر الذي يرمز للصحة على تطبيقات الهواتف الذكية بعد الآن، لأغراض السفر أو دخول معظم المناطق العامة.
صدرت تعليمات للسلطات بأن تكون أكثر دقة في تحديد المناطق التي تتعرض لإغلاق لمنع انتشار كوفيد، لتقتصر على وحدات أو مربعات سكنية بدلاً من مجمعات سكنية أو ضواحي أو شوارع بأكملها.
يظل ارتداء الأقنعة إلزامياً في أغلب الأماكن، وما يزال على كل المسافرين القادمين من الخارج عزل أنفسهم، رغم تقليل الفترة من 7 أيام في فندق و3 في المنزل إلى 5 أيام في الفندق و3 في المنزل. عدد فحوصات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) المطلوب قبل دخول الصين أصبح الآن واحداً بدلاً من اثنين، وشُطب نظام يعاقب خطوط الطيران على السماح بدخول حالات إصابة بالفيروس إلى البلاد.
دور الاحتجاجات
من المرجح أن تكون الاضطرابات الشعبية في عدة مدن عجّلت بالتغييرات. عندما أصبح الفيروس أكثر عدوى، أدى إلى موجات تفشي أكثر تواتراً، نتج عن بعضها إغلاقات صارمة، اضطر أغلب الناس خلالها للبقاء في المنزل. استمرت بعض الإغلاقات أكثر من شهر، مثلما حدث في شنغهاي وإقليم جيلين الصناعي في الشمال الشرقي، ما أدى إلى صعوبات اقتصادية واجتماعية، ومعاناة أصحاب الحالات الطبية المزمنة.
احتشد الآلاف من المواطنين في شوارع عدة مدن أواخر نوفمبر، للاحتجاج على اضطرابات الحياة الطبيعية، وهو حدث غير اعتيادي بشكل كبير في بلد لا يتهاون عموماً مع المعارضة. انتشرت أيضاً خلافات على نطاق أصغر، رفض فيها السكان الالتزام بالإغلاق أو نقلهم إلى مخيمات عزل.
المخاطر الصحية والاقتصادية
حصل قرابة 90% من السكان على اللقاح ضد كوفيد، وحصل عدد متزايد على الجرعات التنشيطية، فإن المعدلات أقل لكبار السن، وهم أكثر فئة عرضة للإصابة بالفيروس. فهناك 69% فقط ممن يبلغون 60 عاماً أو أكثر في الصين، و40% فقط ممن تفوق أعمارهم 80 عاماً حصلوا على الجرعات التنشيطية. أما في الولايات المتحدة، تجاوزت النسبة أكثر من 70% ممن تفوق أعمارهم 65 عاماً حصلوا على أول جرعة تنشيطية، فيما حصل 44% على الثانية. ولأن حالات الإصابة كانت منخفضة للغاية، قلة من الأشخاص في الصين لديهم مناعة بعد تغلبهم على “سارس-كوف-2”.
وجدت دراسة لباحثين في هونج كونج أن نحو مليون شخص في الصين قد يموتون بسبب كوفيد-19 دون حملة واسعة النطاق للحصول على الجرعة التنشيطية من اللقاح وتدابير أخرى لتقليل تأثير الفيروس. تتفاقم المخاطر بسبب توقيت التغيرات في السياسة: مع دخول الصين فصل الشتاء، حين تميل أمراض الجهاز التنفسي، مثل كوفيد، إلى الانتشار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لشبكة المستشفيات متفاوتة الإمكانيات أن تنهار بسهولة تحت وطأة ارتفاع مفاجئ في الإصابات.
المخاطر الاقتصادية
يمكن لموجة تفشي كبيرة أن تجعل النظرة المستقبلية الاقتصادية للصين أكثر قتامة، إذ يخيم عليها بالفعل مشكلات في سوق الإسكان المحلي وتداعيات عالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. سيلزم العاملون منازلهم، وستتباطأ أنشطة الأعمال، وستواجه المصانع صعوبات في تأمين الإمدادات، وسيبتعد الناس عن المطاعم والمتاجر.
أعلنت الحكومة الصينية عن أقل من 6 آلاف وفاة بسبب كوفيد في البر الرئيسي، أغلبها في بداية الجائحة، مقارنةً بنحو مليون وفاة في الولايات المتحدة، التي يبلغ تعدادها السكاني أقل من ربع نظيره بالصين.استخدمت السلطات هذه الأرقام لإبراز نظام الحوكمة الصيني على أنه متفوق. بعدما استخدمت الحكومة أهمية إنقاذ الأرواح كمبرر لـ3 سنوات من التدابير الحازمة لاحتواء كوفيد، قد تواجه الحكومة صعوبات في احتواء الاستياء الشعبي، مع ارتفاع أعداد الوفيات بعد تخفيف السياسة.
تحسين معدلات التطعيم
كان هناك تعهد بتحسين معدلات التطعيم بين كبار السن، وقلل مسؤولو الصحة قائمة الإعفاءات الطبية للجرعات، لزيادة عدد متلقي اللقاح. حثت السلطات المؤسسات الطبية الشعبية على المساعدة في تلبية متطلبات الرعاية الصحية، لكي لا يتجاوز الضغط إمكانيات المستشفيات. صدرت تعليمات للمستشفيات الكبرى بتخصيص عنابر مجهزة لمعالجة مرضى كوفيد الأكثر عرضة للتأثر بالفيروس، كما سيزداد عدد ما يُسمى بعيادات الحميات، لتحديد حالات الإصابة.