قال الدكتور محمود محي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030، نائب رئيس البنك الدولي سابقا ووزير الاستثمار الأسبق، إن أزمة كورونا فرضت عالماً مختلفاً وواقعاً مغايراً لاقتصاديات الدول، ما يغير من خريطة الاستثمار خلال السنوات المقبلة، وقال إن للأزمة الراهنة أثاراً ايجابية علي مصر في الأجل المتوسط.
وعرض خلال ندوة جمعية رجال الأعمال لبحث التداعيات المختلفة لأزمة كورونا علي الاقتصاد المصري، التى أدارها الكاتب الصحفى عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، السيناريوهات المختلفة للوضع الاقتصادي بعد أزمة كورونا علي المستوي العالمي والإقليمي والمحلي، وسبل التعافي من تلك الجائحة.
أكد “محي الدين” أن تقرير صندوق النقد الدولي توقع أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي لمصر إلي 2% في 2020 و2.8% في 2021، مقارنة مع 5.6% في 2019 علماً بأن مصرتعتبر الدولة الوحيدة بمنطقة الشرق الوسط وشمال أفريقيا التي سيظل معدل النمو بها موجب بحسب تقديرات الصندوق، وتشير الأرقام إلى تراجع كبير للدول المنتجة والمصدرة للنفط، مثل دول الخليج العربي بنسب تتفاوت ما بين -4% إلي -5% في 2020.
وأضاف أن معدلات البطالة في مصر والتضخم في الحدود المتوقعة بين 8.6% في 2019 إلي 10.3% في 2020، ومن المتوقع أن تصل إلي 11.6% للعام المالي المقبل 2021، ما يستوجب إجراءات سريعة لدعم المشروعات كثيفة العمالة وتحفيز أكبر لنمو قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار في المجالات الجديدة علي مستوي جميع المحافظات لتوفير فرص عمل.
ولفت إلى أن التقارير الاقتصادية لمؤسسة “موديز” للتصنيف الائتماني و”ستاندرد آند بورز” أشادت بقدرة الاقتصاد المصري في الوفاء بالتزاماته المالية، والإبقاءعلي نظرة مستقبلية مستقرة، إلا أنه في الوقت نفسه فإن التعامل مع جائحة كورونا وتبعاتها علي المدي البعيد يتطلب تعاون دولي أكبر، بجانب إعادة النظر في بعض القوانين لحماية الثروات الصناعية والعقارية والزراعية.
وقال إن للأزمة الراهنة أثاراً ايجابية علي مصر في الأجل المتوسط، بفضل الاستثمارات الضخمة التي تم توجيها في مجالات البنية التحتية والصحة، بالإضافة إلي تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي والتطبيق الجزئي لمنظومة التأمين الصحي الشامل.
واقترح التعجيل بتطبيق نظام التأمين الشامل علي مستوي كل محافظة بالمشاركة مع القطاع الخاص، وذكر أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لديها فرصة كبيرة لجذب الاستثمارات المباشرة لموقعها المتميز وقدرتها علي إنشاء تجمعات صناعية ولوجيستية، مطالبا بإعادة تقيم المحافظات حسب أنشتطها والتوجه نحو المناطق الصناعية الصغيرة، مثل قويسنا وميت غمر و الصف و بنها، وإنشاء العديد منها في المحافظات المختلفة لتوفير فرص العمل.
وأكد أن قطاع التكنولوجيا من القطاعات الواعدة التي تمتلك فرصاً كبيرة في مشروعات المالية بالتعاون مع البنك المركزي فيما يخص مشروعات الشمول المالي والربط الالكتروني وتسوية المدفوعات ونظم التمويل.
كما أكد وزير الاستثمار الأسبق، أن مواجهة الدول للتبعات المختلفة لأزمة كورونا تستلزم إعطاء الأولوية للاستثمار في 3 قطاعات أساسية أهمها الاستثمار في البشر، ومجالات الصحة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وأشار إلى أن الوضع في مصر أفضل من دول عديدة تعاني من أزمات سكانية، وارتفاع معدلات الفقر وأوضاع اقتصادية صعبة قد تخلق حرب عالمية ثالثة، وهي حرب تغير أسعار الغذاء وانهيار القطاع الصحي.
وقال إن مصر لديها منظومة صحية وبنية تحتية “جيدة” قادرة علي مواجهة المخاطر الصحية المستقبلية، بجانب امتلاكها خبرات للأطقم الطبية والممرضين، ونجحت في التعامل مع العديد من الأوبئة والأمراض المتوطنة مثل تجربتها في القضاء علي فيروس الكبد الوبائي والملاريا.
وأضاف: “لا شك أنه بفضل المتابعة المستمرة لتنفيذ المشروعات ذات الأولوية لخطط الدولة تم اختصار وقت إتمام مشروعات واعدة في مصر في زمن قياسي، منها مشروعات في مجالات الصحة والتنمية العمرانية والبنية التحتية ومشروع نظام التأمين الصحي الشامل.
وأكد الدكتور محمود محي الدين، أن أولويات الدول لمواجهة التحديات المستقبلية تشمل 10 مقترحات، تمثل”1+9″ وعلى رأسها القدرة علي الاستثمار في المجال الصحي و الطبي والإنفاق علي البنية الأساسية الصحية، كما يجب العمل علي زيادة القدرات الإنتاجية والصناعية المختلفة، واستغلال الطاقات المعطلة وإعادة توجيهها لتصنيع الملابس الوقائية، والتعاون الدولي في توفير اللقاحات والمستلزمات الطبية والاحتياجات الاستهلاكية.
وتابع: يجب العمل علي التنوع في الاستثمارات في المجالات الأساسية المتعلقة بالاستثمارفي البشر والرعاية الصحية والبنية التحتية والتكنولوجية والاستثمار في مواجهة التغيرات المناخية والتعليم ومجالات الذكاء الاصطناعي.
وأضاف: كما يجب أيضا وضع أولويات جديدة في الإنفاق العام في مجالات الصحة والضمان الاجتماعي ودعم مشاريع الشباب، مشيداُ بإسراع الدولة في دعم العمالة غير المنتظمة وضرورة استكمالها بنظام الدخل الأساسي والتأمين الصحي الشامل.
وأشار الدكتور محمود محي الدين، إلى أن العديد من الفئات تستوجب دعم مادي واجتماعي لمساعدتهم في تجاوز الأزمة، بجانب معالجة الفجوة في الاستيراد والإنتاج لتشجيع الاقتصاد على الانطلاق وتصنيع السلع التي تستوردها مصر لدعم النشاط الاقتصادي.
وأكد أن العمل علي توطين الصناعات الهامة والاستراتيجية لمصر من الأمور الايجابية لأزمة كورونا، مع استغلال مزايا المناطق الاقتصادية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في جذب المستثمرين وإقامة صناعات ذات أولوية للدولة وأهمها المشروعات التكنولوجية لرفع القدرات التصنيع وزيادة الصادرات.
وأشار إلى أن مصر من الأسواق الواعدة الكبيرة لنحو 100 مليون مستهلك، بجانب ارتباطها الوثيق وعلاقاتها المتميزة مع أفريقيا والصين.
قال إنه بالرغم من التأثير المتوقع والكبير لقطاع السياحة والسفر في مصر والعالم إلي ما بعد أزمة كورونا، إلا أن السياحة الداخلية قد تمثل فرصة جيدة في ظل الأزمة، مشيداً بالقرارات الاقتصادية للدولة في تخفيف الأعباء علي القطاع السياحي في تأجيل أقساط الديون وإسقاط الضريبة العقارية.
وأكد علي أهمية الاستمرار في دعم القطاع السياحي للحفاظ علي الإنجازات التي حققها القطاع في التعافي وعودة النشاط وارتفاع الانفاق السياحي والحفاظ علي العمالة، بجانب أهمية إعادة النظر في منظومة الضرائب خاصة في القطاعات الأكثر تضررا، والتعامل مع الموازنة العامة للدولة ببعد اقتصادي يعيد رسم خريطة الاستثمار في بعض القطاعات ذات الاولوية لأنها وسيلة لمخاطبة المستثمرين، والأفضل هو التعامل معها ببعد تنموي يعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والاستثمار في أولويات التنمية مثل التعليم، الرعاية الصحية، القضاء على الفقر، المساندة المجتمعية، تحسين الأجور، وتحقيق الأمن.
وحول رؤيته في تغير شكل العملة المصرية، أكد أن الشمول المالي من الخطوات الأكثر أهمية للإصلاح الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال، مقارنة بالتحول النقدي باستبدال العملات الورقية بالعملة البلاستيكية، وهي تحدث نتيجة لاختلاف أسعار هالك البنكنوت ولن يشعر بتلك العملية القطاع الخاص، والأهم فيما يتعلق بالعملات هو الشمول المالي.
وحول تأثير أزمة وتبعات كورونا علي المستوي العالمي لفت “محي الدين” إلى أن الخريطة العالمية للإصابات تشير إلي تسطح منحناها، ما يعني سيطرة عدد من الدول علي تزايدها، ولكن علي العكس تماما فإن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة الركود وبلغت معدلات تراجع النمو -3%، وهو أكبر ركود منذ مرحلة الكساد الكبير.
وقال إن العالم أمام حربين، الأولي تحتم علينا التباعد الاجتماعي والالتزام بالإجراءات الوقائية، والأخري العودة إلي النشاط الاقتصادي لمعدلات ما قبل الأزمة.
وأكد أن صندوق النقد الدولي في أخر تقرير له أشار إلي أن الاقتصاد العالمي سيتعافي ويحقق نمو 5.8%، واختلفت نظريات الخبراء حول شكل المنحي الذي يحقق النمو المتوقع.
كما أشار إلى أن تبعات أزمة كورونا أثرت علي كافة مناحي الحياة والاقتصاد في العالم، وتسببت في حدوث أزمة في المديونيات العالمية، ما جعل مجموعة العشرين تسعي إلي خفض مديونيات الدول الأقل دخلا والأولي بالرعاية من خلال تأجيل سداد أقساد الديون لعدة شهور في بعض الحالات.
وأضاف أن الاتحاد الأفريقي خصص نحو 44 مليار دولار للإنفاق علي الاحتياجات الأساسية للتعامل مع الجائحة.
وتابع: البورصات العالمية تأثرت وشهدت أسعار الأسهم انهياراً، فيما ارتفعت أسعار السندات وتراجعت أسعار البترول إلي أدني مستويات لها.
ولفت إلى أن الوضع الحالي لأسعار البترول في العالم له أثار سلبية للدول المصدرة للنفط، في حين ستستفيد منها الدول المستوردة، وكذلك الدولة التي تمتلك اقتصادا متنوعاً مثل مصر.
من جانبه أكد المهندس علي عيسي، رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال، أن الدولة المصرية تعاملت مع إدارة أزمة وجائحة كورونا باحترافية شديدة وفي جميع الاتجاهات الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أن مصر نجحت في تحقيق توازن بين التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، من خلال الإجراءات الاحترازية والوقائية لمنع انتشار الفيروس بجانب استمرار العمل والإنتاج.
وأشاد بحزمة الحوافز الاقتصادية ومساندة الدولة للقطاعات الأكثر تضرراً، ومنها القطاع السياحي، لافتا إلى أن النظرة ايجابية لمصر في تحقيق معدلات نمو في عام 2020، إلا أن القطاع الخاص يطمح في المزيد من الخطوات الداعمة لاستعادة الاقتصاد عافيتة والحفاظ علي صحة الإنسان وتعزيز القدرة المالية للشركات للوفاء بالتزاماتها المختلفة.
وقال الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، إن أزمة فيروس كورونا تعد ثالث مأزق وأخطر القضايا الصحية علي البشر بعد الطاعون والكوليرا، مضيفا أن العالم يتعرض لأسوأ ازمة عالمية منذ الكساد الكبير.