قد يجد البعض العنوان غريبا نسبيا ولكن التجارب الماضية وربما الحالية ستؤكد صحة تلك المقولة ، سيتذكر بالطبع أساتذتنا فى التأمين ومنهم الأستاذ عزت عبد البارى والأستاذ عبد الرؤوف قطب متعهم الله بالصحة أن مصر كانت إحدى الدول التى تعرضت لاستخدام سلاح التأمين كعامل ضغط اقتصادى وسياسى مرتين فى تاريخها.
تأثير الحرب على قطاع التأمين فى مصر
المرة الأولى التى تزامنت مع العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 حيث اتخذت شركات إعادة التأمين العالمية الإنجليزية والفرنسية موقفا معاديا للسوق المصرية وقامت بإلغاء كل اتفاقيات إعادة التأمين بصورة مفاجئة، وأصبحت شركات التأمين المصرية -فى ذلك الوقت – بدون غطاء، فسارعت شركة ميونخ رى بتغطية الحصص الملغاة وإنقاذ الموقف ، واتخذت الحكومة المصرية -التى وعت أهمية إعادة التأمين – القرار وقتها وتحديدا فى 2 سبتمبر عام 1957 عندما صدر قرار من رئيس الجمهورية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بإنشـاء الشركة المصرية لإعادة التأمين لتكون أول شركة إعادة تأمين متخصصة فى العالم العربى وأفريقيا، وبدأت مزاولة أعمالها فعليا بدءا من يناير عام 1958 . إلا أنه للأسف تم اتخاذ قرار معاكس وتحديداً فى العام 2007 بدمج الشركة المصرية لإعادة التأمين فى شركة مصر للتأمين فى توقيت احتفالها بعيدها الذهبى.
والمرة الثانية كانت تالية لقرار المقاطعة العربية بعد زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل فى 19 نوفمبر 1977 والتى تلاها قرار مقاطعة مصر من قبل الدول العربية وإلغاء الكثير من المساهمات للشركات العربية فى بعض الاتفاقيات وكذلك المُجَمّعات الموجودة فى هذا الوقت مثل مُجمّعة تأمين الطيران العربية “Arab Aviation Pool” والتى كانت مسئولة عنه شركة مصر للتأمين فى ذلك الوقت.
وفى الوقت الحالى ونتيجة للحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا اتخذت شركات التأمين المباشر الأوروبية التى تعمل فى روسيا القرار بالخروج من السوق المحلية وكذلك قررت شركات الإعادة الأوروبية بإيقاف التغطيات إلى الشركات الروسية المحلية وهو أمر متوقع نظرا لأن العقوبات من الاتحاد الأوروبى وانجلترا والولايات المتحدة ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل امتد إلى أبعد من ذلك كثيرا.
تبعات تحديد سقف لسعر البترول الروسى
فى الثالث من ديسمبر قررت مجموعة دول السبع “G7” أن تحدد سقف سعرى للبترول الروسى بمبلغ 60 دولارا للبرميل فى محاولة لتقليل استفادة روسيا من الفروق السعرية الكبيرة التى تلت قرارات الدول الغربية وكذلك الضغط عليها لتخفيف اختناقات الطاقة إلى أوروبا خاصة مع الدخول فى موسم الشتاء.
ومن ضمن التدابير لضمان إحكام الحصار لتطبيق هذا القرار اصبح من المحظور على دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا تقديم أي خدمة لناقلات النفط المحملة الخام الروسي، ويشمل ذلك خدمات التأمين وبالتالى قامت شركات التأمين العالمية برفض التأمين على السفن التى تحمل البترول الذى يزيد عن الحد السعرى.
وكنتيجة طبيعية أدى ذلك القرار إلى أن عمليات نقل النفط الروسى بحرا (وهى الوسيلة الأكثر استخداما للنقل إلى آسيا) لأزمة كبيرة خاصة أن تركيا اعتبارا من الأول من ديسمبر بدأت تطالب ناقلات النفط التي تريد عبور مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين تشرف عليهما أنقرة، بوثائق تأمين جديدة، بعد قرار الشركات الدولية إلغاء تأمين العديد من الناقلات بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، ويقدر البعض أن شركات دول مجموعة السبع تستحوذ على نسبة كبيرة من وثائق تأمين الشحنات تصل إلى 90% من إجمالى وثائق التأمين).
واستكمالا لذات النسق قامت السلطات الأردنية بإغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الروسية منذ الخميس الماضى 15-ديسمبر ،وطلبت سلطات الطيران الأردنية من الشركات التى تعبر مجالها الجوى تقديم شهادة تأمين صادرة في لندن وتصنيف A ++ حتى تتمكن من استخدام المجال الجوي الأردني، وعلى وجه الخصوص تحليق الطائرات من روسيا إلى مصر وبالطبع فإن هذا الطلب يعد مستحيلاً نظراً لوجود العقوبات وبالتالى يتعين على شركات الطيران الروسية التى ترغب فى الوصول إلى مصر أن تتخذ إما مسارا أطول كثيرا مما يزيد التكلفة ويقضى على الميزة التنافسية لأسواق السياحة المصرية بالنسبة للسياح الروس ويعطى فرصة لأسواق أخرى مثل تركيا .
كما أعلنت بالفعل بعض الشركات الروسية أن شركة الطيران الروسية iFly- تقوم بمراجعة خطط برامج رحلاتها إلى مصر نتيجه لقرار السلطات الأردنية.
أهمية تأسيس شركة إعادة تأمين وطنية
وبالرغم من إننا لا ناقة لنا ولاجمل فى هذه الحرب إلا أننا تأثرنا سلبياً واقتصادياً من تلك الحرب وكأنه ليس يكفينا ارتفاع أسعار الغذاء بشدة والبترول حتى تأتى أيضا القرارات العكسية التى تصيب السياحة فى مقتل.
وربما الوقت قد حان الآن للنظر فى مشروع إنشاء شركة إعادة تأمين وطنية فى مصر لتقى سوق التأمين التقلبات التى قد تنشأ من جراء تغير الاتجاهات السياسية الدولية.
نأمل من الله أن يلهم قادتنا الصواب فى التعامل مع مثل تلك الصعوبات المتزايدة ويحفظ الله مصر وشعبها.