يهدد تزايد استخدام أجهزة التكييف – تحت ضغط من تزايد ارتفاع الحرارة عالميا – بجلب تحديات من نوع آخر للعالم خلال الفترة القادمة.
فحسب التقرير السنوي لشركة بي بي البريطانية، تسبب تزايد استهلاك الطاقة الكهربائية والحاجة لتوليد المزيد منها في تزايد الانبعاثات الدفيئة خلال عام 2018.
يعني هذا الدخول في دائرة مفرغة يصعب الخروج منها، حيث أن تزايد استخدام أجهزة التكييف يعظم الحاجة لتوليد الطاقة الكهربية، لكن توليد طاقات كهربية إضافية يهدد بدوره بتزايد الانبعاثات الضارة بالبيئة والتسبب بالتالي في تزايد الاحترار العالمي.
ثورة أجهزة التكييف في بدايتها
لعبت أجهزة التكييف دورا محوريا في تحقيق الرخاء العالمي وإسعاد البشر خلال العقود القليلة الماضية لأنها ساعدتهم على التركيز في أعمالهم والحصول على قسط وافر من النوم ليلا في مواجهة الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة، وتقول كريس براينت في تقرير لوكالة بلومبرج إن الثورة التي أحدثتها أجهزة التكييف لا تزال في بدايتها بالنظر الى شدة الاحتياج إليها.
وأضافت: الغالبية العظمى من الأمريكيين والكثير من الاستراليين يحتفظون بأجهزة تكييف في منازلهم، لكن الوضع مختلف في ألمانيا حيث يندر وجودها على الأقل في الوقت الراهن.
وتابعت: وعندما ارتفعت الحرارة في برلين لمستوى غير مريح يقدر بـ 37 درجة مئوية خلال الأسبوع الجاري – رقم قياسي بالنسبة لما هو سائد في شهر يونيه – فرضيت بسرور أن أذهب الى مكتب بلومبرج الذي يتمتع بجو بارد منعش وإن كان بوسائل اصطناعية.
أعداد أجهزة التكييف في العالم ستتضاعف أربع مرات بحلول 2050
تمتلك نصف الأسر الصينية أجهزة تكييف، بينما لا يمتلكها سوى عدد قليل يقدر بـ 88 مليون شخص من إجمالي سكان الهند واندونيسيا المقدر بنحو 1.6 مليار شخص، حسب تقرير نشرته وحدة بلومبرج المعنية بماليات الطاقة الجديدة.
تتوفر عوامل تبشر بأن أعداد أجهزة التكييف المستخدمة بشريا ستتضاعف أربع مرات بحلول منتصف القرن الحالي من 1.6 مليار وحدة حاليا الى 5.6 مليار وحدة، حسب تقرير لوكالة الطاقة العالمية. وتتمثل هذه العوامل في تزايد التعداد السكاني وتزايد الدخول وتراجع أسعار الأجهزة وتوسع العمران البشري.
شركات أمريكية ويابانية وصينية أكبر المستفيدين
التقديرات التي ترجح انتعاش أعداد أجهزة التكييف المستخدمة عالميا يصب لصالح شركات أمريكية مصنعة لأجهزة التكييف مثل شركة كاريير وانجرسول وراند وجونسون كونترولز انترناشنال.
ولا يتوقف الأمر عند هذه الشركات فقط بالنظر الى تقديرات استحواذ الآسيويين على نصيب كبير من الزيادة المتوقعة في أجهزة التكييف، ومن المتوقع لذلك أن تستفيد من هذه الطفرة شركات صينية مثل جري اليكتريك ابلينس Gree Electric Appliance وجينجدو هاير Qingdao Haier وميديا جروب Midea Group وشركات يابانية مثل دايكن اندستريس.
دائرة مفرغة
ارتفعت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 2 % خلال عام 2018، وهي أسرع وتيرة خلال سبع سنوات، تصاعد الانبعاثات على النحو السابق يشكل مصدر خطورة في حد ذاته لأنه ببساطة يفاقم من مشكلة التغير المناخي العالمي.
تقول شركة بي بي البريطانية في تقريرها السنوي حول قطاع الطاقة إن المناخ القاسي قد عزز من الاحتياج لأجهزة التكييف في 2018 لكنه فاقم – مقابل هذا – من مشكلة الاحترار.
يدلل التقرير السابق على أن دائرة مفرغة قد تشكلت العام الماضي، عندما تسبب المناخ الأكثر حرارة في تعظيم الطلب على أجهزة التكييف والحاجة بالتالي الى توليد المزيد من الطاقة، يؤدي هذا بدوره الى توليد المزيد من الانبعاثات ومفاقمة مشكلة الاحترار العالمي.
المدن أكثر حرارة من الريف
لا يقتصر الأمر على مفاقمة مشكلة الاحترار العالمي جراء تزايد استخدام أجهزة التكييف بل يمتد الأمر الى رفع درجات الحرارة في المدن مقارنة بالريف، وبالنظر إلى أن أجهزة التكييف تسحب الهواء الساخن من البيوت وتطرد للخارج فيتم خلق تأثير يطلق عليه العلماء اسم “الجزيرة الحرارية الحضرية”، الذي يجعل المدن أعلى حرارة من الريف.
قفزة في استهلاك الطاقة الكهربية تعادل استهلاك الاتحاد الأوروبي
تتوقع وحدة بلومبرج لماليات الطاقة الجديدة أن يرتفع الطلب على الطاقة الكهربية الناتج عن تزايد تركيب أجهزة التكييف في البيوت بنسبة تزيد عن 140 % بحلول 2050، وتعادل هذه الزيادة إضافة الاستهلاك الكهربائي لدول الاتحاد الأوروبي.
وتتوقع الوحدة أن تمثل أجهزة التكييف نسبة 12.7% من الطلب على الكهرباء بحلول منتصف القرن الحالي مقارنة بنسبة 9 % حاليا.
الطاقة الشمسية تلبي الطب نهارا
ومن حسن الحظ أن هذه الزيادة في الطلب على الكهرباء سيتم تلبيتها عبر استخدام الطاقة الشمسية، خصوصا أن الحاجة للتبريد تقفز إلى مستوياتها العليا أثناء النهار، لكن المشكلة تكمن في أن الحرارة لا تقل أثناء ساعات الليل لتصل الى مستويات مقبولة، مما يعني أن الطاقة الأحفورية ربما يتم اللجوء إليها لتوليد الطاقة المطلوبة.
ألمانيا تقود ثورة المنازل جيدة التهوية
ظل الاهتمام بالمنازل متواضعا عند التصدي لمشكلة التغير المناخي على الرغم من أنها تشكل خمس الاستهلاك العالمي من الطاقة، وهناك اهتمام قاصر بمشاكل جوهرية مثل انعدام كفاءة أجهزة التكييف أو سوء تصميم البيوت والمكاتب، وفقا لتقرير بلومبرج.
ألمانيا هي البلد الذي بدأ يضع يده على مكن الخطر عن طريق تلافي عيوب بناء المنازل، تم لذلك تدشين حركة البيوت السلبية ( passivhaus) التي تعد عبارة عن طريقة في بناء المنازل بشكل يجعلها محتاجة لقدر ضئيل من التدفئة أو التبريد.
دروس ينبغي تعلمها من ثورة مصابيح الليد
ثورة تصنيع مصابيح الليد الأكثر كفاءة والأقل استهلاكا للطاقة تعزز أهمية ابتكار تكنولوجيا جديدة قادرة على تحقيق الهدف المتمثل في بناء منازل أو تصنيع أجهزة تكييف أكثر كفاءة وأقل استهلاكا للطاقة.
وقف استخدام غازات ضارة بالبيئة في تصنيع أجهزة التكييف
حدثت قفزة هائلة في الطريق السليم في يناير الماضي، تم في هذا التاريخ تفعيل تعديل على اتفاقية مونتريال يقضي بوقف استخدام غازات hydrofluorocarbons المسببة للدفيئة والمستخدمة عادة في تصنيع أجهزة التكييف، وتشير التقديرات الى أن الاخفاق في استبدال هذه الغازات سيزيد الاحترار العالمي بنحو 0.4 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي.
وتأخرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى الآن عن عرض التعديل الذي يحمل اسم Kigali على مجلس الشيوخ تمهيدا لتمريره، وذلك على الرغم من أن المصنعيين الأمريكيين سيستفيدون من الطلب على التكنولوجيات الجديدة التي ستظهر كنتيجة لإقرار التعديل.
الهند تطلق مسابقة عالمية
أطلقت الهند مسابقة عالمية تحت اسم Global Cooling Prize لإنتاج أجهزة تكييف صديقة للبيئة وأكثر كفاءة، وتشترط المسابقة التي تم تدشين برعاية الحكومة الهندية التوصل الى ابتكار أجهزة تكييف تقلل بنحو الخمس التأثيرات البيئية الضارة التي تتسبب فيها الأجهزة المتاحة حاليا، كما تشترط أن تكون الأجهزة المبتكرة أقل استهلاكا للكهرباء.
وتستهدف الهند تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن أجهزة التكييف الحالية بنحو 16 جيجا تون بحلول عام 2050، حسب موقع ذا برنت الهندي.