قال خبراء ومحللون إن توقف النزيف الذى يشهده الجنيه أمام الدولار يتطلب توافر مجموعة من العوامل أهمها هدوء التوترات الجيوسياسية التى نشبت نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، عودة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بشكل سريع، بالإضافة إلى زيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر.
وأكدوا – فى تصريحات خاصة لـ«المال» – أن نزيف الجنيه أمام الدولار لن يستمر طويلا بفضل القرارات التى اتخذها البنك المركزى المصرى عندما قرر تحرك سعر الجنيه أمام الدولار ورفع أسعار الفائدة وبالتالى من المتوقع أن ينخفض الطلب تدريجيا على الدولار بعد الإجراءات التى من شأنها منع «الدولرة» و تنازل حائزى العملات الأجنبية عنها للحصول على الجنيه لشراء الشهادات ذات العائد %18.
وأضافوا أنه فى حال استمرار نزيف الجنيه أمام الدولار قد يلجأ البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة مجددا وقد تلجأ الدولة إلى تخفيض وتيرة تنفيذ بعض المشروعات الكبرى.
وأشاروا إلى أنه من الصعب حاليا تحديد سعر الدولار مستقبلا وأن من يحدد نقطة التعادل لسعر الجنيه أمام الدولار سياسات البنك المركزى والحكومة.
وقرر البنك المركزى المصرى فى اجتماع استثنائى يوم الإثنين الماضى رفع أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس ليصل سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى إلى %9.25 و%10.25 و%9.75 على الترتيب وارتفاع سعر الائتمان والخصم عند %9.75.
وطرح بنكا الأهلى المصرى ومصر، فور قرار «المركزى» برفع أسعار الفائدة، شهادات سنوية ذات عائد مرتفع %18 يصرف عائدها شهريا.
وانخفض سعر الجنيه مقابل الدولار من نحو 15.72 جنيه إلى نحو 17.47 فى المتوسط صبيحة قرارات البنك المركزى المصرى وواصل الدولار الصعود حتى سجل متوسط السعر فى ختام تعاملات أمس نحو 18.45 جنيه للشراء و18.55 جنيه للبيع.
وقال هانى جنينه المحاضر بالجامعة الأمريكية إنه اذا ما استمر النزيف الحالى للجنيه، فسوف يلجأ البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة مجددا و قد تلجأ الدولة إلى خفض وتيرة تنفيذ بعض المشروعات الكبرى.
وأضاف أنه فى جميع الأحوال، سوف يكون قرض صندوق النقد الدولى فى حال الحصول عليه فعلياً ذو أثر كبير فى الحفاظ على سعر الدولار قرب المعدلات الحالية ( 20 جنيها).
وأشار إلى أن نقطة التعادل لسعر الجنيه أمام الدولار تحددها فقط سياسات البنك المركزى والحكومة، نظرا لأنها العوامل الرئيسية التى تؤثر فى حجم الانفاق المحلى وتوافقه مع دخل الدولة من النقد الاجنبى، كما تؤثر على معدلات التضخم فى مصر مقارنة بالدول الأخرى، وبالتالى على تنافسية المنتج المصرى فى الأسواق الخارجية.
وقال محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس السابق إن تعويم الجنيه بدأ منذ 3 نوفمبر 2016 وآلية التعويم تضمن تحريك الجنيه أمام الدولار صعودا وهبوطا وفقا لظروف العرض والطلب وظل يتحرك الدولار منذ التعويم حتى وصل فى بعض الأحيان إلى 19 جنيها ثم انخفض إلى أن استقر لفترة طويلة عند 15.65 جنيه تقريبا وقد كان تعويما مدارا ولكن نتيجة الأزمة التى نمر بها حاليا صعد سعر الدولار فيما تجاوزنا أزمة كورونا دون أن يتحرك سعر الدولار إلى مستوى تخفيضى كما يحدث الآن.
وأضاف أنه مع اندلاع أزمة أوكرانيا وروسيا ودخل فيها سلاح المقاطعة والخنق الاقتصادى وحدوث موجة التضخم العالمية ونقص سلاسل الإمداد والقصور فى النقد الأجنبى وخروج أموال الاستثمار الأجنبى غير المباشر مما سيؤدى إلى الضغط على العملة، وبالتالى دفع البنك المركزى إلى اتخاذ إجراءات فى غاية الأهمية الأول رفع أسعار الفائدة و الثانى تحريك الجنيه فى نطاق جديد متوسطه يتراوح بين 17.5 و 18.5 جنيه وترك السعر عائما بدايته عند هذا المستوى ويحدد وفقا للعرض والطلب بمعنى أنه لا توجد معادلة تحدد سعر صرف الجنيه مستقبلا مقابل الدولار.
وأشار إلى أن التراجع الذى يشهده الجنيه أمام الدولار حاليا سيتوقف بمجرد تحسن الأوضاع وهدوء التوترات الجيوسياسية وبداية تدفق الاستثمار الأجنبى غير المباشر، متوقعا أن يبدأ تدفق الاستثمارات غير المباشرة خلال الفترة القليلة المقبلة، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وقد شاهدنا صندوق أبوظبى السيادى يعلن عن استثمارات بنحو 2 مليار دولار فى مؤسسات مصرية.
وأوضح أنه مع رفع سعر الفائدة واقتراب سعر الدولار من السعر العادل وفقا للمؤسسات الدولية ستعود الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى سريعا وهنا يبدأ الدولار فى الاستقرار والتوازن عند سعر معين يحقق مصالح جميع الأطراف ولكن لا يستطيع أحد أن يحدد سعر الدولار المستقبلى حاليا.
وقال هانى أبو الفتوح، رئيس القطاع المؤسسى بشركة ميداف للاستثمارات إنه على الأرجح لن يستمر نزيف الجنيه أمام الدولار طويلا بعد قرار تخفيض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار و سوف ينخفض الطلب تدريجيا على الدولار بعد الإجراءات التى من شأنها منع «الدولرة» و تنازل حائزى العملات الأجنبية عنها للحصول على الجنيه المصرى وشراء الشهادات التى أصدرها البنك الأهلى المصرى و بنك مصر ذات العائد الثابت %18.
وأضاف أنه ما يؤكد ذلك ارتفاع حصيلة بيع الشهادات وصلت إلى 51 مليار جنيه فى أول يومين من طرح لشهادات، إذ تشير التنبؤات إلى استمرار حركة تحويل الدولار إلى الجنيه المصرى لشراء الشهادات.
وأشار إلى أنه مع ترشيد الاستيراد بموجب قرارات البنك المركزى الأخيرة، سوف ينخفض الطلب تدرجيا ويساهم فى استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار والعملات الأجنبية. و أوضح أنه لا يمكن التقليل من التحديات التى يفرضها خروج المحافظ الأجنبية فى حالة استمرار خروجهم من أسواق أدوات الخزانة المصرية عقب الغزو الروسى لأوكرانيا.
وأضاف أنه ربما خلال مدة قصيرة لن تمتد إلى أكثر من شهرين سوف يصل سوق الصرافة إلى نقطة التعادل والتى من المتوقع وقتها أن يستقر سعر الجنيه مقابل الدولار عند السعر العادل له.