تعانى البورصة المصرية حالة من الوهن بالفترات الراهنة فى ظل استمرار وتيرة تخارجات المستثمرين الأجانب منذ بداية 2020 وحتى وقتنا هذا، إضافة إلى تسجيل تراجعات دورية وضعف معدلات السيولة.
فيما تظل بورصات المنطقة العربية ونظائرها العالمية تُسجل قمم جديدة مدفوعة بتوجهات شرائية من قِبل المستثمرين الأجانب، على الرغم من كافة التأثيرات السلبية التى فرضتها جائحة «كورونا».
ففى الوقت الذى سجل فيه المستثمرون الأجانب مبيعات فى سوق الأسهم المحلية بقيمة 318 مليون جنيه خلال الربع الأول من 2021، كان لهم طفرات شرائية بالأسواق المجاورة وعلى رأسها السوق السعودية «تداول» إذ حققوا صافى مشتريات على الأسهم بقيمة 5.7 مليار ريال سعودى بتلك الفترة بما يُعادل 1.6 مليار دولار بارتفاعات قاربت %444 عن الفترة المقارنة من 2020، ما يوضح حجم الزخم الخارجى على السوق.
فيما سجل الأجانب مبيعات بقيمة 15 مليار جنيه فى البورصة المصرية خلال عام 2020 بأكمله.
هذا إلى جانب أن البورصة المصرية سجلت تراجعات بنحو %2.5 خلال الربع الأول من العام فيما حققت السوق السعودية ارتفاعًا بنحو %14 وبنسبة %17 لسوق أبوظبى فى الإمارات.
أثارت تلك التحركات التساؤل حول أسباب نفور المستثمرين الخارجين من السوق المحلية على الرغم من مميزات تدنى أسعار أسهمها وجاذبية مكرر الربحية مقارنة بالسوق السعودية التى تتسم بغلو أسعار أسهمها وزيادة مكرر ربحيتها، وما المقترحات لتعزيز جاذبيتها؟ وأوجه المقارنة بينها وبين أسواق المنطقة المجاورة .
عددت مجموعة من الخبراء بسوق المال المحلية أسباب وهن السوق المصرية، إلى جانب وضع روشته من المقترحات التى قد تُزيد من جاذبيتها وعلى رأسها إلغاء ملف ضرائب الأرباح الرأسمالية بشكل تام، وتقليل الأخرى المفروضة حاليًا ومن بينها الدمغة أو إلغائها نهائيًا، مع توفير سياسة تشريعية واضحة، وتدشين أداوت مالية جديدة، ومحفزات أخرى للشركات المقيدة والمستثمر ذاتهُ.
شوكت المراغى: كثرة الضرائب والتأجيل المتتالى لضريبة الأرباح الرأسمالية أبرز العوامل المؤثرة
بداية قال شوكت المراغى العضو المنتدب لقطاع السمسرة بشركة «برايم القابضة للاستثمارات المالية»، إن تعاملات المستثمرين الأجانب فى أسواق المال عامة تحكمها عوامل الجذب المتواجدة بتلك الأسواق .
وأوضح أن السوق المصرية فى حاجه لمجموعة من العوامل تؤهلها لتكون عنصر جاذب لاستقطاب استثمارات أجنبية جديدة، على رأسها وجود سياسة ضريبية واضحة .
ولفت المراغى إلى أن الضرائب المفروضة بالسوق المحلية من ضريبة دمغة وأخرى رأسمالية مؤجلة قد تكون أحد أبرز العوامل الرئيسية المؤثرة فى الاستثمار بالسوق المحلية، موضحًا أن تأجيل قرار البت بِشان ضريبة الأرباح الرأسمالية يمثل عامل ضغط مستمرا على المستثمر.
يُذكر أن مجلس الوزراء المصرى وافق خلال شهر مايو الماضى على تأجيل العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن تعاملات بورصة الأوراق المالية، حتى نهاية عام 2021 دون البت فيها بشكل نهائى.
وأشار إلى أنهُ على الرغم من قرار تخفيض ضريبة الدمغة والتى تمت بعد محاولات عدة إلا أنها لاتزال تمثل عبئا على المستثمرين، نتيجة الالتزامات الأخرى مثل عمولة السمسرة وباقى الرسوم أيضًا فى ظل سوق وضعها سيء .
وأوضح العضو المنتدب بـ«سمسرة برايم»، أنه بالنسبة للأسواق الأخرى المجاورة لا توجد تلك الضرائب المفروضة بالصعيد المحلى، ما يجعلها جاذبة بشكل أكبر .
ولفت شوكت المراغى أن سعر الصرف قد يكون أحد العوامل التى تلعب دورًا رئيسيًا فى زيادة معدلات دخول وخروج المستثمرين الأجانب من وإلى أسواق الأسهم، هذا إلى جانب توافر عنصر الشفافية والمنافسة الشريفة بين المستثمرين.
وقال إن هناك عوامل أخرى تتعلق بثبات بعض السياسات والتشريعات الحاكمة لتلك الأسواق لفترات زمنية كبيرة دون تغيرات مستمرة حتى ينعم المستثمر بالاستقرار .
وأضاف أن كافة تلك العوامل تفتقدها السوق المصرية نتيجة أسباب مختلفة، موضحًا أن سياسة التخارج لدى المستثمرين الاجانب ستظل مستمرة لحين انتظام تلك العوامل بالسوق .
وأضاف أن وزن السوق المصرية فى مؤشر «مورجان ستانلى للأسواق الناشئة» أصبح ضعيفًا بالفترة الحالية بنحو %0.07 مقارنة بـ%1.5 سابقًا، موضحًا أن ذلك حدث نتيجة تخارج الشركات الكبيرة فى فترات سابقة دون تعويضات حديثة .
وعلى صعيد آخر، أشار إلى أن الاوراق المالية صاحبة التنفيذات الكبيرة بما يُقدر بمليون دولار بمعدل يومى مستقر محدودة للغاية.
وتابع أنهُ لا يوجد أى مقارنة بين السوق المصرية ونظيرتها السعودية سواء من حيث حجم الشركات المقيدة وقوتها وملائتها المالية والتنفيذات اليومية إلى جانب القرارات المنظمة أيضًا .
فيما أكد أن المستثمرين الأجانب أصبحوا حاليًا لا يمثلوا أى نسبة من وزن السوق المحلية، إذ أصبحت السوق قائمة على تعاملات الأفراد فقط، مع ضعف تعاملات الصناديق المصرية التى أصبحت هزيلة بأحجام لا تتعدى 20 مليون جنيه.
وأشار إلى أن السوق فى حاجه لقرارات جريئة تؤخذ دفعة واحدة تتضمن إلغاء ضريبة الدمغات وتخفيض مصاريف التداول، هذا إلى جانب دخول بضاعة جديدة، بإدراج شركات كبيرة بتخفيض كبير فى تسعير الطرح بعلم الجهات الرقابية لجذب شريحة جديدة من المستثمرين الخارجين .
وأوضح أن المستثمر يرغب أيضا فى سياسة واضحة لمعرفة حال تخارجه من السوق فما موقفة الضريبى وهل سيخضع للضرائب أم لأ؟ وإن كانت الأخيرة فهل هذا الأمر قابل للتغير أم مستمر؟
وأشار إلى أنهُ على الصعيد المحلى فإن زيادة التعداد السكانى وزيادة الفئات الشبابية يمثل ثروة كبيرة يمكن استغلالها بدخولهم للبورصة المصرية، بفكر استراتيجى وليس مضاربى .
إبراهيم النمر: السوق تتحرك بمنأى عن نظيراتها والوضع الحالى فى حاجه لتعديل تشريعى جديد
وقال إبراهيم النمر رئيس قسم التحليل الفنى بشركة «نعيم القابضة»، إن السوق المحلية تتحرك منذ فترة بمنأى عن باقى أسواق المنطقة، وبالتالى فإن المقارنة بأى منها ستكون غير عادلة .
وأشار إلى أن السوق السعودية على سبيل المثال تُعد الأعلى فى المنطقة فى الفترة الحالية، كونها أكثر الأسواق من حيث البضاعة المتاحة والسيولة المالية، هذا إلى جانب أنها جاذبة للاستثمار الأجنبى بدعم من زيادة وزنها على مؤشر «مورجان ستانلي» بنسبة جاوزت الـ%1 والإعفاء الضريبى .
وأضاف النمر أن ضريبة الأرباح الرأسمالية والتى تم تأجيلها مؤخرًا دون البت بإلغائها نهائيًا أو إقرارها لاتزال تمثل عنصر ضغط على المستثمر، وقد تدفع به لتأجيل قرارهُ الاستثمارى لحين اتضاح الرؤية .
وأشار إلى أن أسواق المال عامة محفوفة بالمخاطر، ولكن على الأقل متوفر بها رؤية وسياسات واضحة على عكس السوق المحلية، موضحًا أن الضبابية بالسوق المحلية تُعد عدوا لزيادة الاستثمارات الخارجية .
ولفت إلى أن تأخير برنامج الطروحات الحكومية على الصعيد المحلى، والذى أُعلن عنه مرات عدة لايزال عالقا حتى الآن على الرغم من حاجة السوق الماسة لوجود بضاعة جديدة، وهو ما يُثير الشكوك حول مدى جاذبية السوق .
وتابع أن مجموعة من كبرى الشركات النوعية مثل «جلوبال تيليكوم» و«أورانج مصر» وغيرها، تخارجت من بورصة مصر خلال السنوات الماضية، ولم تعوض حتى الوقت الراهن .
وأوضح أن معدل دخول شركات جديدة للقيد فى البورصة المصرية محدود للغاية، كما أن قرار تراجع إحدى الشركات مؤخرًا وتأجيل خطتها للقيد أعطى نظرة سلبية عن السوق.
يُذكر أن شركة «ماكرو كابيتال جروب» للمستحضرات الطبية، أعلنت مؤخرًا تأجيل خطتها للطرح فى البورصة المصرية، لحين تحسن أوضاع السوق .
ولفت النمر إلى أن سوق الاسهم المحلية تحتاج لتعديل تشريعى جديدة بدخول أدوات مالية مبتكرة، أو طرح محفزات بهدف جذب الشركات للقيد، وآخرى للمستثمرين ببحث إمكانية الإعفاء من الضرائب بشكل تام.
وأشار إلى أن بعض أسواق المنطقة المنافسة والمنضمة لمؤشر «مورجان ستانلي» مثل الإمارات والسعودية والكويت وقطر، غالبًا ما تعفى المستثمرين من الضرائب المُطبقة .
وأضاف أنهُ بالنظر للسوق المصرية، فإن أسعار الأسهم جاذبة بشكل كبير ومتدنية، هذا إلى جانب أن مضاعف الربحية منخفض إذ يمثل حوالى 9 مرات، وهذا على عكس السوق السعودية على سبيل المثال التي تتسم بارتفاع أسعار أسهمها وارتفاع مضاعف الربحية بمعدل 17 مرة .
وأوضح أن تلك المفارقة من المفترض أن تُثير اهتمام المسئولين وتدفعهم لوضع خطة واضحة ومحكمة لزيادة جاذبية السوق المصرية وإصلاح هذا الخلل الكبير، ودراسة أسباب تدنى الاستثمارات الأجنبية بها.
وأكد أن رجوع المستثمر الأجنبى الذى أصبح غائباً حاليًا بشكل كبير مرتبط بحل أزمات الضبابية، وتوفير عنصرى الحوكمة والشفافية.
وقال إن السوق المصرية بها العديد من الكيانات الكبيرة غير المدرجة، مقترح أن يُجرى صانعوا القرار لقاءات معها من بهدف زيادة وعيها وأهمية وجودها فى البورصة المصرية وتشجعيها على القيد .
واستكمل أن وجود كيانات كبيرة بسيولة مالية عالية فى السوق قد يكون أحد أهم عوامل الجذب للاستثمارات الخارجية .
ولفت إلى أن الشريحة الحالية من الشركات المقيدة غير ممثلة للوضع الاقتصادى الجديد.
وأوضح أن البورصات عادة ما تكون مرآة الاستثمار لأى سوق، وبالتالى فلابد من وجود شريحة شركات مقيدة ممثلة للمجالات الاقتصادية الجديدة التى شرعتها الحكومة من المجالات الرقمية والتكنولوجية وغيرها .
إيهاب رشاد: البورصات الشبيهة يوجد بها دعم من الصناديق السيادية
من جهته قال إيهاب رشاد رئيس مجلس الإدارة بشركة «مباشر كابيتال هولدنج القابضة»، ان مباشر بصفتها تتعامل فى أكثر من 75 سوقاً بالمنطقة فإن حركة المستثمرين الأجانب شرائية بأغلب الأسواق المجاورة على عكس السوق المحلية.
وأوضح أن ببعض أسواق المنطقة كالسعودية والإمارات صناديق سيادية تابعة للدولة ومهمتها الوحيدة ضخ أموال فى فترات هبوط وتذبذب الأسواق وقت الأزمات .
وأشار رشاد إلى أنهُ على الرغم من القرار المحلى والذى صدر بتوجيهات رئاسية لضخ 20 مليار جنيه للبورصة المصرية منذ بداية أزمة الفيروس، إلا أنهُ بعد فترة وجد أن تلك الاموال لم تُستثمر بعد سوى بنسب محدودة جداً.
وقال إن الأمر يتطلب أن يكون هناك صندوق رئاسى دائم التوجه لضخ سيولة جديدة بشكل متوازن ودورى لطمأنة المتعاملين، مضيفًا أن السوق المصرية دائمًا ما تحركها المخاوف نتيجة أى أحداث داخلية أو خارجية بتزايد وتيرة البيع وهبوط الأسهم بنسب كبيرة .
وأوضح أن المؤسسات المصرية غائبة عن المشهد بشكل كبير ، مضيفاً أن الاستثمار المحلى حاليًا منحصر فى الأفراد، فيما من المفترض أن يكون العكس .
ولفت أن تحسين وضع السوق من المفترض أن يبدأ بزيادة الثقة محليًا ثم محاولات ارجاع المستثمر الخارجى، فيما توقع أن تشهد السوق حركة تصحيحية خلال الفترة القادمة .
وأخيرًا نصح إيهاب رشاد المستثمرين بالتحرك الإنتقائى فى السوق خلال الفترات المقبلة والتركز على الأسهم المؤسسية دون غيرها .
عمرو الألفى: العائد وحجم سيولة الورقة المالية أهم عوامل جذب التدفقات الخارجية
وقال عمرو الألفى رئيس الجمعية المصرية للمحللين الماليين ورئيس قسم البحوث بشركة برايم المالية القابضة، إن العائد وحجم السيولة المتاح على الورقة المالية، يعدان أهم العناصر بالنسبة للمستثمر الأجنبى .
وأشار إلى أن جذب المستثمر الخارجى للبورصة المصرية مرتبط بضخ دماء جديدة فى السوق بسعر جيد بزيادة فى نسب الطرح الخاص، لافتًا إلى أن زيادة السيولة تشمل قرارات ذات وضع سياسى او اقتصادى بصفة خاصة .
فيما اقترح الألفى أن يكون هناك تشريع لمحاولة جذب صناديق المعاشات للاستثمار فى البورصة المصرية وإعفائها من الضرائب بشكل كامل، موضحًا أن تلك الصناديق ستُحيى فكرة الاستثمار الاستراتيجى طويل الأجل، وستعمل على زيادة معدلات السيولة بشكل كبير .
عادل عبدالفتاح :فى حاجه لبضاعة جديدة بأحجام كبيرة وسعر طرح مُخفض
وقال عادل عبد الفتاح رئيس مجلس الإدارة بشركة «ثمار لتداول الأوراق المالية»، إن كافة القرارات التى إتُخذت خلال الفترات الماضية سواء بتنظيم عمليات الشراء الهامشى أو زيادة قنوات التمويل لهُ، إلى جانب بحث تنشط آلية «الشورت سيلينج» كان من المفترض أن تدعم الحركة المحلية وهو ما لم يحدث .
وأشار إلى أن عودة المستثمر الأجنبى للبورصة المصرية مرتبط بوجود شريحة شركات جديدة بخلاف الحالية بأحجام كبيرة نسبيًا وسعر طرح منخفض وسيولة مرتفعة.
ولفت عبد الفتاح إلى أن الظروف السياسية ومبيعات التجارى الدولى، قد يكونوا أبرز العوامل لحركة الأجانب البيعية، موضحًا أن الأزمة الحالية تتمثل فى ضعف تمثيلهم بما يشكل 8:%10 كمتوسط من إجمالى التعاملات اليومية .
وعلى صعيد حركة مؤشرات البورصة المصرية خلال الفترة المقبلة، توقع رئيس مجلس الإدارة بـ«ثمار» أن السوق ستواصل حالة الركود الحالية فى ظل استمرار غياب المحفزات الايجابية.