لم يسبق للمناخ الحزبى والأيديولوجى اعتراك ذلك التنافس السياسى فى إسرائيل منذ إنشائها.. كالجارى بها فى العام الأخير من تطورات دراماتيكية.. عطلت تشكيل حكومة جديدة رغم ثلاثة انتخابات تشريعية أبريل 2019 – سبتمبر – مارس 2020، ذلك فى ظل التنافس بين أكبر كتلتين حزبيتين، «الليكود»- الحزب العتيد فى السلطة منذ مايو 1977.. و«كحول لفان» من حزب الجنرالات البازغ على الساحة السياسية فى غضون العام الأخير، لولا ما تفرضه ضرورات مكافحة انتشار فيروس كورونا.. من تقدم محتمل لتشكيل «حكومة وحدة» بشكل مؤقت، ناهيك- ربما- عن تناول ما قد يتصل بتنازع الواجبات بالنسبة لفلسفة التسوية النهائية للمسألة الفلسطينية، أشبه ما تكون فى توحدها الحكومى بمرحلة المواجهة العسكرية مع العرب خلال الربع الأول من بعد إعلان الدولة.. التى انتهت بحرب 1973، إلا من صدامات مع بعض جيوب المقاومة، لم تحل بين حزب «العمل». وجنرالاته – وفض الاشتباك وإنهاء حالة الحرب مع مصر 1975، بفارق نحو عشرين عاماً من توقيع الجنرال «رابين» (عن حزب العمل)- قبل شهور من اغتياله على يد متطرف يميني- على اتفاقيتى «أوسلو» و«وادى عربة» مع الأردن والفلسطينيين، ذلك فيما تكفل حزب الليكود اليمينى اعتباراً من مايو 1977.. بتكريس السلام البارد مع مصر، وبتعويق استئناف المفاوضات مع الرئاسة الفلسطينية، وفى الدخول من ثم إلى نفق معتم من المراوغات لتجميد عملية السلام بينهما لربع قرن تال حتى اليوم، سعياً لبناء «إسرائيل الكبرى»، إلا أن الرفض الشعبى العربى والفلسطينى مجاراة لبعض حكامهم لغسل الأيدى من المسألة الفلسطينية.. لا تزال تحول دون استكمال المشروع الصهيونى غاياته العليا، ذلك فى الوقت الذى تتصاعد فيه الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلى على النحو المشهود للأصعدة العلمانية والدينية وما يتصل من عدمه بالفصل العنصرى.. إلى مستقبل الديمقراطية.. إلخ، ما أدى بخاصة فى العام الأخير نحو شلل حكومى ليس من المعلوم ما سوف يسفر عنه، سواء بالنسبة للتنافسات الحزبية والأيديولوجية أو لما يتصل بمفاوضات التسوية النهائية مع العرب.
إلى ذلك، ومع تغول نفوذ اليمين المتشدد لنحو أربعة عقود متتالية، وفى ضوء انجذابه المطلق نحو المزيد من القوة («ضم الأراضى»)، وما يعنيه ذلك من انعكاسات على مستقبل الديمقراطية فى إسرائيل، فضلاً عن تبعات عزلة إقليمية ودولية لجمود عملية السلام، فقد كان من الطبيعى للقوى المؤيدة لـ«حل وسط إقليمى» أى من الوسط واليسار والقائمة العربية أن تتجمع حول رموز من المؤسسة العسكرية شكلت حزب «يسار يمين» (كحول لفان) ما يسمى «حزب الجنرالات»، لمواجهة حزب الليكود المتربع على السلطة بقيادة «نتنياهو»- الملاحق قضائياً- بهدف إنقاذ البلاد- بحسبهم- من مصير غامض، وبحيث تمكن الحزب البازغ قبل عام- ومحالفيه.. من وضع أحزاب اليمين على المحك، إذ مع استمرار تراجع فرص الليكود لتشكيل الحكومة، فقد تمكن معسكر الوسط- اليسار- والعرب من السيطرة على الكنيست برئاسة الجنرال «غانتس» رئيس حزب «كحول لفان» الذى يهدف عن طريق السيطرة على الكنيست أولاً.. لتغيير قواعد اللعبة السياسية والوصول إلى الحكم.