متابعات نصف قرن لسياسات «هنرى كيسنجر»

متابعات نصف قرن لسياسات «هنرى كيسنجر»
شريف عطية

شريف عطية

7:11 ص, الخميس, 9 يونيو 22

على مشارف المائة عام من عمره الحافل بين أشهر السياسيين الأميركيين فى عصره، يواصل “كيسنجر” طرح أفكاره المثيرة ونظرياته الدبلوماسية بشأن النظام العالمى محل دراسته واهتماماته الباكرة منذ معاهدة “ويستالفيا” التى شكلت قبل قرون.. الهياكل الأساسية للنظام الدولي- بتنوعاته- حتى اليوم، ما بين مؤيد وناقد، إلى أن برز بشخصيته على سطح السياسة العالمية عشية السبعينيات من القرن الماضي- حين اختاره الرئيس “نيكسون” مستشارًا للأمن القومى الأميركى، وحيث كان من الطبيعى مع مطلع العقد أن أتابعه باهتمام نظرًا لأمرين هامّين، محورية الدور الأميركى فى الحرب الدائرة وقتئذ بين مصر وإسرائيل، وإلى انتقالى للعمل بمكتب نظيره للأمن القومى المصرى “حافظ إسماعيل” الذى أطلقت عليه الصحافة الغربية “كيسنجر الشرق الأوسط”.. إبان تواجههما رأسًا برأس على مدى جولتين دبلوماسيتين امتدتا لأيام، فى نيويورك وباريس، فبراير ومايو 1973، لبحث تعقيدات أزمة الشرق الأوسط، ذلك قبل أن يتسلم وزير الخارجية “فهمى” ملف المفاوضات نهاية أكتوبر.. وصولًا إلى استقبال الرئيس السادات فى 7 نوفمبر “كيسنجر” بالقاهرة، ليتوافقا- كل لأسبابه- على ما سبق أن صرح به الأخير 1972 عن “طرد النفوذ السوفييتى”، ومن ثم على استبعادهما موسكو من المشاركة فى الأساليب الإجرائية للتسوية السياسية بين مصر وإسرائيل، ولتنقطع منذ مطلع 1974 المقاربة لتحركات “كيسنجر” إلا من متابعة جهود نظريته السياسية “الخطوة خطوة” لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلى، وبالمفهوم الأميركى، لنصف قرن تال، لا يقطعها غير تصريحات “كيسنجر” من حين لآخر عندما يدلى بآرائه فى العلاقات الدولية، ليس آخرها ما كان من تصريحه المثير للجدل فى مطلع يونيو الحالى بشأن الحرب فى أوكرانيا، إذ يقترح على المسئولين الأوكرانيين التنازل عن بعض أراضيهم لروسيا مقابل إنهاء النزاع، والبدء فى السلام، ليتلقى على إثرها شتائم مهذبة من الرئاسة الأوكرانية، فيما هو على رأيه “أن الحل الغربى الحالى بإهانة روسيا لن ينهى الصراع”، مستعيدًا واقعيته الدبلوماسية فى “فض الاشتباك لحرب لا يمكن الفوز بها”، وصولًا إلى الحل السياسى.. كأفضل طريقة للخروج من مثل هذه الحروب التى لا نصر لها، ذلك على غرار مسلكه التفاوضى لتسوية الحالة الفيتنامية، ولاتفاقه المثير مع الصين، إلى الانفراج مع الاتحاد السوفيتى (السابق)، كما بالنسبة لمنهجه فى إنهاء الصراع العربى- الإسرائيلى، ما حافظ على النظام الدولى عدة مرات من الانهيار، وفى تجنيب البشرية مخاطر حرب نووية بين القوى الكبرى (وعلى غرار ما حدث فى حرب أكتوبر 1973)، ذلك من خلال اتباع حل وسط ما بين التدمير الشامل.. أو اللااستسلام، ومن ثم إلى الاكتفاء بنتائج عقيدة “الحرب المحدودة”، على أن تستكملها الإجراءات التفاوضية وصولًا إلى التسوية النهائية، ولو بعد حين، لربما يتعرض للهجوم عن هذا المنهجمن دبلوماسية الحرب.. بين القوة والسياسة، سواء من جانب الأطراف المعنية بالأزمة أو على صعيدها الإقليمى، أو حتى فى داخل الولايات المتحدة التى يراها “كيسنجر” حاليًّا على وشك الوقوع فى “خطأ إستراتيجى” على جبهتين مزمنتين فى أوكرانيا وتايوان، سوف تدفع روسيا والصين للتحالف معًا ضد الولايات المتحدة، ذلك لو لم يحصل اتفاق سياسى سريع لضمّهما إلى نظام تعددي، محذرًا الغرب من “الاستغراق فى مزاج اللحظة”، الأمر الذى غاب عنه تحذير الغرب لمثلها بين العرب وإسرائيل قبل خمسين عامًا، إذ تخوض روسيا اليوم حربين- (أوكرانيا) فى شبه جزيرة القرم، و(سوريا) فى منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لاستبعاد الغرب مشاركة الروس فى فكرة التفاوض بشأنهما، ما أبقى بذور نوازع إستراتيجية ما زالت قائمة، بأقله.. عبر نصف قرن من متابعة سياسات “هنرى كيسنجر” المتدرجة وعلى فترات نحو التسوية، خاصة فى الشرق الأوسط، ورغم أن إسرائيل كانت مؤهلة وقتئذ لقبول حل نهائى بعد صدمة 1973 فإن الأمر يبدو كذلك مع نصيحة كيسنجر بالنسبة لأوكرانيا، استكمالًا لدوره فى هيكلة النظام العالمى الجديد.