أن تكون شركة التأمين رقمًا فى معادلة السوق، أمر مهم وضروري، لكن الأهم، هل ترغب فى أن تكون على يمين المعادلة أم يسارها؟.
أظن – وليس كل الظن إثم – أن إجابة كل القائمين على إدارة شركات التأمين فى السوق، هى، الرغبة فى التواجد على يمين المعادلة –والحُكم الكلى هنا مقصود وله ما يبرره-، لكن هذه الإجابة فى حد ذاتها ستحمل فى طياتها بدلًا من التساؤل ألف، أهمها، ماذا قدمت لتكون رقمًا على يمين معادلة السوق، لتصبح إضافة لمؤشرات نموه وليست خصمًا من الرصيد الذى كونه السابقون؟.
ودون إسهاب، أن تكون شركة التأمين على يسار المعادلة، أمر يسير وسهل فى ظاهره، فليس من الصعب أن تضيف لأرصدة الأقساط المزيد من الأصفار، تتباهى بالحصيلة حينا وتتماهى بالحصة السوقية أحيانا أخرى، كل ما عليك هو أن تنحى معايير الاكتتاب الفنى جانبًا، تلقيها على قارعة الطريق، وتكتفى بسلاح واحد، ومنصة وحيدة تنطلق من خلالها، أقصد الممارسات السعرية، رغبة فى جمع الأقساط للاستفادة من عوائد استثمارها من ناحية، وكما قلت التباهى بالحصة السوقية من ناحية أخري.
لكن هل لهذا الأسلوب أعراض جانبية ؟ قد تتطور تلك الأعراض لتصبح مرضًا عضالا يصعب الشفاء منه؟ بالطبع، نعم، فكما أن الإنسان يكتب ما يقرأ، كذلك المعطيات ستؤدى لنتائج تتسق وتتفق مع طبيعة وماهية المعطيات نفسها.
ودون تفلسف، فإن الممارسة السعرية ستضيف كما قلت أصفارًا على يمين رصيد الأقساط، لكن فاتورتها ستتعاظم يومًا تلو الآخر، ومن بينها تآكل الأرباح الفنية أو ما يُعرف إصطلاحًا بفوائض الاكتتاب التأمينى، ناهيك عن عدم القدرة على إعادة المخاطر لدى شركات ذات تصنيفات ائتمانية، والتى تمثل الظهير الإستراتيجى وغطاء الحماية لشركات التأمين المباشر.
للممارسات السعرية فوائد، منها تعظيم حصيلة الأقساط والاستفادة من عوائد استثمارها، ومن ثم تعويض الخسارة الفنية، لكن، وآه من لكن، لن تجد شركة التأمين ظهيرا إستراتيجيا قويا، أقصد معيد تأمين يمكنه قبول تلك المخاطر بهذه الأسعار، ليس فقط لسوء النتائج الفنية، لكن لأن شركات الإعادة تتجرع مرارة الخسارة الفنية ولا تتذوق حلاوة عوائد الاستثمارات التى حققتها شركة التأمين، واستندت عليها لتعويض الخسارة الفنية.
وعلى كلِ، لكل سياسة ما يبررها، لكن توجد فاتورة لابد من الالتزام بسدادها، لاتقبل الجدولة وليس فى قاموسها مصطلح الديون المعدومة، فإن كنت- كشركة تأمين- ترغب فى أن تكون على يسار المعادلة، فما عليك سوى اتباع المضاربة السعرية أو حرق الأسعار، متحملًا كل النتائج والتى لاتقتصر على تآكل الأرباح الفنية، بل تراجع عوائد الاستثمار فى ظل قرارات خفض الفائدة، والأهم من ذلك فقد شريحة العملاء ممن تتعامل معهم، نظرًا لعدم القدرة على بناء مخصصات قوية، ومن ثم عدم القدرة على سداد التعويضات، وفى تلك الحالة لن تفقد ثقة العميل فيك كشركة تأمين بل فى الصناعة برمتها.
السؤال، وماذا لو أرادت شركة التأمين، أن تكون على يمين المعادلة، لتصبح رقمًا مضافًا إليها وليس مخصوما منها؟
الإجابة تكمن فى السير فى طريق آخر ومختلف، ستصل به لنفس الحصة السوقية، ولكن بوتيرة أبطأ، إلا أنها ضامنة لنقطتين، أولاهما استدامة معدلات النمو، وثانيتهما كسب المزيد من ثقة العملاء فى صناعة تقوم فى الأساس على شراء وبيع الوعد، أى وعد بالتعويض، الطريق هو الالتزام بمعايير الاكتتاب الفنى، وعدم تدخل الإدارة التنفيذية بأى شكل- تلميحًا أو تصريحًا- لمسئولى الاكتتاب لاتخاذ قرارات تتعارض مع المعايير الفنية.
قد يمتعض البعض، ولسان حاله يقول”اللى إيده فى الميه مش زى اللى إيده فى النار”، فى إشارة إلى ضغوط المساهمين فى “بعض الشركات” على الإدارات التنفيذية لتحقيق رقم معين من الأقساط!! بغض النظر عن تأثير ذلك على شركة التأمين فى الأمد المتوسط وليس الطويل.
هنا، يجب أن تتحلى الإدارة التنفيذية بشجاعة الاعتذار عن الاستمرار فى المنصب، خاصة وأن الانصياع لضغوط المساهمين، أو أى جهة، ستترتب عليه نتائج كارثية، منها على سبيل المثال، تدخل جهة الرقابة وإلزامها بزيادة رؤوس الأمول لدعم القاعدة الرأسمالية وتقوية المخصصات، وفى حال عدم الاستجابة، سيكون الخروج من السوق قرارًا حتميا ستتخذه الجهات الرقابية، حماية للعملاء بشكل خاص وللسوق بشكل عام، والمتحدة للتأمين خير مثالًا على ذلك.
والسؤال هو، هل للكيان التنظيمى دور فى ضبط إيقاع السوق، وتحسين نتائجها؟ خاصة وأنه- أى الكيان التنظيمى وهو اتحاد شركات التأمين-الوحيد المنشأ بقانون، ولديه من الصلاحيات “إن أراد” التى تمكنه من هذا الدور؟ والسؤال الآخر، ما دور جهة الرقابة فى هذه المنظومة؟
الرقابة المالية، باعتراف رؤساء الشركات خلال لقاءاتهم المنشورة فى المال، أكدت أن خطوات الرقابة المالية أسرع وأوسع من السوق، فى إشارة إلى قيام الرقيب بدوره عبر إصلاحات رقابية بقرارات مُلزمة حينا، وإصلاحات تشريعية أحيانا أخرى، وهو ما يُعيد الكرة لملعب الكيان التنظيمى، ما دوره، وما هو المنتظر منه؟
الإجابة فى مقال لاحق بإذن الله