في تحول جذري في سياستها التجارية، انتقلت الصين من محاولات التقرب إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى تبني موقف صارم قائم على تحدي العقوبات والتعريفات الأمريكية، وإطلاق حملة دبلوماسية مضادة تحشد فيها الدعم الدولي ضد ما تصفه بـ”الهيمنة التجارية الأميركية”، وفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز.
وكشفت مصادر لرويترز أن السلطات الصينية وضعت المسؤولين المدنيين في وزارتي الخارجية والتجارة في حالة “تأهب حرب”، حيث أُمروا بإلغاء الإجازات والبقاء على اتصال دائم. كما تم تعزيز الفرق المعنية بالشأن الأمريكي، خاصة من عملوا سابقًا في مواجهة سياسات ترامب خلال فترته الأولى في الرئاسة.
ويأتي هذا التحول بعد إطلاق ترامب حزمة تعريفات جمركية ضخمة في الثاني من أبريل، قال إنها تهدف إلى منع الصين ودول أخرى من “نهب” الاقتصاد الأمريكي. وردًا على ذلك، اختارت بكين الرد بسرعة غير معتادة، بفرض تعريفات مضادة شاملة حتى قبل سريان القرار الأمريكي، في خطوة وصفها مسؤولون بأنها مماثلة للإجراءات التي اتُخذت خلال جائحة كورونا، من حيث السرعة وتجاوز البروتوكولات المعتادة في صنع القرار.
دعوات لحشد دولي ضد امريكا
في إطار استراتيجيتها الجديدة، وجهت بكين رسائل رسمية إلى حكومات دول تعرضت لتعريفات ترامب، منها حلفاء للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، تدعوهم للتعاون في التصدي لنهج واشنطن، مؤكدة أهمية التعددية ورفض الأحادية الأميركية.
كما سعت الصين لصياغة إعلان مشترك داخل مجموعة العشرين لدعم النظام التجاري المتعدد الأطراف، إلا أن دبلوماسيًا أوروبيًا أشار إلى أن البيان الصيني لم يتطرق إلى المخاوف الدولية المتعلقة بدعم بكين للصناعات المحلية والمنافسة غير العادلة.
حملة إعلامية داخلية: “لن نخضع أبدًا”
داخليًا، تصدّر المسؤولون الإعلاميون في الحزب الشيوعي الحملة الدعائية المضادة، حيث انتشر على منصات التواصل مقطع مصور للزعيم الراحل ماو تسي تونغ يقول فيه: “لن نخضع أبدًا. سنقاتل حتى نحقق النصر الكامل”. وقد أُرفق هذا المقطع بتعليقات رسمية تشدد على صمود الشعب الصيني وقدرته على تحمل المصاعب أكثر من الأميركيين، في إشارة ضمنية إلى تحدي إرادة الناخب الأميركي.
وحرصت وسائل الإعلام الرسمية على تهدئة الرأي العام، مؤكدة أن المعركة الحقيقية تدار داخليًا، مع التركيز على تعزيز الإنفاق المحلي وتقليص الاعتماد على الصادرات في دفع النمو الاقتصادي، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة في قطاع العقارات.
فشل التواصل الدبلوماسي مع واشنطن
رغم محاولات بكين الحثيثة قبل التصعيد الأخير لإعادة فتح قنوات التواصل مع إدارة ترامب، إلا أن هذه الجهود لم تُثمر، وفقًا لمصادر صينية وأميركية. فالسفير الصيني في واشنطن شِي فِينغ لم ينجح في التواصل مع شخصيات أميركية مقربة من ترامب، مثل الملياردير إيلون ماسك، كما لم تُثمر محاولات وزير الخارجية الصيني وانغ يي لعقد لقاءات مع مسؤولين أميركيين كبار، بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز.
من جهتها، ترى الإدارة الأميركية أن الصين لم تُظهر استعدادًا جديًا للتفاوض، حيث رفضت مرارًا مقترحات لعقد مكالمات مباشرة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وترامب. وفي المقابل، تؤكد بكين أن النظام السياسي لديها يعتمد على العمل التمهيدي الفني قبل ترتيب القمم رفيعة المستوى.
استفادت بكين من تجارب المواجهات التجارية السابقة مع ترامب، حيث أعدت “دليل ردع” يشمل تعريفات مضادة، وقيودًا على أكثر من 60 شركة أميركية، فضلاً عن تقليص صادرات المعادن النادرة. وتواصل الصين دراسة خيارات تصعيدية إضافية مثل وقف التعاون في مكافحة الفنتانيل، وفرض قيود إضافية على واردات الزراعة والأفلام الأميركية.
وقد أعلنت وزارة المالية الصينية أن التعريفات على البضائع الأميركية بلغت الآن 125%، ولن تتم مطابقة أي زيادات مستقبلية من جانب واشنطن، واصفة الاستراتيجية الأميركية بـ”النكتة”.
ترامب: “لقد أصيبوا بالذعر”
من جانبه، قال ترامب عقب الرد الصيني: “لقد لعبت الصين أوراقها بشكل خاطئ، أصيبوا بالذعر، وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم تحمله”. وأضاف أن الصين تسعى لعقد صفقة لكنها “لا تعرف كيف تبدأ بها”.