لماذا نحتاج حكماء أُحد؟

لماذا نحتاج حكماء أُحد؟
محمد بكري

محمد بكري

9:54 ص, الأثنين, 22 نوفمبر 21

أطلقت فى مقالى السابق مصطلح (بروتوكولات حكماء أُحد)، كدعوة ليقظة عالمية تكافح 24 بروتوكولا مزيفا، تنسج خيوطها واقعا ابتلاعيا، يحتاج لاستراتيجية عالمية تزن مصالح غير اليهود فى الوجود! ورغم أغلب ردود الأفعال باستحالة اليقظة لتسرطن أوصالها، أجدها فرصة لمناقشة استراتيجيات بناء المشروعات الدولية .. ولو بعد 100 سنة! خاصة أن نصوص التوراة والتلمود والبروتوكولات تستخلص اليهود من غيرهم، بغض النظر عن الدين أو الجنسية أو اللون، فكل من هو خارجهم مُخاطب بهذه النصوص، وهو ما شجعنى لاعتبارها دعوة ليقظة عالمية،، تستوحى دروس غزوة أُحد – كمنهجية استراتيجية لا تراث دينى – يشترك فيها الجميع، بهدف توفير منافسة عادلة فى الحياة، تحترم وجود الآخر وتشترك معه فى اللعب لا تلعيبهم فقط!

القيمة النظرية/ الواقعية لجدلية البروتوكولات، كونها وثيقة أو أعرافا عالمية يتعاقب على تنفيذها أجيال وليس حكومات بعينها! فلا ترتبط بزمان أو مكان أو ظروف، ولكنها منهجية وفكر استراتيجى لحكم شمولى، تُمزج بمناهج أطفالهم حتى سياسات الكيانات عابرة القارات، المترجمة فى التشريعات والقرارات الوطنية لدول العالم.

تخيل معى طريقا طويلا به محطات متعددة، احتكرت فيه شركة سكة حديد تنصيب قضبانه وتسيير عرباته وتقديم خدماتها خلال الرحلة (الغذائية والترفيهية والعلاجية إلخ)، واستكان الركاب للرحلة وانشغلوا براحتهم ومنازعتهم وتناسلهم إلخ داخل العربات حتى تحين محطتهم! الكل يعيش ويتطور ويصل لمحطته بإدارة الشركة وعلى قضبانها، فتفرض أسعار الخدمات أو تعدل المواعيد أو تفصل العربات أو تكيفها أو تغير أفلام التسلية أو تغلق أحد مطاعمها أو تخلق صراعات بين الركاب لصرفهم عن الوصول لقيادة القاطرة أو تغيير المسار! فالقطار يسير والمحطات تتوالى والركاب يتبدلون والشركة المستفيد الوحيد! منظومة البروتوكولات الملفقة، هى كتيب الشركة فى إرشادات تسيير القطار وصيانته وتعيين محطاته بل وإدارتها تباعا. فالقضبان محددة والعربات متنوعة الدرجات، والكتيب يضمن أحوط منهجية لتزجية غرائز الركاب طول عمرهم – جنس، مال، سلطة، صراع البقاء -! فماذا يهم والسير مستمر والمحطات تتوالى والخدمات تتنوع والركاب منشغلون بأنفسهم أو باقتناص خدمات مجانية مقابل استمتاع أكبر؟

ظاهريا، هناك قضبان سير فرعية ومحطات مؤقتة وركاب يتذاكون، وموضوعيا فالقضبان فرعية للخط الرئيسى الذى يتوالى على إدارته مهندسون وعلماء وفنانون وقانونيون وماليون واقتصاديون إلخ، لضمان انتهاء الرحلة كالمنشود. النتيجة المباشرة وغير المباشرة، هى سيطرة الشركة على الخط والركاب والمحطات، وشبه انعدام خط حديدى بديل يُسمح للركاب باستقلاله أو تسييره! وبالتالى فالمنافسة شبه معدومة، والمنح والمنع وفرص الوصول مرهونة بكتيب الشركة، وظروف حياة الركاب بالعربات متلاعب بوعيها، ولو بوعى فبدون بديل، ولو اقترح بديل فتدشين خط موازٍ شبه مستحيل مع توالى المحطات والاهتمام ببلوغها!

رحلة القطار تصور نظرى لأهمية رؤية وجود خط بديل ولو بعد 100 عام! خط جديد خارج الشركة، لا يلغيها أو ينقضها ولكن يسمح برحلات أكثر عدالة وأمنا وسلامة، ينتبه فيه الركاب لمحطات جديدة يمكن تنصيبها وحصصا عالمية فى الوجود، يمكن التنافس فيها بضوابط موضوعية لا بتسييس مُسبق.

وبالرغم من عالمية الاتفاق بتزييف بروتوكولات حكماء صهيون، إلا أن آثارها حقيقة واقعة! ومع ملاحظة عدم نسبتها لفصيل معين أو جهة محددة، ظهرت للنقاش والجدل بعد تمام تدبرها وكتابتها، فى صياغة عامة مجردة ليبدع الزمن تنفيذها بتفاصيل كل عصر، حيث تم تفعيل محاورها الرئيسية عالميا بالعلم والإعلام والسياسة والاقتصاد على مدار 105 سنوات، ليحصد اليهود جوائز نوبل على مدار تأسيسها حتى عام 2018 بنسبة %37 من نوبل فى الاقتصاد، %25 فى الطب، %26 فى الفيزياء، %19 فى الكيمياء، %13 فى الأدب، %8 فى جوائز السلام الفردية (180 جائزة نوبل و48 سنة لإعلان الدولة ثم 50 سنة لتمكينها، فتمرحلهم للتوغل عالميا ماليا وإعلاميا وسياسيا وعقائديا بالدين الإبراهيمى الجديد)!

استراتيجية بناء بروتوكولات حكماء أُحد، مشروع عالمى يلزمه تخطيط استراتيجى – يتدبر الهزيمة والتعلم منها والخروج بخطة بقاء عادل – لإحداث نقلة نوعية بمجمل أداء غير اليهود على مستوى مستقبل الدول، بمشاركة واقعية لمفكرين وحكماء وعلماء اجتماع ودين واستراتيجيين وساسة واقتصاديين وصانعى القرار الفعليين بالكيانات العالمية، تركيزا بالأبعاد الكلية المستقبلية لوجود خط سير بديل، وعدم التأثر بالمشاكل والأعمال الفرعية التى قد تحرف النظرة الكلية لارتقاء بالدور الاستراتيجى المستقبلى للمشروع.

هذا المشروع يستبصر تحليلا موضوعيا لعناصر قوة وضعف غير اليهود، والفرص المتاحة والتهديدات المتوقعة للمشروع (حتى بداخل غير اليهود ذاتهم المنتفعين بخدمات القطار)، يلى ذلك تحليل الاحتياجات الواقعية لوجود خط بديل وأثر وجوده بعد 100 سنة، وتحديد القضايا الاستراتيجية المحتاجة لتغيير نوعى تدريجى لصد التوغل البروتوكولى (تصحيح التعليم، الوسطية الدينية، إعلام موازٍ، حرية فكرية، تجميع مصالح إلخ)، ثم تقييم الوضع الحالى أين نحن الآن؟ فتحديد أين نريد أن نكون بـ2022؟ فاستطلاع مستقبل الأولويات بماذا نبدأ؟ وأخيرا الإجراءات التنفيذية كيف نحقق ذلك؟

لا مجال بعد 105 سنة لنقض أو هدم بروتوكولات حكماء صهيون (المزعومة)! ولكن مستقبل الواقع يتطلب مناقشة إمكانية إصدار وثيقة واقعية موضوعية، تدرس وتحترم الآخر وتستوحى تجربته، لتضع حزمة من القواعد العامة المجردة، لتفعيلها خلال العقود القادمة. الجدير بالاعتبار أن غير اليهود هم ركاب القطار، وشركة الخطوط متوغلة فى خدماتهم وحياتهم وقراراتهم وسياستهم وتشكيل وعيهم وافتتانهم بالرحلة! واستمرار الحال كالحالى بمخططات القادم، سيضمن للبروتوكول 24 تحقق (مملكة الملك داود)، بعد 23 بروتوكولا عنكبوتى الأثر يفتت الكعكة العالمية.

من هنا نحتاج الحلم #بروتوكولات_حكماء_اُحد، كمحاولة إنقاذ وبقاء، توفر لغير اليهود منافسة عادلة فى الحياة، تحترم وجود الآخر وتشترك معه فى اللعب لا تلعيبهم فقط.

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com