“أنشطة تكميلية تحقق عوائد مستقرة لكن سيفرضها واقع الشمول المالي”.. بهذه الكلمات يرى محللون فى بنوك إستثمار محلية وخبراء بسوق المال سبب ارتفاع شهية البنوك وخاصة الحكومية منها، مؤخراً، للإستثمار والتوسع فى أنشطة الخدمات المالية غير المصرفية.
أكد المحللون أن أسعار الفائدة المنخفضة تدعم خطط البنك المركزى لتوسع البنوك فى الأنشطة غير المصرفية.
لوحظ مؤخراُ اهتمام واضح من البنوك بالتمويل غير المصرفى من خلال الاستحواذ على حصص فى كيانات قائمة بالفعل أو السعى لتأسيس أذرع متخصصة، ولعل آخرها طلب البنك الأهلى المصرى الإستحواذ على حصة أقلية فى شركة أمان للمدفوعات التابعة لراية القابضة.
واقتنصت شركة الأهلى كابيتال القابضة – الذراع الاستثمارية للبنك الأهلى – فى نهاية 2019 شركة فاروس لتداول الأوراق المالية، وذلك ضمن خطة للتوسع فى الخدمات المالية غير المصرفية وإنشاء بنك استثمار يجذب استثمارات جديدة للسوق المحلية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث بدأ بنك مصر، ثانى أكبر بنك حكومى، قبل اسابيع رفع حصته بشركة سى آى كابيتال القابضة للاستثمارات المالية من 2.4 إلى %10.6 بقيمة تجاوزت 240 مليون جنيه.
ويمتلك بنك مصر شركة بى إم للتأجير التمويلى، ويمتلك الاهلى المصرى عن طريق ذراعة الاستثمارية شركات لتداول الأوراق المالية والأهلى للتأجير التمويلى والتمويل العقارى فضلا عن الأهلى للصرافة أكبر شركة صرافة، كما يخطط البنك المصرى لتنمية الصادرات لتدشين كيان للتخصيم.
وتتنوع الأنشطة المالية غير المصرفية التى تساهم فيها البنوك المقيدة بالبورصة المصرية، فعلى سبيل المثال يمتلك بنك التعمير والاسكان باقة مختلفة من الشركات تتوزع بين التاجير التمويلى والسمسرة والتمويل العقارى وصناديق الاستثمار وإدارة المحافظ المالية.
ولدى بنك أبو ظبى الاسلامى حصصاُ فى عدة كيانات تتخصص فى الترويج وتغطية الاكتتاب والاستثمارات المالية بالاضافة إلى اديليس للتأجير التمويلى، وبالمثل يمتلك بنك قطر الوطنى الأهلى ذراعاً للتخصيم وادارة الأصول وقطر الوطنى للتاجير التمويل، ويمتلك بنك فيصل الإسلامى أذرعاً للسمسرة والصرافة فضلاً الدولية للتاجير التمويلى.
مباشر: يحمل معدلات نمو إيجابية مع انخفاض حجم المتعاملين مقارنة بمتوسط الدول المماثلة
قال هشام الشبينى رئيس قطاع البحوث بشركة “مباشر” لتداول الأوراق المالية إن أنشطة الخدمات المالية غير المصرفية مكملة لانشطة البنوك التجارية، موضحاً أن الخدمات المالية تنمو بشكل كبير حول العالم ويدعمها فى مصر الشمول المالى الذى تستهدف الحكومة تعظيمه.
وأشار إلى أن النظرة المستقبلية للقطاع البنكى والخدمات المالية غير المصرفية فى مصر ايجابية نظرا لانخفاض حجم المتعاملين مع البنوك مقارنة بالمتوسط فى الدول المماثلة ما يحمل معدلات نمو كبيرة على المدى البعيد.
وأوضح أن تطبيق الشمول المالى وإدخال الاقتصاد الغير الرسمى تحت مظلة الاقتصاد الرسمى لن يتم إلا من خلال التعامل مع البنوك بأنشطتها المصرفية وغير المصرفية، لافتاً إلى أن شركات الخدمات المالية تعد أشبه بوكلاء للبنوك لأنها تحصل على تمويلات وتسهيلات بشكل مستمر من البنوك لاعادة اقراضها للعملاء بشكل اسرع.
ولفت إلى أن دخول البنوك الحكومية إلى هذه الأنشطة قد يكون الية للتحوط ضد المخاطر المستقبلية بحيث تكون لديها شركات تعمل فى هذا النشاط لكن بشكل مباشر، فضلا عن أنها وسيلة لدعم نتائج أعمال البنوك بشكل أكبر باعتبار ان العائد أعلى.
وأكد رئيس قطاع البحوث فى “مباشر” أن نتائج أعمال البنوك الفترة الاخيرة كشفت عن رفع مخصصات خسائر أنشطتها التجارية التقليدية، وبالتالى تأتى الخدمات المالية كنشاط داعم.
وأشار “الشبيني” إلى أن مساهمة الخدمات المالية غير المصرفية فى إيرادات المجموعة المالية هيرميس على سبيل المثال اصبحت أكبر من أى وقت سابق ما يشير إلى اهميتها بالنسبة لشركات الاستثمارات المالية وبنوك الاستثمار الكبرى.
وأوضح أن العائد على حقوق المساهمين فى البنوك المصرية خلال السنوات الاخيرة كان من العوائد الأعلى على مستوى العالم بفضل استثماراتها فى ادوات الدين مرتفعة العائد لكن اصبحت البنوك أصبحت تواجه تحد فى الوقت الحالى فى ضوء انخفاض أسعار الفائدة.
ولفت إلى أن نسبة القروض إلى الودائع كانت حوالى %40 وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزى فى وقت سابق، مقابل دول اخرى تصل إلى %90 موضحاَ ان مستهدفات المركزى كانت تشير إلى زيادتها لكن جاءت كورونا لتحول دون تنفيذ ذلك.
إتش سى: تتميز بتحقيق عائد أعلى من الأنشطة التجارية
قالت مونيت دوس محلل أول الاقتصاد الكلى وقطاع الخدمات المالية ببنك الإستثمار “إتش سي” إن العائد بالخدمات المالية غير المصرفية مرتفع، فعلى سبيل المثال فى قطاع التمويل المتناهى الصغر يتجاوز هامش العائد من الفائده مستوى %20 وبالتالى ستستفيد منها البنوك التجارية حال الاستحواذ على كيانات تعمل فى هذا القطاع.
وأشارت “دوس” إلى أن القيود على شركات التاجير التمويلى اقل من البنوك إذ أن شركات التأجير لديها مساحة أكبر من البنوك فى الاقراض للكيانات المختلفة وبشكل أسرع.
وأوضحت أن هامش العائد من الفائدة من أنشطة التأجير التمويلى يتشابه مع هوامش ربحية أنشطة البنوك التجارية التى تتجاوز %5 تقريباً، وكلاهما يرتبطان اكثر بمعدلات الفائدة بالبنوك.
وترى محلل الخدمات المالية باتش سى أن تكلفة الودائع بالبنوك التجارية اصبحت مرتفعة بينما العائد من الاقتراض منخفض خاصة مع التراجع الكبير فى اسعار الفائدة بواقع %3 دفعة واحدة.
وتوقعت “دوس” دخول عدد أكبر من البنوك إلى نشاط الخدمات المالية غير المصرفية معتبرة أن ذلك يشكل فرصاً للبنوك الخاصة والعامة على حد السواء، موضحة أن صفقة استحواذ “هيرميس” على بنك الاستثمار العربى سيدعم الأولى ليصبح لها ذراع مصرفى.
يرى ابانوب مجدى محلل أول قطاع البنوك والمؤسسات المالية فى بنك الاستثمار “بلتون” أن عدداً كبيراً من المواطنين لم يستفيدوا حتى الان من ادوات الخدمات المالية غير المصرفية وبالتالى يحمل القطاع معدلات نمو مستقبلية ايجابية.
وأوضح “مجدي” أن غالبية البنوك الحكومية على سبيل المثال تمتلك أذرعاً للتاجير التمويلى كبنك مصر وهى أنشطة تعمل بنفس آليات الاقتراض العادية لنشاط البنوك، كذلك ادوات التمويل متناهى الصغر عليها طلب كبير من السوق فى الوقت الحالى.
ولفت إلى أن مصر بيئة خصبة لنمو قطاع التمويل المتناهى الصغر مثلها مثل الهند وباكستان التى نجحت فى زيادة هذا النشاط وذلك بالتماشى مع جهود الدولة لوضع تشريعات منظمة للتمويل متناهى الصغر والتأجير التمويلى والتمويل الاستهلاكى.
وأشار إلى أن نسبة توظيف أموال البنوك بغرض الإقراض ضعيفة وهى الأقل فى الوطن العربى ما يعطى البنوك فرصة لتحسين الاقراض مستقبلاً لكن ظروف كورونا حالت دون ذلك فضلا عن أنه من الناحية الاخرى تمتلك الشركات الغير مصرفية مقومات اهمها السرعة.
وأوضح أن البنوك كنشاط تجارى يمكنها الدخول فى انشطة التمويل الاستهلاكى لكن التمويل متناهى الصغر يتطلب عدداً كبيراً من الفروع والموظفين فى القرى والنجوع والوصول إلى أكبر قدر من العملاء.
وأكد أن البنوك الحكومية مثل الاهلى ومصر والاسكندرية والقاهرة تلعب نشاط التمويل المتناهى الصغر قبل ظهور شركات متخصصة فى هذا النشاط لكن وجدوا أنه من الأسرع والأكثر استفادة أن تقوم الشركات المتخصصة بتنفيذ النشاط وتكون تابعة لها فى نفس الوقت.
وأشار إلى أن تكلفة حصول البنوك على ودائع العملاء اقل من تكلفة حصول شركات التمويل غير المصرفى على نفس الأموال لان الثانية تؤخذ فى صورة قروض يتم اعادة اقراضها بفائدة أعلى وبالتالى تحقق شركات التاجير التمويلى هوامش ربحية تقترب من البنوك العادية.
بلتون: الاقتراض من الكيانات المالية أسرع.. وعائد «متناهى الصغر» بين 30 و%35
ولفت محلل قطاع البنوك فى بلتون إلى أن الفائدة على نشاط التمويل متناهى الصغر مرتفعة للغاية تصل فى بعض الأحيان إلى 30 و%35 يتم تحصيلها خلال مدة قصيرة وبالتالى تكون أكثر ربحية ويتم إعادة دوران راس المال بشكل أسرع فى هذا النشاط.
وأشار إلى أن قطاع التمويل متناهى الصغر اصبح يضم شركات تابعة لقطاع خاص مثل هيرميس وسى اى كابيتال وغبور وإم إم جروب وكذلك شركات تتبع البنوك الحكومية.
وأكد أن البنوك التجارية لا تركز فى الأساس على تحقيق الربحية من اقتحام الانشطة المالية غير المصرفية، لكن هدفها تقديم خدمات مالية متكاملة للعملاء، موضحاً ان غالبية البنوك على مستوى العالم تندرج تحتها هذه الانشطة بالاضافة إلى أنشطة بنوك الاستثمار التقليدية.
وأوضح أن معدلات نمو محافظ أنشطة قطاع الخدمات المالية غير المصرفية تتجاوز المعدلات المحققة فى الانشطة التجارية للبنوك لتصل إلى مستوى الـ %20 سواء التأجير التمويلى أو التمويل المتناهى الصغر، اما التمويل الاستهلاكى لم يتضح بعد نظراُ لحداثته وصدور القانون الخاص بتنظيمه فى وقت قريب.
وتوقع مجدى ركوداً فى الأنشطة التجارية للبنوك خاصة فى البنوك الخاصة نتيجة طرح أوعية ادخارية تنافسية من البنوك الحكومية بعائد يصل إلى %15، موضحاً ان البنوك الحكومية لديها أهداف اجتماعية أكبر اهمها مساعدة الاقتصاد المحلى على النمو.
وأوضح أن نشاط خدمات بنوك الاستثمار مثل الاندماجات والاستحواذات والطروحات والسمسرة وادارة الأصول وغيرها تتاثر بظروف السوق وبالتالى بدات الشركات المالية الدخول فى الانشطة غير المصرفية لانها تحقق عائداً ثابتاً يضمن ربحيتها.
عبدالقادر: فرصة استثمارية فى ظل انخفاض أسعار الأسهم على شاشات التداول
قال عامر عبدالقادر رئيس قطاع الوساطة للتطوير بشركة “بايونيرز” لتداول الأوراق المالية إن غالبية المؤسسات المالية ومنها البنوك بدات فى استغلال الظروف الحالية بترتيب اوضاعها وبدات تستحوذ على حصص من السوق نظرا لتداول الاسهم باسعار متدنية للغاية.
وأشار “عبدالقادر” إلى أن توافر مركز مالى قوى للبنك الاهلى سيدعم شركة فاروس التى استحوذ عليها مؤخراً، كذلك بنك مصر الذى اقتنص حصة من شركة سى اى كابيتال بسعر مناسب مقارنة بسعر الطرح فى البورصة قبل سنوات، وبالتالى فهى عملية اقتناص فرصاً استثمارية بالنسبة للبنوك.
ولفت رئيس قطاع الوساطة فى بايونيرز إلى أن دخول البنوك إلى الانشطة المكملة هو امر طبيعى مثل كافة الدول التى تمتلك فيها البنوك شركات السمسرة مما سيعطى عمقاً وقوة للسوق.
وأوضح أن الحكومة بدأت تفعيل جميع خدماتها بشكل اليكترونى مدعومة بتشريعات قوية منظمة ما يحمل فرص نمو كبيرة لقطاع الخدمات المالية غير المصرفية والمدفوعات فى المستقبل ويرفع اسعار اسهمها بالبورصة.
حسين: دوران رأس المال أسرع.. والمخاطر أقل.. والفائدة تصل إلى %40 ببعض الأنشطة
ويرى تامر حسين المحلل المالى بشركة “ميداف” القابضة للاستثمار أن اتجاه الدولة لتطبيق نظام الشمول المالى فى كافة القطاعات يضمن التوسع فى أنشطة الخدمات غير المصرفية.
وأشار “حسين” إلى أن الاجراءات التى تتخذها الشركات المالية لتنفيذ طلبات عملائها من الاقتراض أسرع من الاجراءات المتبعة فى البنوك فمثلا الحصول على موافقة للاقتراض فى البنك تصل إلى ما بين 3 و6 شهور أما فى الشركات المالية تبلغ حوالى شهر.
وأوضح أن المؤسسات الكبرى يمكنها الانتظار للحصول على احتياجاتها التمويلية نظرا لقدرتها المالية القوية، اما الكيانات الصغيرة فتكون أكثر احتياجاً للتمويل نظراً لسرعة معدلات دوران راس المال داخل هذه الكيانات.
ولفتت إلى أن سوق تمويل متناهى الصغر والاستهلاكى قوية محليا ومعدل المخاطر فى سداد قروضها “ضئيلة” وبالتالى تصبح معدلات دوران راس المال سريعة للغاية.
وأكد المحلل المالى فى “ميداف” أن معدل الفائدة فى التمويل المتناهى الصغر تصل إلى %40 فى بعض الكيانات وبالتالى البنوك اصبح لديها سوق واسع للتعامل مع هذه الفئة.
ويرى ان غالبية البنوك اصبحت تحقق الجزء الاكبر من ايراداتها عبر موارد اخرى بخلاف الاقراض مثل عمولات خطابات الضمان وتسجيل التحويلات وغيرها من “خدمات مصرفية” وتدعم الخدمات المالية هذه الموارد.
وأشار إلى أن اتجاه هيرميس للاستحواذ على بنك الاستثمار العربى يهدف إلى توفير ظهير مالى قوى «مؤسسة مالية مصرفية».
يذكر أن البورصة تضم باقة متنوعة من الاسهم التى تقع تحت مظلة الخدمات المالية غير المصرفية اذ إنضمت “فورى للمدفوعات” لسوق المال العام الماضى.
كما استحوذت شركة “ابتكار” للتمويل الاستثمارى، التى يضم هيكل ملكيتها كلا من “إم إم جروب” و”بى إنفستمنتس” المدرجتين فى البورصة على نحو 70 % من شركة تطوير نظم البرمجة والدفع الإلكترونى “مصارى”، كذلك تمتلك شركة “راية القابضة” ذراعاً فى الدفع الإلكترونى “أمان”.
وسبق أن اشترت “إم إم جروب” 60 % من “BEE” للدفع الالكترونى مقابل 156 مليون جنيه، علماً بأن عددا من الشركات القابضة تمتلك أذرعاً للخدمات المالية المصرفية، وعلى رأسها “المجموعة المالية –هيرميس” و”سى آى كابيتال” القابضة و”جى بى أوتو” عبر ذراعها “جى بى كابيتال”، و”راية القابضة”، و”إم إم جروب”، و”بى إنفستمنتس”.
ولعب قطاع الخدمات المالية دورًا محوريا فى نمو عمل بنوك الاستثمار المقيدة خلال 2019 والمساهمة فى تعظيم العائد بحسب القوائم المالية المجمعة لعدد من الشركات المقيدة بالبورصة، إذ استحوذ القطاع فى بعض الأحيان على نصف الإيرادات الإجمالية لبعض الكيانات العاملة بالسوق، ومنها المجموعة المالية هيرمس، و”سى آى كابيتال”.
وبرغم أزمة كورونا التى ضربت غالبية انشطة الاستثمار، حقق قطاع الخدمات المالية غير المصرفية أداء قوياً خلال الربع الأول من 2020، وذلك بحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية، علما بان الهيئة دعمت القطاع بتأجيل أقساط عملاء التاجير التمويلى والتخصيم 6 اشهر وترحيل نسبة %50 من اقساط ابريل ومايو للتمويل المتناهى الصغر.
وارتفعت أرصدة التمويل المتناهى الصغر خلال الربع الأول إلى 17.84 مليار جنيه، مقابل 12.65 مليار خلال الفترة المماثلة من 2019، كما قفزت عقود التاجير التمويلى خلال نفس المدة إلى 16.38 مليار جنيه مقابل 13.72 مليار جنيه، وضخت شركات التمويل العقارى تمويلات بقيمة 687.4 مليون جنيه مقابل 440.7 مليون جنيه الفترة المماثلة.