لماذا‭ ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الخصخصة؟

لماذا‭ ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الخصخصة؟
حازم شريف

حازم شريف

10:30 ص, الأحد, 8 مايو 05

قبل‭ ‬نحو‭ ‬أسبوعين،‭ ‬تحول‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي،‭ ‬عقده‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬وزير‭ ‬الاستثمار،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬المحاكمة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أغلب‭ ‬الصحفيين‭ ‬الحاضرين‭ ‬لبرنامج‭ ‬الخصخصة‭ ‬عموما،‭ ‬ولتسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬تنفيذ‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭.‬

خرجت‭ ‬الطلقة‭ ‬الأولى‭- ‬ويا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مفاجأة- ‬من‭ ‬زميلة‭ ‬فاضلة‭ ‬بإحدى‭ ‬الصحف‭ ‬القومية‭ ‬‮«‬الرسمية‮»‬،‭ ‬علت‭ ‬نبرة‭ ‬صوتها‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬ارتعاش،‭ ‬يكاد‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬التوسل‭ ‬والاستغاثة‭ ‬مخاطبة‭ ‬الوزير‭: ‬يا‭ ‬دكتور‭ ‬أنا‭ ‬مش‭ ‬فاهمة‭ ‬ليه‭ ‬السرعة‭ ‬دي؟،‭ ‬أنتوا‭ ‬كدا‭ ‬بتضعفوا‭ ‬الدولة!، ‬إحنا‭ ‬مش‭ ‬ضد‭ ‬الخصخصة،‭ ‬بس‭ ‬مش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حاجة،‭ ‬ومش‭ ‬بالشكل‭ ‬دا!.

‬ وسرعان‭ ‬ما‭ ‬توالت‭ ‬انتقادات‭ ‬الزملاء،‭ ‬وكلها‭ ‬إما‭ ‬تمحورت‭ ‬على‭ ‬معارضة‭ ‬مبدأ‭ ‬الخصخصة‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬معارضة‭ ‬التوسع‭ ‬في برنامجها،‭ ‬ليشمل‭ ‬قطاعات‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬إستراتيجية،‭ ‬كالأسمنت‭ ‬والبنوك‭ ‬والأسمدة‭ ‬وغيرها‭.

ودارت‭ ‬مناقشات،‭ ‬دافع‭ ‬الوزير‭ ‬خلالها‭ ‬عما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الحكومة،‭ ‬مستهلا‭ ‬حديثه‭ ‬بسؤال‭ ‬بسيط‭ ‬طرحه‭ ‬على‭ ‬الحاضرين‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الدكتور‭ ‬فتحى‭ ‬سرور‭ ‬الشهيرة -ربما لتبين مدى صلابة الأرضية التي يقف عليها :‬من‭ ‬كان‭ ‬منكم‭ ‬مع‭ ‬الخصخصة‭ ‬فليرفع‭ ‬يده؟.

ومن‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬صحفيا،‭ ‬ضاقت‭ ‬بهم‭ ‬غرفة‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بالوزارة،‭ ‬كنت‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬سبعة‭ ‬زملاء،‭ ‬قاموا‭ ‬برفع‭ ‬أيديهم -زي الشطار- تآييدا للخصخصة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬امتنع‭ ‬الباقون،‭ ‬لأسباب‭ ‬متباينة،‭ ‬إما‭ ‬الرفض‭ ‬التام‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬الزؤام،‭ ‬أو‭ ‬الرفض‭ ‬للصياغة‭ ‬المطلقة‭ ‬للسؤال،‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬نوع‭ ‬وشكل‭ ‬ومدى‭ ‬وشروط‭ ‬الخصخصة،‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬بصدد‭ ‬قبولها‭ ‬أو‭ ‬رفضها‭.‬

والواقع‭ ‬أنني‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬معرفتي‭ ‬بالدوافع‭ ‬والأسباب‭ ‬المختلفة،‭ ‬التي‭ ‬حدت‭ ‬بزملائى‭ ‬‮«‬الموتورين‭ ‬المأجورين‮»‬‭ ‬الموافقين‭ ‬من‭ ‬أمثالى‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬أيديهم‭ ‬للإجابة‭ ‬بنعم‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬الوزير،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أقر‭ ‬وأعترف،‭ ‬وبرغم‭ ‬بساطة‭ ‬السؤال‭ ‬المخلة،‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬فى‭ ‬نيتي‭ ‬وضميري‭ ‬التأييد‭ ‬المطلق‭ ‬للخصخصة،‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬شروطها‭ ‬ومعدلاتها‭ ‬ومداها‭.‬

ليس لما ساقه‭ ‬الوزير‭ ‬من‭ ‬تبرير‭ ‬لها -رغم وجاهته-، ‬استعرض‭ ‬خلاله‭ ‬تجارب‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬فشل‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬وتدخل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والاتجاه‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬وتدعيم‭ ‬دورها‭ ‬كرقيب‭ ‬ومنظم‭ ‬للنشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والأسواق،‭ ‬وليس‭ ‬لما‭ ‬ذكره‭ ‬عن‭ ‬الضرورات‭ ‬الداخلية،‭ ‬التي‭ ‬تحتم‭ ‬الإسراع‭ ‬بالخصخصة،‭ ‬كمشكلة‭ ‬المديونية‭ ‬المتضخمة‭ ‬المتراكمة‭ ‬على‭ ‬الشركات،‭ ‬وعدم‭ ‬فعالية‭ ‬إدارة‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬وضعف‭ ‬رد‭ ‬فعلها‭ ‬تجاه‭ ‬الأحداث‭ ‬المختلفة‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬الأعمال،‭ ‬وعجزها‭ ‬التام‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المنافسة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬سٍّريحا‭ ‬متجولا‭ ‬ببعض‭ ‬الملابس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬سلسلة‭ ‬محلات‭ ‬كهانو‭ ‬وبنزايون‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭ ‬القديمة،‭ ‬للقطاع‭ ‬العام‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الناصري،‭ ‬‮«‬الجملة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬عندي‭ ‬وليست‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الوزير‮»‬‭.

‬ لكني‭ ‬أوافق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬الخصخصة‮»،‬‭ ‬وأؤيدها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬لنفس‭ ‬السبب‭ ‬الذى‭ ‬ترفضها‭ ‬لأجله‭ ‬الزميلة‭ ‬الفاضلة،‭ ‬وهو‭ ‬أنها‭ ‬تضعف‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولة!.

أجل، ‬تخف‭ ‬من‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الأنشطة‭ ‬الأخرى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية، ترفع‭ ‬سطوتها‭ ‬عن‭ ‬منظمات‭ ‬الأعمال،‭ ‬واتحادات‭ ‬العمال،‭ ‬والنقابات‭ ‬المهنية،‭ ‬والجمعيات‭ ‬الأهلية،‭ ‬وكافة‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنى‭.‬

تجعل‭ ‬جماعات‭ ‬المصالح‭ ‬والضغط‭ ‬المختلفة،‭ ‬تمارس‭ ‬أدوارها،‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فينشأ‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالمجتمع‭ ‬التعددي‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬والذي‭ ‬يقر‭ ‬بتعدد‭ ‬المصالح‭ ‬وتعارضها،‭ ‬وتصارعها،‭ ‬بما‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬في‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬الوطن،‭ ‬وليس‭ ‬الوطنطن‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬عندنا‭.

‬ تجبر‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬دورها‭ ‬كرقيب‭ ‬للأسواق -وليس على الضمائر-،‭ ‬وتدفعها‭ ‬بقوة‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬للمستهلكين‭ ‬والصناع‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.

‬ في‭ ‬مجتمع‭ ‬كهذا،‭ ‬ينشد‭ ‬رئيس‭ ‬منظمة‭ ‬الأعمال‭ ‬بصدق‭ ‬رضا‭ ‬أقرانه‭ ‬ممن‭ ‬يملكون‭ ‬حق‭ ‬عزله‭ ‬وانتخابه،‭ ‬وليس‭ ‬عطف‭ ‬الدولة‭ ‬وتفضلها‭ ‬عليه‭ ‬بالمنع‭ ‬أو‭ ‬المنح، وينشغل‭ ‬الزعيم‭ ‬النقابي‭ ‬بتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬زملائه‭ ‬العمال،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التفرغ‭ ‬لإعلان‭ ‬المبايعة‭ ‬لكبار‭ ‬المسئولين،‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬تبوء‭ ‬مقعد‭ ‬وزير‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭!‬.

وأخيرا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬‮«‬الديمقراطي‮» ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعنيني‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الانساني، و‬‮«‬الرأسمالى‮»‬ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انشغل‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ستفكر‭ ‬الزميلة‭ ‬الفاضلة‭ ‬التي‭ ‬أفنت‭ ‬عمرها‭ ‬في‭ ‬صدق‭ ‬وإخلاص‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬للجريدة‭ ‬القومية‭ ‬ومن‭ ‬الجريدة‭ ‬القومية‭ ‬للوزارة‭ ‬ومن‭ ‬الوزارة‭ ‬للبيت، ‬ستفكر‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬صوتها،‭ ‬لنقيب‭ ‬للصحفيين،‭ ‬ينشغل‭ ‬عن‭ ‬مصالحهم،‭ ‬بالتأييد‭ ‬والمبايعة‭ ‬والتهليل،‭ ‬تحسبا‭ ‬لموسم‭ ‬التجديد‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الصحفية،‭ ‬والذى‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬يأتى‭ ‬أبدا‭!‬.