توقيت زيارة وزير الخارجية الروسى للقاهرة 12 أبريل الحالى ليس من قبيل الجولات الدبلوماسية الروتينية، إذ سبقها نشاط لافت لمبعوثين روس إلى المنطقة من شرقى السويس إلى شرق البحر المتوسط، كما وتجيء زيارته لمصر فى إطار اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجى الموقَّعة بين مصر وروسيا أكتوبر 2018 غير أنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا فى يناير الماضى، بالتوازى مع احتدام أزمة «سد النهضة» الإثيوبى حول الحقوق المائية لدولتى المصب- مصر والسودان- من حيث تهديد الملء الثانى لخزانات السد (74 مليار متر مكعب) فى يوليو المقبل- للأمن القومى المصرى كخط أحمر لا يمكن لمصر التجاوز عنه دون إبرام اتفاق قانونى مُلزم لإثيوبيا، وهى التى تراوغ تفاوضيًّا كسبًا لمزيد من الوقت خصمًا من المصالح الحيوية المصرية، الأمر الذى من الضرورة بمكان أن يجرى بشأنه أدوار تنسيقية لمصر مع حلفاء دوليين، كما بين القاهرة وموسكو، خاصة فى ضوء تحريض أطراف إقليمية ودولية لإثيوبيا نحو المزيد من التعنت، ما يضاعف من أهمية العمل لترتيب سبل معالجتهما- كحليفين- للأزمة الموشكة أن تتحول إلى حرب حول المياه، ذلك ما لم تتعادل كفّتا المواجهة بين الجانبين، على طرفيْ نقيض، إزاء ما يطلق عليها «دبلوماسية الحرب»، مما قد يجنّب المنطقة المزيد من أهوال عدم الاستقرار جراء أحداث عاصفة، القاهرة فى القلب منها بحكم وضعيتها الجيوسياسية، كما لا يمكن لموسكو غض الطرف عن مخاطرها، سواء بوصفها الأقرب إلى مصر داخل الإقليم منذ منتصف الخمسينيات أو سواء لكونها حقيقة سياسية عسكرية فى المنطقة منذ عاد نفوذها إليها منتصف العقد السابق، ونظرًا لشراكاتها لمصر فى 2013 من خلال المنظومة 2+2 بين وزيرى الخارجية والدفاع للبلدين.. التى تطورت فى السنوات التالية إلى المزيد من التعاون فى مختلف المجالات الحيوية بينهما (..) بحيث يمكن القول بتجاوزهما إلى غير رجعة.. مرحلة الانحسار السابقة بينهما- الظرفية المؤقتة- وليعود الدفء الإستراتيجى من ثم إلى أوصال علاقتيهما، الأمر الذى يسهم بشكل أو آخر فى اكتساب روسيا حلفاء جدد أو محتملين فى الشرق الأوسط، حتى فى تميز علاقتها مع أطراف إقليمية بينها وبين الآخرين عداواتٌ قائمة، بحيث باتت موسكو مؤهلة كى تباشر دور «مكوك الأزمات» Trouble Shooter لتسوية معضلات الإقليم المزمنة (..) وبالتعاون مع مصر التى يشيد «لافروف» «بدورها ركيزة أساسية للأمن والاستقرار فى محيطها الإقليمى»، ناهيك عن أهمية التشاور المتبادل بينهما بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية، بما فى ذلك تقارب رؤاهما حول التطورات الحالية لقضية «سد النهضة»، حيث سجل وزير الخارجية الروسى موقف بلاده الثابت برفض المساس بالحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، ورفضها للإجراءات الأحادية فى هذا الصدد.
إلى ذلك، ورغم الصياغات الدبلوماسية التى تضمّنها البيان عن البلدين بشأن مستقبل تسوية أزمة سد النهضة، فمن المؤكد صرامة موقف روسى المؤيد لحقوق مصر المائية فى مواجهة المواقف المراوِغة لإثيوبيا، ومن هى فى معيتهم من محرّضين يدفعونها إلى «تعطيش» مصر أو نحو استنزافها- كضرورة أمن قومي- فى مواجهات عسكرية داخل مسرح عمليات ليس من اختيارها، وتلعب فيه قوى خفية أدوارًا متكتمة ضدها، إلا باستباق روسيا تفعيل مقتضيات اتفاق التعاون الإستراتيجى مع مصر الذى دخل حيز التنفيذ قبل ثلاثة شهور، ما قد يدفع إثيوبيا، ومَن هى فى معيتهم، إلى مراجعة مواقفهم التفاوضية المراوِغة، والاتجاه من ثم إلى توقيع اتفاق قانونى مُلزم بشأن استخدامات مياه نهر النيل من خلال تسوية تفاوضية تَحول دون اندلاع حربٍ موشكة الكلُّ فيها خاسر.