أكد محللون وخبراء مصرفيون وجود مجموعة كبيرة من الإجراءات والسياسات النقدية والمالية يجب انتهاجها، وذلك بالتزامن مع اعتماد سياسة تحرير الصرف المرن أو التعويم سواء كان مدارا أو بشكل كلى.
وأضافوا، فى تصريحات خاصة لـ«المال» أن هذه الإجراءات والتحركات – التى سنبسط القول فيها بعد قليل – تهدف إلى دعم مسيرة الإصلاح الاقتصادى والخروج من الأزمة الحالية.
وشدد المحللون والمختصون على أهمية الأخذ بعين الاعتبار مقدار ما تحتاجه الدولة على مدى عام كامل من النقد الأجنبى، والسعى إلى توفيره بطرق مختلفة، مع وجود قدر من الأمان المالى والنقدى، وأريحية فى التعامل مع الأزمات التى قد تطرأ بين الحين والآخر، لا سيما فى ظل التقلبات الجيوساسية التى تلقى بظلال وخيمة على الاقتصادات العالمية ككل.
قال الدكتور فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب: إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى ينص على أن تحرير سعر الصرف يكون تدريجيا ومدارا من قبل البنك المركزى، وذلك ما تم بالفعل يوم 27 أكتوبر الماضى، وبموجبه تحرك سعر الدولار من 19 إلى 24.60 جنيه.
وأضاف، فى تصريحات لـ«المال»، أن برنامج الإصلاح الاقتصادى مع الصندوق مدته 4 سنوات، وسيكون هناك تقييم لأداء الاقتصاد المصرى كل 6 أشهر من قبل خبراء الصنوق مع الحكومة، لضمان جودة تنفيذ إجراءات البرنامج، ولصرف الشرائح المتتالية من القرض.
وعن استمرار أزمة نقص المعروض النقدى من العملة الأجنبية رغم تحرير سعر الصرف، أضاف الفقى أنه بعد صدور الموافقة النهائية من مجلس إدارة صندوق النقد الدولى على القرض والذى قد تصل قميته إلى 3 مليارات دولار، إضافة إلى مساهمات أموال شركاء التنمية، تنتهى مشكلة نقص العملة الأجنبية.
وعرّف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب السوق السوداء، بأنها عبارة عن تعاملات غير منظمة، واحتياجية، يلجأ إليها الفرد حال عدم قدرة البنك على توفير جميع ما يطلبه من عملات أجنبية، فيذهب إلى سماسرة، حتى وإن كان سيشترى العملة بسعر أعلى من البنك.
وأشار إلى أنه لا يوجد تحرير آخر لسعر الصرف على وشك الحدوث كما يدعى البعض، فالبنك المركزى حررالعملة بالفعل لتحدد قيمتها بناء على قوى العرض والطلب فى السوق بشكل مدار ومتدرج، وأن السعر الحقيقى للعملة قد لا يكون هو نفسه فى السوق السوداء، وذلك لكونها سوق معاملات غير منظمة من الأساس.
وأضاف، السوق حاليًا لا تزال غير مستقرة، وبالتالى لا بد أن ننتظر حتى تدخل الشريحة الأولى من قرض الصندوق لخزائن البنك المركزى، ومن ثم سيختلف الوضع.
وعن سؤاله بشأن الاكتفاء بقرض صندوق النقد لحل مشكلة نقص العملة الأجنبية، أوضح أن الصندوق ما كان ليوافق على منح مصر قرضًا جديدًا لولا ثقته فى قدرة الاقتصاد المصرى على السداد، وتنفيذ برنامج الإصلاح كما يجب، مشيرًا إلى أن مفاوضات القرض كانت دقيقة وشاقة، حيث استمرت لمدة 7 أشهر، وتم مراجعتها من قبل الخبراء، وانتهى الاتفاق إلى تنفيذ Prior Actions أى الإجراءات المسبقة الواجب اتخاذها قبل منح التمويل، والتى كانت تنصب على الطروحات ودور القطاع الخاص، وتحرير سعر الصرف، وإنهاء تكدس البضائع فى الجمارك، والدعم، ومبادرات البنك المركزى والتى تم إلغاء مبادرة الصناعة بفائدة %8، ونقل مبادرات أخرى للوزارات التابعة، كوزارة المالية والإسكان والسياحة.
وأكد أن الاقتصاد فى فترات عدم اليقين يتوقف على التوقعات، ويتوجب أن تكون تلك التوقعات رشيدة حتى لا تُحدث آثارًا سلبية، مضيفًا أن البنك المركزى فى الفترة المقبلة لا يعتمد على الأموال الساخنة، وأن سعر الصرف لم يعد مثبتًا كما كان فى السابق، على الأقل طيلة الأربع سنوات مدة الإصلاح.
وأوضح أن من ضمن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد، أن الاحتياطى الأجنبى لدى البنك المركزى ازداد بحوالى 121 مليون دولار حسب أحدث بيانات.
ومن جانبها قالت سهر الدماطى، الخبير المصرفى، إنه من العسير جدًا الحديث عن عدم نجاح التعويم، إذ يعنى هذا انهيارًا كاملًا للعملة المحلية وارتفاعًا غير مسبوق ولا مبرر للأسعار.
وأضافت أنه إذا كانت هناك رغبة جادة فى إنجاح هذه السياسة المالية الخاصة بتحرير سعر الصرف، فمن المحتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتحركات، بالتوازى مع التعويم، لضمان إنجاح هذه السياسة.
وتابعت: إن هذه الإجراءات المقترحة تتمثل فى: حصر الاحتياجات الخاصة بالدولة من السلع والخامات اللازمة للإنتاج لمدة عام كامل، ثم العمل على توفيرها بشتى الطرق الممكنة.
واقترحت أن يتم اللجوء إلى الحصول على قرض طويل الأجل من دولة أو اثنتين فى الشرق الأوسط، بغرض تغطية هذه الاحتياجات المشار إليها آنفًا.
وبيّنت أنه من الممكن أن يكون هذا القرض دوّارا أو طويل الأجل، إذ لن يمثّل هذا فارقا كبيرا، حسب قولها، وإنما المهم أن نلجأ إلى هذه الفكرة وتطبيقها عمليًا.
وأشارت إلى أنه من الممكن أيضًا السماح لعدد من المستثمرين الأجانب بإجراء بعض الاستحوذات فى البورصة، فمن خلال ذلك ستتمكن الدولة من سداد بعض ديونها أو المستحقات المالية.
وتابعت: إذا كانت الدولة تعمد إلى إجراء بعض التعاقدات لبيع الغاز، فقد اقترحت أن تحصل على مستحقات هذه التعاقدات مقدمًا، ومن خلال هذه الطريقة ستتمكن من تدعيم الاحتياطى النقدى، وبالتالى سيكون هناك قدر من الحرية والمرونة فى التعامل مع الأزمات والمستجدات غير المتوقعة والتى قد تطرأ من حين لآخر.
وفى السياق ذاته، شددت «الدماطى» على أهمية ترشيد النفقات الدولارية، خارج نطاق مستلزمات الصناعة والتصدير.
وأكدت على حتمية هيكلة القطاع الإدارى، أو على الأقل الجزء الخاص بالاستثمار، مشددة على أهمية التحرك العاجل فى هذه الإجراءات مجتمعة، وبشكل متوازٍ.
ومن جانبه، لفت طارق متولى، الخبير المصرفى، إلى أن هدف التعويم هو وجود سوق صرف منتظمة، والقضاء على السوق السوداء، مشددًا على أن الهدف من هذه الخطوة هو العمل على توافر الدولار فى سوق صرف منتظمة.
وأضاف أن هناك طائفة واسعة من الممارسات والإجراءات التى يجب اتباعها لإنجاح هذه السياسة، موضحًا أنها نفس الإجراءات التى اتبعت بالتزامن مع التعويم الأول عام 2016.
وأفاد أنه من المتعين أيضًا – إذا كنا نرغب حقًا فى إنجاح سياسة الصرف المرن وجنى ثمارها المرجوة – أن يتم العمل على تعزيز وتيرة تدفقات الاستثمارات الخليجية أو الأجنبية إلى مصر.
وشدد الخبير المصرفى على أهمية تعزيز جاذبية الجنيه المصرى، لا سيما وأنه يعانى من حالة عامة من فقدان الثقة فيه، مما يدفع الناس إلى الذهاب لخيارات جمة من بينها: الاستثمار فى الذهب، العقارات، أو حتى شراء بعض السلع المعمّرة.
واقترح أن يتم طرح أوعية ادخارية واستثمارية بعوائد مرتفعة قد تصل إلى %25، مع رفع الفائدة إلى %3 أو %4 .
وفى سياق آخر، شدد على ضرورة إجراء سياسة شاملة فيما يتعلق بالإصلاح الهيكلى للدولة، بما يضمن القدرة على جذب المستثمرين وتذليل كافة المعوقات التى قد تعترض طريقهم.
أما محمد بدرة، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة أحد البنوك الخاصة، فقد أشار إلى أن هناك مدخلين لجلب العملة الصعبة، أولهما تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، موضحًا أنه من المهم استقراء تجارب الدول فى هذا الصدد.. وأن الهند والفلبين أكثر دولتين تستفيدان من تحويلات مواطنيها الموجودة فى الخارح، ومن ثم على مصر الاستفادة منها، أملًا فى توفير العملة الصعبة، وخلق مسار موازٍ لإنجاح سياسة الصرف المرن.
وذكر أن المسار الثانى لتوفير العملة الصعبة هو السياحة، مشددًا على ضرورة قيام مصر باستغلال الفرص الكامنة فى هذا التوقيت بالتحديد، خاصة فى ظل أزمة الطاقة والطقس شديد البرودة فى أوروبا.
كما أوضح أنه من المهم أيضًا أن تكون تحويلات الأجانب المقيمين فى مصر إلى الخارج، عبر القنوات الرسمية، رغبة فى تحقيق أقصى استفادة ممكنة منها.
وأشار إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد الأجنبى قد يعنى شهادة منه حول قوة ومتانة الاقتصاد المصرى أو على الأقل قدرته على تحقيق تقدم معتبر، مبينًا أن هذا فى حد ذاته قد يحفز المستثمرين الأجانب للقدوم إلى مصر والاستثمار فيها.
وأكد أنه إذا لم تنجح سياسة الصرف المرن الحالية، فإن التكلفة ستكون كبيرة والعواقب قد تكون وخيمة، مشيرا إلى أن هذه السياسة قد تستغرق وقتًا – يتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات – حتى تؤتى ثمارها المرجوة.