مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز “دونالد ترامب” تبدو شركات التكنولوجيا في حالة ترقب حذر، حيث تثار تساؤلات حول كيف سيؤثر فوز دونالد ترامب بولاية ثانية على مستقبل الشركات الكبرى في وادي السيليكون.
ولا تزال غالبية العاملين في قطاع التكنولوجيا في سان فرانسيسكو، بما في ذلك المسئولون التنفيذيون في الشركات الكبرى، يصوتون لصالح الديمقراطيين. ومع ذلك، لم يكن ذلك مانعًا لبعض الشخصيات البارزة في مجال التكنولوجيا، مثل إيلون ماسك، وبعض رجال الأعمال والمستثمرين اليمينيين، من دعم حملة ترامب أو حتى تمويلها. بينما اختار آخرون تقديم دعمهم لمرشحة الحزب الديمقراطي، في حين فضل البعض الآخر البقاء على الحياد.
ومع ذلك، بغض النظر عن مواقفهم السياسية أو من صوتوا له، فإن ولاية ترامب الثانية ستترك بصمتها على الجميع في قطاع التكنولوجيا. من شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى مستثمري العملات المشفرة، وصولًا إلى الشركات التي تسعى لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، فإن التأثير سيكون محسوسًا بشكل واسع.
في حال عين ترامب إيلون ماسك في منصب رسمي في إدارته – وهو ما أشار إليه في وقت سابق من أنه قد يضع ماسك على رأس “إدارة جديدة لكفاءة الحكومة” التي تهدف إلى تقليص حجم الحكومة الفيدرالية – فسيجد ماسك نفسه في وضع قوي جدًا من حيث التأثير على الجهات التنظيمية التي تشرف على شركاته مثل “تسلا” و”سبيس إكس”.
ولكن السؤال يبقى: هل سينجح ماسك في تحقيق أهدافه؟ قد يسعى “ماسك” إلى إبعاد أي شخص يعترض طريقه، أو قد يعمد إلى اتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي اتبعها مع “تويتر”، حيث أمر بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين واحتفظ فقط بالذين يعتبرهم مخلصين.
وبغض النظر عن الطريقة التي سيتبعها، يبدو أن كل هذه التحركات تصب في مصلحة “ماسك”. فشراءه لتويتر بمبلغ 44 مليار دولار، بالإضافة إلى الأموال التي أنفقها في دعم حملة ترامب، تبدو الآن أمورًا تافهة مقارنةً بحجم النفوذ الذي سيحظى به في إدارة ترامب المقبلة.
علاقات ماسك مع ترامب لن تكون الوحيدة التي ستشهد تقاربًا في ظل ولاية ترامب الثانية. فمع اقتراب فترة الانتخابات، يسعى العديد من قادة وادي السيليكون إلى تعزيز علاقتهم بالإدارة القادمة بسرعة، في محاولة لضمان مصالحهم في حال فوز ترامب.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى، كان بعض قادة التكنولوجيا في مواجهة علنية مع الإدارة، حيث استقالوا من مجالس استشارية مختلفة وتحدوا بعض السياسات المتبعة. لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن معارضة ترامب كانت تأتي بتكلفة عالية. في إحدى الحالات، ادعت شركة أمازون في المحكمة أنها فقدت عقدًا بقيمة 10 مليارات دولار مع وزارة الدفاع بسبب “الانتقام الشخصي” لترامب من جيف بيزوس، مؤسس أمازون ومالك صحيفة “واشنطن بوست”.
في هذه المرة لن يكونوا على استعداد لارتكاب نفس الخطأ. فقد بدأ العديد من قادة التكنولوجيا، بما فيهم مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، في التقرب من ترامب قبل الانتخابات، استعدادًا لأي احتمال بفوزه. ويُذكر أن زوكربيرج كان قد هدد ترامب سابقًا بوضعه في السجن، لكن حتى الأعداء السابقين لترامب، مثل بيزوس، ابتعدوا عن انتقاده بشكل علني. بل إن بيزوس أرسل تهنئة رسمية لترامب بمناسبة فوزه في الانتخابات.
ومن المتوقع أن يتجنب معظم قادة التكنولوجيا الدخول في مواجهات علنية مع ترامب هذه المرة. وعلى الرغم من أن بعضهم قد يشعرون بالاستياء في الخفاء، فإننا قد نرى أغلبهم يلتزمون الصمت أو حتى يدعمون أجندة الإدارة في فترتها الثانية، وذلك في ضوء ما شهدناه من تبني نهج “الاسترضاء” خلال الحملة الانتخابية.
لطالما ألقى ترامب بظلال من الشكوك حول العملات المشفرة، ولكن في العام الماضي، تحول إلى مؤيد علني لصناعة العملات الرقمية. وفي إطار حملته الانتخابية، وعد ترامب بتقديم دعم لمختلف قضايا القطاع مقابل ملايين الدولارات من التبرعات المقدمة من مجموعات مؤيدة للعملات المشفرة. ومن بين هذه الوعود الغريبة، تعهد ترامب بالتخفيف من العقوبة السجنية بحق روس أولبريخت، مؤسس “طريق الحرير” في شبكة الإنترنت المظلم، الذي أصبح بطلًا في الأوساط التشفيرية الليبرالية.
ومن المؤكد أن صناعة العملات المشفرة ستشهد تغييرات كبيرة في ظل إدارة ترامب الثانية، مع توقعات بإجراءات تدعم القطاع بشكل قوي. البداية ستكون من خلال إقالة جاري جينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، الذي أصبح شخصية مكروهة بين شركات العملات المشفرة بسبب حملاته التنظيمية الصارمة.، فمن المتوقع أن تتخلى الإدارة الجديدة عن التحقيقات والملاحقات القانونية التي كانت قد استهدفت شركات التشفير في ظل إدارة بايدن. كما يُتوقع أن تتخذ الأصوات المؤيدة للعملات المشفرة دورًا محوريًا في صياغة اللوائح التنظيمية الجديدة للصناعة.
النتيجة المحتملة لهذا التحول هي ارتفاع كبير في أسعار العملات المشفرة، كما حدث بالفعل بعد الأخبار المتعلقة بترامب، حيث شهدت أسعار البيتكوين ارتفاعًا ملحوظًا في تلك الليلة. وبالتالي، فإن المستثمرين والمديرين التنفيذيين في صناعة العملات المشفرة، الذين استثمروا ملايين الدولارات لدعم حملة ترامب وغيره من المرشحين المؤيدين للعملات الرقمية، سيكونون على الأرجح راضين عن العوائد التي يحصلون عليها من تلك الاستثمارات.
ومن المتوقع أن يقوم دونالد ترامب وحلفاؤه بإزالة أي شخص مرتبط بمعركة مكافحة الاحتكار التي خاضتها إدارة بايدن ضد شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون، وقد أعلن إيلون ماسك بالفعل عن عزمه إقالة لينا خان، رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، التي قادت العديد من القضايا ضد شركات مثل أمازون وميتا. كما يُتوقع أن يطهر ترامب وزارة العدل من المسؤولين الذين كانوا يشرفون على رفع القضايا ضد شركات بارزة مثل أبل.
وقد تكون شركة بايت دانس، المالكة لتطبيق “تيك توك”، هي الشركة التكنولوجية الوحيدة التي قد تحتفل بفوز ترامب في الانتخابات. ففي إطار مشروع قانون “حظر تيك توك” الذي أقره الكونجرس ووقع عليه الرئيس بايدن هذا العام، كان من المفترض أن تبيع بايت دانس عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة بحلول يناير المقبل، وإلا فإن التطبيق كان مهددًا بحظر شامل في البلاد.
لكن هذا التهديد قد لا يتحقق الآن، إذ بعد سنوات من محاولات ترامب لحظر “تيك توك” خلال ولايته الأولى، بدا أن موقفه قد تغير هذا العام بعد ضغوط مكثفة من مستثمر رئيسي في بايت دانس. منذ ذلك الحين، تعهد ترامب بالحفاظ على وجود “تيك توك” في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لا يمكن لترامب إلغاء القانون دون موافقة الكونجرس، وقد تخسر “تيك توك” قضاياها في المحكمة، مما يعني أن حظر التطبيق لا يزال احتمالًا قائمًا. لكن ترامب قد يختار ببساطة تجاهل تنفيذ القانون أو الوفاء بوعده بترك الشركة تعمل بحرية في الولايات المتحدة.