وضع خبراء فى سوق المال، توقعاتهم لكيفية استعادة البورصة المصرية تحركاتها القوية لتعاود الصعود صوب مستوياتها القياسية بين 16000 و18000 نقطة، والتى هبطت منها إلى مستويات حول الـ 9000 نقطة حاليًا، نتيجة تضافر عوامل عدة محلية وعالمية.
وفى تحركات ليست مفاجئة دارت عقارب ساعة مؤشرات البورصة المصرية 6 سنوات إلى الوراء، متراجعة إلى مستويات تقارب تحركاتها قبيل تحرير سعر الصرف فى 2016، وبعدها اندلاع أزمة كورونا، إذ تطل برأسها قليلًا فوق مستويات الـ9000 نقطة.
ولم تكن مستويات الـ9000 نقطة التى تدور البورصة فى فلكها حاليًا هى الأدنى فى الفترة الراهنة، حيث استقرت عند 8764 نقطة قبيل إجازة عيد الأضحى، وهو مستوى أعلى بنحو 400 نقطة من المستويات التى سجلتها السوق قبل قرار التعويم مباشرة عند 8300 نقطة فى أكتوبر 2016.
ويرى الخبراء أن هناك عدة عوامل تؤثر فى أداء البورصة المصرية حاليًا، على الصعيدين المحلى والعالمى، أبرزها الحرب الروسية – الأوكرانية، وتسارع وتيرة التضخم، وارتفاعات الدولار مقابل الجنيه، والسياسة النقدية التشددية، مشيرين إلى أن عودة السوق للمستويات السابقة يتطلب فى المقام الأول حل هذه الأمور.
ولم تقف السوق عند مستويات 8000 نقطة فى 2016، بفضل قرار التعويم الذى صعد بها إلى 12345 نقطة بنهاية العام، واستمرت وتيرة الارتفاعات لتصل إلى 15019 نقطة بنهاية 2017، ثم 18296 نقطة فى إبريل 2018، لتعاود الاستقرار فى مناطق الـ16000 نقطة من مايو وحتى أغسطس من نفس العام، ومن ثم تتراجع لتتمركز فى مستويات تتراوح من 13000 إلى 14000 نقطة حتى فبراير 2020 قبل اندلاع أزمة كورونا مباشرة.
وأسفرت تداعيات فيروس كورونا عن مواصلة البورصة التراجعات إلى ما بين 10000 إلى 11000 نقطة، حتى مايو العام الحالى، قبل أن تتدهور مؤشراتها إلى القيم الحالية.
وقالت رانيا يعقوب، رئيس مجلس إدارة شركة “ثرى واي” لتداول الأوراق المالية، إن المستويات التى تشهدها البورصة حاليًا اصطدمت بها كقاع للسوق أثناء أزمة فيروس كورونا، فى ظل غياب المحفزات الداخلية آنذاك.
ولفتت رانيا يعقوب إلى أنه من الصعب التنبؤ بموعد عودة السوق لمستويات الـ18000 والـ 16000 نقطة التى انحدر منها، فى ظل تسارع وتيرة التضخم محليًا وعالميًا، ومخاوف استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وعدم التوصل إلى حلول لأزمة الطاقة، خاصة فى أوروبا قبل موسم الشتاء، ما ستترتب عليه تداعيات خطيرة على الأسواق العالمية، وبالتبعية السوق المصرية.
وترى أنه فى حالة صعود الأسواق يؤدى كل اقتصاد حسب قدرته، على التعافى من الأزمات.
وقال الدكتور مدحت نافع، خبير سوق المال، إن المعول الحقيقى لنشاط البورصة ليس قيمة المؤشرات، خاصة أن بلوغ القيم المرتفعة نسبيًا لها لم يقترن بتدفقات أجنبية ولا زيادة نصيب المؤسسات، وصاحبه تراجع ملحوظ فى نسبة رأس المال السوقى إلى الناتج المحلى الإجمالى وانخفاض فى عدد الشركات المقيدة والنشطة، وتركز قطاعى غير محمود، وتراجع قيمة التداول مقومة بالدولار.
وأضاف أن مؤشر البورصة الرئيسى المقوم بالدولار يشهد تراجعًا مستقرًا من عام 2011 وحتى تاريخه دون استثناء، كما أن سيطرة الأفراد على التداول وغياب السيولة، واستخدام سهم البنك التجارى الدولى الأكثر تأثيرًا فى المؤشر لتحويل النقد الأجنبى فى الفترة السابقة على التعويم كل تلك التشوهات تقلل من قيمة المؤشرات السعرية فى رصد حركة تطور البورصة.
وأشار “نافع” إلى أن البورصة تواجه تحديات على صعيدين جيوسياسية، واقتصادية، إذ تتمثل الأولى فى تطور الأوضاع على جبهة النزاع الروسى الأوكرانى والتداعيات العالمية المرتبطة به، كما تعانى منطقة الشرق الأوسط من مخاطر مزمنة تشجع الأموال الساخنة للاستثمار فى أدوات الدخل الثابت (مثل السندات وأذون الخزانة الحكومية) بعيدًا عن المنتجات المالية عالية المخاطر والاستثمار المباشر أو حتى الاستثمار غير المباشر فى الأسهم لارتفاع المخاطر المرتبطة بها عن مخاطر أدوات الدخل الثابت بالطبع.
وتابع، على صعيد التحديات الاقتصادية ساهمت جائحة كورونا فى انكماش معظم دول العالم خلال العام 2020 وتعرضت حركة الأفراد ورؤوس الأموال إلى صدمة شديدة، فضل على خلفيتها العديد من المستثمرين الملاذات الاستثمارية الآمنة، مثل الذهب والعقارات، وتزاحمت الملاذات الضريبية الآمنة على جذب المستثمرين من كل دول العالم حتى من قبل تفشى الوباء.
وقال إبراهيم النمر، رئيس قسم التحليل الفنى فى شركة النعيم لتداول الأوراق المالية، إن البورصة المصرية هبطت إلى مستويات حول الـ8000 نقطة، مع اندلاع أزمة كورونا فى مارس 2020، وقبل التعويم، وباغتتها الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها قبل أن تستطيع الشفاء من تداعيات كورونا.
وتابع إن العودة إلى تحقيق المستويات المرتفعة السابقة، والتى تراوحت من 16000 إلى 18000 نقطة عقب التعويم تتطلب فترة زمنية طويلة وإجراءات اقتصادية كالتى تم فرضها سابقًا، تحقق نموًا حقيقيًا وملموسًا للاقتصاد يأخذ فى الاعتبار معدلات التضخم وسعر الصرف، وتنعكس على معدلات البطالة، ومستوى معيشة المواطنين، وأرباح الشركات والمؤسسات.
وقال عامر عبدالقادر، رئيس قطاع السمسرة للتطوير بشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية، إن مصر كانت من بين أكثر الأسواق تأثرًا بتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، على عدة أصعدة أبرزها قطاع السياحة، والذى يُعد السوقين الروسية والأوكرانية من أهم روافده السياحية، وسوق الأسهم، ما أدى إلى تراجعها إلى مستويات متدنية للغاية.
وأشار “عبد القادر” إلى أن التوصل لاتفاق على صعيد الحرب الروسية – الأوكرانية سينعكس على أسواق الأسهم ومعاودة ارتفاعاتها، وبالتبعية السوق المحلية، مؤكدًا أنه فى حالة تحقق ذلك قد تصل البورصة المصرية لمستويات 11000 نقطة قبل نهاية العام.
ولفت تقرير صادر عن بحوث مباشر إلى أن متوسط نسبة الانخفاض السنوى من الذروة إلى القاع فى أسعار مؤشر EGX30 المقوم بالجنيه خلال الفترة من 2007 إلى 2021 بلغت %37، وكانت أعلى نسبة سنوية فى هذه الفترة فى 2008 بواقع %69.
ولفت التقرير إلى أن السنوات 2011، و2016 حتى الآن هى الأكثر تشابهًا مع العام 2022 فيما شهدته البورصة من أوضاع، نظرًا لأن العوامل التى ساهمت فى تراجع أداء السوق خلال الفترة من 2011 حتى 2016 هى مخاطر تتعلق بالشأن المحلى، أدت إلى موجة قوية من تخارجات رؤوس الأموال، مثل تلك التى حدثت فى 2022.
وسجلت مبيعات المستثمرين الأجانب بالبورصة المصرية منذ بداية العام الحالى وحتى نهاية تعاملات الأسبوع الماضى 11 مليار جنيه، وتراجع مؤشر السوق الرئيسية بنحو 22.5%، وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن البورصة.
وأشار التقرير إلى أن تراجعات 2022 تعود بشكل أساسى إلى أسباب عالمية أثرت على أسواق الأسهم حول العالم، خاصة أسواق الدول النامية، واعتبر أن مصر كانت من أكثر الدول تأثرًا بالحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها، ما جعل موجة تخارجات الاستثمارات الأجنبية واضحة.
وقال التقرير إن ذروة وقاع مؤشر EGX30 المقوم بالجنيه منذ بداية العام الحالى، وحتى تداولات 3 يوليو، بلغت 12069 نقطة و8924 نقطة على الترتيب، ما يعنى انخفاضًا من الذروة إلى القاع بنسبة %26.
وترى بحوث مباشر أن القاع فى البورصة حاليًا مرتبط بوصول معدلات التضخم إلى الذروة، وقرب نهاية السياسة النقدية الانكماشية، والحرب الروسية الأوكرانية، وانتهاء ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، وتوقيع مصر للاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولى، وإعلان تواريخ محددة لانتهاء برنامج الإصلاح الهيكلى فيما يتعلق ببرنامج الدعم السلعى، والطروحات الحكومية، ووضوح الرؤية بشأن المخاطر الجيوسياسية الإقليمية الأخرى، مثل الخلاف المصرى – الإثيوبى، أو أن تعبر الأسعار السوقية عن أخذ آثار كل تلك المخاطر على نتائج الشركات المقيدة.